عادل حمودة يكتب: حيرة 100 مليون فى مصر: نأخذ الفاكسين أم ننتظر؟

مقالات الرأي



اختلاف الأطباء حول اللقاحات ليس رحمة

المؤيدون

لم تصل إلى درجة أمان 100% لكن ليس له آثار جانبية خطرة حتى الآن

لابد من جرعتين لضمان تكوين الأجسام الدفاعية المضادة فى الجسم 

ما حدث انتصار للعبقرية الإنسانية ومثال للتعاون بين البشرية فى ظروف طارئة وضغوط صعبة


المنتظرون

اختصار مدة البحوث من 70 شهرًا إلى 7 أشهر لم يمنح اللقاحات درجة أمان مائة فى المائة 

نتائج استخدام اللقاحات لن تظهر فى مجلة علمية محترمة قبل ثلاثة أشهر

خرجت مارجريت كينان إلى أصدقائها تحمل تورتة عيد ميلادها الواحد والتسعين وهى تغطى أنفها وفمها بكمامة طبية.

أصابت الدهشة الجميع وحاصروها بأسئلتهم.

مسز كينان أول شخص على سطح الدنيا حُقن بضم الحاء بالمصل المضاد لفيروس كورونا فى بريطانيا ورغم ذلك عليها الالتزام باستخدام الكمامة ومواصلة تنفيذ تعليمات السلامة.

بات مؤكدًا أن المصل وحده لا يكفى ولا مفر من الاستمرار فى إجراءات الحذر من الفيروس لزيادة نسبة الأمان إلى ما فوق النسبة المعلنة.

يمكن أن يصاب من تناول المصل بالمرض ولكن لن تظهر عليه أعراضه وفى هذه الحالة سيكون حاملا للفيروس دون أن ينتبه أحد.

والمؤكد أن الشركات المتخصصة فى اللقاحات كانت تعمل تحت ضغوط شديدة لتتوصل إلى لقاح ينقذ البشرية من الجائحة الشرسة التى تحمل توكيلا نشطا من الموت وقلبت موازين السياسية وأفسدت خطط التنمية وغيرت السلوكيات الاجتماعية.

وفى الوقت نفسه فإن الوصول إلى هذه اللقاحات فى سنة واحدة يعد انتصارا للعبقرية البشرية ونموذجا غير مسبوق للتعاون الدولى.

وإن فرضت حالة الطوارئ على تلك الشركات تحديا صعبا لتنتج لقاحا مثاليا تماما وإن كان ما توصلت إليه يخفف من الوباء يوما بعد يوم حتى السيطرة على الفيروس.

كان الأهم الوصول إلى لقاحات آمنة إلى حد كبير ولكن لكى تكون مؤثرة لابد من تناول جرعتين حتى تضمن تكوين الأجسام المضادة بنسبة عالية تجهز على الفيروس لو اخترق الجسم.

فى لقاح شركة فايز الأمريكية وشركة بيونتيك الألمانية تكون المدة بين الجرعتين 28 يوما وتصل نسبة تأثيره إلى 95 فى المائة وفى اللقاح الذى أنتجته شركة سينوفاك الصينية تقل المدة إلى 21 يوما ويصل تأثيرة إلى 86 فى المائة.

وحتى اللحظة الحالية يوجد 120 لقاحا ضد كورونا ولكن لا يزال بعضها يمر بالتجارب السريرية قبل إنتاجه ولكن لا لقاح واحد منها حتى الآن يكتفى بجرعة واحدة.

بل إن فاعلية اللقاح مهما كان لن تزيد عن ستة شهور وفى أفضل الأحوال يمكن أن تصل إلى تسعة شهور وغالبا سيكون تناول اللقاح موسميا مثل لقاح الأنفلونزا وقطعا سيتغير اللقاح من سنة إلى أخرى لتحطيم المناعة التى سيكتسبها الفيروس بتحويره المستمر.

واللقاح الصينى سينافورم أنتح بطريقة تقليدية تعتمد على حقن الجسم بفيروس ضعيف لينشط جهاز المناعة لتكون الأجسام المضادة التى تتربص بالفيروس إذا ما تسلل إلى الجسم.

أما لقاح فايزر بيوتنيك الذى وافقت عليه هيئة الدواء والغذاء الأمريكية فاعتمد على طريقة جديدة ومختلفة تسمى ماسينجر آر إن أيه ترسل إلى الخلايا مادة تضلل الفيروس وتوحى إليه بأنها تنتج البروتين الذى يتغذى ويتكاثر عليه ولكنها فى الحقيقة تنتج مادة تقضى عليه وعلى الحراب التى تخرج منه.

وتستخدم هذه الطريقة فى علاج السرطان بتوجيه الضربات المباشرة للخلايا المصابة دون الإضرار بالخلايا السليمة.

ويحتاج نقل لقاح ماسينجر أو الرسول إلى درجة حرارة لا تقل عن سبعين تحت الصفر لا يوفرها إلا النتروجين المجمد بينما لا يحتاج لقاح سينوفارم سوى من درجتين إلى ثمانى درجات مئوية مما يسهل نقله دون احتياطات تذكر.

كان لقاح سينافورم أول لقاح يستخدم فى مصر بعد أن شاركت بنحو ثلاثة آلاف متطوع فى تجاربه الإكلينيكية والسريرية إلى جانب متطوعى السودان والبحرين والإمارات التى حصلت إحدى شركاتها على توكيل اللقاح شركة 42 جى للرعاية الصحية تمهيدا لإنتاجه.

ولكن لن تكتفى مصر باللقاح الصينى وإنما ستدخل لقاحات أخرى حسب اتفاقها مع التحالف العالمى للقاحات أو جافى الاسم المختصر من الحروف الأولى.

وجافى شراكة صحية دولية بين القطاعين الخاص والعام أنشئت فى عام 2000 ومقرها العاصمة السويسرية جنيف وملتزمة بتوصيل اللقاحات إلى الدول النامية مجانا أو بسعر مناسب حسب قدرة كل دولة ماليا.

وتمول جافى منظمات تابعة للأمم المتحدة أهمها اليونسيف والصحة العالمية والبنك الدولى ومراكز الأبحاث الطبية فى الشركات والجامعات إلى جانب مؤسسات المجتمع المدنى وعلى رأسها مؤسسة بيل وميليندا جيتس التى تبرعت وحدها بمليار ونصف المليار دولار.

وعادة ما تكون هناك فترة كافية بين الأبحاث والإنتاج تقدر بنحو 70 شهرا ولكن حالة الطوارئ التى فرضت على الشركات المنتجة جعلتها تختصر المدة إلى سبعة أشهر كما أن الأعداد التى أجريت عليها التجارب لم تكن كبيرة مما يعنى عدم التأكد من رصد كل الآثار الجانبية.

والمقصود: إن الأطباء المتحمسين للقاحات المتوفرة والمستخدمة يؤكدون أنها لا تصل إلى نسبة أمان مائة فى المائة ولكنها حصلت على تصريح مؤقت بضمان صحى مناسب مع الانتباه الجيد للآثار الجانبية مع تزايد استعمالها.

وهم يرون أن ما حدث حتى الآن مطمئن فلم تظهر أعراض جانبية خطرة حتى الآن كل ما وجد إحمرار مكان الحقن يزول بكريمات موضوعية وارتفاع بسيط فى درجة الحرارة يستخدم معه مخفض للحرارة وتكسير فى الجسم سرعان ما يزول وسيلان فى الأنف يتلاشى مع سوائل دافئة.

ولكن على الجانب الآخر هناك أطباء ينتمون إلى المدارس الصحية التقليدية والمحافظة يرون التريث فى استعمال اللقاحات حتى نطمئن إليها تماما خاصة أن لا شركة واحدة من الشركات المنتجة للقاحات نشرت نتائجها فى مجلة علمية موثوق فيها وعلى سبيل المثال لن تنشر سينافورم نتائجها قبل ثلاثة أشهر فلم لا ننتظرها؟.

وخرجت الخلافات بين الأطباء وكلهم أسماء لها وزنها إلى العلن عبر الميديا فى مقدمتها برامج التوك شو والمواقع الإلكترونية مما أربك الرأى العام وجعله فى حالة تذبذب حادة: فى ثانية يتحمس للقاح وفى الثانية التالية يرفضه.

وتضاعفت الحيرة بنقل المناقشات غير المنتهية إلى نتيجة محددة تزيل القلق إلى شبكات التواصل الاجتماعى التى ضاعفت الحيرة.

ترى كيف يصل المواطن العادى إلى قرار يرى أطباء كبار أن عليه أخذ اللقاح ويرى أطباء غيرهم وكبار أيضا أن من الحكمة التأجيل؟.

لا مفر من خروج بيان واضح من وزارة الصحة تضع فيه النقاط فوق الحروف وتحتها وترشد المواطن إلى ما للقاحات وما عليها ليتخذ القرار الذى يراه مناسبا.

ولابد أن يوقع على البيان أعضاء لجنة من أبرع أطباء الأمراض الصدرية والفيروسية أولهم الدكتور عوض تاج الدين ؛ مستشار رئيس الدولة الذى نثق فى خبرته وسمعته وسلامة ضميره.

وأسوأ ما يحدث فى العالم استخدام اللقاحات فى الاختلافات السياسية بين الفاكسين الصينى الشيوعى والفاكسين الأمريكى الرأسمالى وكأن فى العلم والطب مثل هذا السخف.

وفى داخل بريطانيا سارعت حكومة بوريس جونسون بالتباهى بأنها الحكومة الأولى فى العالم التى أوصلت اللقاح إلى شعبها دون أن تنتظر نتائجها وفى الوقت نفسه اتهمت شركة فايزر بأنها تعمدت إعلان نجاح لقاحها حتى اطمأنت على خروج ترامب من السباق الرئاسى.

وهناك خلاف واضح بين الدول حول ترتيب أولوية من يحصلون على اللقاح قبل غيرهم.

فى مصر نبدأ بالأطقم الطبية التى تتعامل مباشرة مع الكورونا وهو أمر طبيعى ولا خلاف عليه ثم يأتى كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة وبعدهم الفئات السليمة من الكبار حتى نتدرج هبوطا لنصل إلى الشباب.

لكن هناك ترتيباً آخر للأولوية فى الولايات المتحدة حسب ما نشرت وول ستريت جورنال نقلا عن هيئة الدواء والغذاء يوجه الدفعة الأولى من اللقاح 21 مليون جرعة إلى أطقم الرعاية الطبية ومعهم أطقم الخدمات غير الطبية فى المستشفيات 3 ملايين جرعة أما الدفعة الثانية فتوجه إلى عمالة الخدمات الذين يتعاملون وجها لوجه مع الناس فى المطارات والجامعات والمطاعم والمقاهى مثلا 87 مليون جرعة أما الدفعة الثالثة فتوجه إلى الذين يعانون من أمراض عالية الخطورة مهما كانت أعمارهم 100 مليون جرعة وتذهب الدفعة الرابعة إلى الكبار فوق 65 سنة 53 مليون جرعة.

وخلال شهر ديسمبر سيحقن باللقاح 25 مليون أمريكى ويرتفع الرقم فى شهر يناير إلى 30 مليونا ويصل إلى 50 مليونا فى شهرى فبراير ومارس.

وأتصور أن الترتيب الأمريكى يسمح لنا بإعادة النظر فى أولوياتنا لنضع بعد الأطقم الطبية العاملين أطقم الخدمات غير الصحية فى المستشفيات ثم من يعانون من الأمراض عالية الخطورة كبارا وصغارا ثم من هم فوق سن الخامسة والستين ثم الشباب.

لكن الأهم علينا مساعدة الناس فى أن ترسو على بر.

مصادر المقال:

1- حوار مباشر مع الدكتور عوض تاج الدين.

2- حوار مباشر مع الدكتور طارق صفوت.

3- صحيفة وول ستريت جورنال 12، 13 ديسمبر الجارى.

4- موسوعة ويكيبيديا جوجل.

5- صحيفة الجاردان 10 ديسمبر الجارى.