رامى المتولى يكتب: اختيارات أفلام من منظور إنسانى

مقالات الرأي




1- «الأب».. تفاصيل أثرت المتعة البصرية

الظروف التى يواجهها العالم منذ نهاية عام 2019 بسبب فيروس كوفيد 19 غيرت شكل كل شيء خلال عام 2020، وتراجع النشاط السينمائى فى العالم بأكمله، أثر ذلك على مهرجان القاهرة الذى تأخر ميعاد انعقاد دورته الـ42 لشهر ديسمبر وأقيمت فعالياته بمشاركة مميزة لوزارة الصحة التى كان ممثلوها من الأطباء يحرصون على تطبيق جميع الإجراءات الاحترازية، وكعادة المهرجان فى السنوات الأخيرة ضم البرنامج العديد من الأفلام المميزة والتى لا تقتصر على المسابقة الرسمية بل امتدت لباقى الأقسام.

فيلم الافتتاح The Father البريطاني/ الفرنسى الجنسية الذى لم يشارك فى أى منافسات خلال الدورة لكنه واحد من أفضل وأبرز الأفلام التى عرضها المهرجان خلال أيامه الـ9، من بطولة أنتونى هوبكنز وأوليفيا كولمان وكلاهما حازا على جوائز الأوسكار فى فئة التمثيل، إلى جانب جوائز أخرى منها البافتا والجولدن جلوب فى الفئة، ويشاركهم فى الأدوار الرئيسية مارك جاتيس وأوليفيا ويليامز وإيموجين بوتس وروفوس سيويل، ومستوحى من مسرحية فرنسية تحمل العنوان نفسه من تأليف مخرج الفيلم فلوريان زيلر، وهو الفيلم الأكثر تكاملا من الناحية الفنية مقارنة بأفلام الدورة والذى يمثل لصناعه عددا كبيرا من التحديات على رأسها الوسيط المختلف تماما القادم منه العمل الأصلى والذى يفرض عادة محدودية الأماكن التى تدور فيها الأحداث وعدد الممثلين الأقل والاعتماد الأكبر على الأداء التمثيلى.

كما يمثل تحويل العمل من مسرحية لفيلم تحديا آخر يلقى على عاتق أهم عناصر الفيلم وهو السيناريو، فيلم The Father منح جمهور مهرجان القاهرة السينمائى دليلا عمليا وآنيا فى أحقية كاتبه كريستوفر هامبتون فى التكريم الذى منحه له مهرجان القاهرة، ليضاف إلى مجموع جوائزه وتكريماته التى نالها من أكبر المؤسسات والمهرجانات الدولية ومنها الأوسكار والبافتا ومهرجان كان السينمائى، أى أن كل التفاصيل التى يمكن أن تضعف فيلمًا سينمائيًا أو تجعل العمل الأصلى لا يتناسب مع طبيعة وسيط السينما عند تنفيذه كفيلم سينمائى توافرت فى هذا الفيلم، واستطاع صناعه وفريقه فى تحويلها لنقاط قوة، ليتحول هذا الفريق بداية من المخرج ومؤلف المسرحية للسيناريست وصولا للممثلين مرورًا بمدير التصوير بن سميثارد للمونتير يورجوس لامبرينوس وتصميم الإنتاج بيتر فرانسيس والموسيقى التصويرية لودوفيكو ايناودى.

الاهتمام بإبراز تفاصيل هذه الشقة الصغيرة، التى يعتبرها الأب أنتونى (أنتونى هوبكنز) السبب فى طمع ابنته آن (أوليفيا كولمان) وتعاملها القاسى معه هى وزوجها، مهم ليقنع المشاهد بأهمية هذه الشقة ليست كجدران ومكان للمعيشة لكن ارتباط الأبطال بتفاصيل وذكريات فيها، تمتزج صورة الشقة التى هى من إبداع مهندسى الديكور لتتكامل مع تصميم الإنتاج للفيلم لنجد أن بعضًا من عناصرها الساكنة التى ارتبطت بالشخصية الرئيسية أنتونى قد انتقلت معه لدار الرعاية، والرابط بصريًا بين هذا العناصر هو منهج أصيل فى السيناريو ركز عليه المخرج، باقترابنا من مشغل الأسطوانات الذى يهوى أنتونى سماع الموسيقى الكلاسيكية من خلاله، أو الكرسى الذى يجلس عليه، والعنصر الساكن الأهم هو النافذة التى تغير نظرته على الحياة.

2- «أرض الرُحل».. إعادة اكتشاف الذات

ومن فيلم الافتتاح للفيلم الأمريكى Nomadland الذى عُرض فى القسم الرسمى خارج المسابقة وحصد جوائز من مهرجانات تورنتو وفينيسيا، ومؤكد أنه سيكون منافس أساسى فى موسم الجوائز الأمريكى المقرر أن يبدأ فى يناير المقبل مع فيلم The Father، والتنافس ليس الشيء الوحيد الذى يجمع بين الفيلمين إلى جانب عرضهما فى مهرجان القاهرة، أيضًا مخرجته شابه هىالشابة كلوى تشاو وجمعت مع كونها المخرجة مهام السيناريست والمونتير وواحدة من منتجى الفيلم، وأيضًا لا يعتمد كثيرًا على تعدد أماكن التصوير أو تعدد الممثلين حتى أنه بالفعل يضم بين فريق الممثلين واحدة من الزحَّل الحقيقيين فى الولايات المتحدة هى ليندا ماى والتى ظهرت فى الفيلم باسمها وشخصيتها الحقيقية.

يجمع بين الفيلمين أيضًا مؤلف الموسيقى التصويرية لودوفيكو ايناودي، والذى احتلت موسيقاه جزءا كبيرا من أبراز المشاعر المختلطة فى الفيلمين والتفاعل معها بشكل شاعرى خاصة مع مواقف التحولات أو لحظات الصمت الطويلة الممنوحة لأداء الممثلين فى الفيلمين على حساب الحوار، ليكتمل الجمال البصرى الموجود فى التكوينات داخل الكادرات بالموسيقى، فيلم Nomadland يعتمد على كتاب للصحفية جيسيكا برودر يحمل العنوان نفسه يصور التغريبة الأمريكية التى تلت الأزمة الاقتصادية فى 2007 وتفاعل العمال الأمريكيين معها، بالشكل الذى يعيدنا لأزمة الكساد الكبير فى ثلاثينيات القرن الماضي، قرار فيرن (فرانسيس ماكدورماند) بترك منزلها وتسديد ديونها وشراء سيارة تحولها لمنزل وتسافر فى الغرب الأمريكى لتكون واحدة من العمالة الموسمية التى ترتحل خلف فرص العمل القليلة التى تتوفر بسبب ظروف خاصة، كموسم أعياد الكريسماس واحتفالات رأس السنة بالنسبة لشركة آمازون والتى يزيد الطلب على المنتجات التى يوفرها موقعها الإلكترونى وبالتالى تحتاج لعمالة اكثر. الفيلم كما الحال مع نظيرهThe Father يولى اهتماما كبيرا بعنصر التصوير، وتتحول من خلاله الطبيعة القاسية فى كثير من الأحيان لعنصر ضاغط على البطلة فى رحلتها، والتى نكتشف شيئًا فشيئًا انها ليست هروبا وأنها ليست مجبرة عليها، بل إعادة اكتشاف وأسلوب حياة رافض لتقلبات الرأسمالية، هو أعمق وأكثر جودة فنيًا من Into the Wild، ويمكن بسهولة اكتشاف انه المعادل المعاصر لما حدث فى ثلاثينيات القرن الماضى بالولايات المتحدة فى ولايات الوسط والغرب بمراجعة رواية «عناقيد الغضب» لجون ستاينيك والفيلم الذى انتج عام 1940 ويحمل العنوان نفسه للمخرج جون فورد وبطولة هنرى فوندا وكان من توزيع شركة فوكس، والتى تتولى إحدى شركاتها الفرعية «سيرش لايت» توزيع فيلم Nomadlan.