منال لاشين تكتب: 50 عامًا على رحيل الجسد (8) | اغتيال الزعيم 2
عبد الناصر صوّر بنفسه الطائرات التى كانت تستعد لاغتياله فى البحر المتوسط
المؤامرة الفرنسية للتخلص من عبد الناصر عقابًا على دعم الجزائر
أمريكا قررت التخلص من عبد الناصر خوفًا من نجاح الوحدة مع سوريا
كان استمرار عبد الناصر كابوساً طارد معظم أجهزة المخابرات الأجنبية، وبالنسبة لإسرائيل كان موته أو بالأحرى اختفاؤه من الصورة السبيل الوحيد لتزايد قوتها وتسللها إلى الوطن العربى، وعلى الرغم من هزيمة 5 يونيو، فإن السرعة التى بدأ بها عبد الناصر بناء الجيش واستمرار عمليات حرب الاستنزاف من ناحية، وتمسك الشعب بعبد الناصر وروح النضال التى أظهرها المصريون من ناحية أخرى كانت كفيلة لعودة محاولات الاغتيال
لا تكفى حلقة ولاحتى عشر حلقات لرصد وتحليل محاولات الاغتيال التى تعرض لها عبد الناصر، فالأعداء كُثر والهدف غالٍ وثمين، إن التخلص من عبد الناصر يعنى بالنسبة لأمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا وحتى زعماء وملوك عرب التخلص من العقبة التى تقف فى طريقهم لاحتلال العرب بطرق أخرى، لقد كان عبد الناصر الشوكة القوية التى وقفت فى حلق كل القوى الاستعمارية جديدها وقديمها، استمرار عبد الناصر يعنى استمرار القوة والصمود المصريين، واستقلال الجزائر وحماية سوريا والعراق من المؤامرات الأجنبية. كان استمرار عبد الناصر كابوساً طارد معظم أجهزة المخابرات الأجنبية، وبالنسبة لإسرائيل كان موته أو بالأحرى اختفاؤه من الصورة السبيل الوحيد لتزايد قوتها وتسللها إلى الوطن العربى، وعلى الرغم من هزيمة 5 يونيو، فإن السرعة التى بدأ بها عبد الناصر بناء الجيش واستمرار عمليات حرب الاستنزاف من ناحية، وتمسك الشعب بعبد الناصر وروح النضال التى أظهرها المصريون من ناحية أخرى كانت كفيلة لعودة محاولات الاغتيال. بتعبير كاتب مصرى راحل (لو عبد الناصر انتصر فى الحرب لعبده العرب) ولذلك فمن الاتهامات أو بالأحرى توقعات الكثيرين بأن عبد الناصر مات مقتولا قد يكون لها ما يبررها، ويجعل التمسك بها له بعض الوجاهة.
ولكن إعادة رصد وتحليل عمليات الاغتيال التى تعرض لها عبد الناصر لا تدخل فقط فى باب الإثارة السياسية أو تكريم عبد الناصر، ولكنها تذكر كل من ينسى أو يتجاهل الفكرة المحورية من أيام عبد الناصر إلى الآن، فكرة أن الغرب لم ولن يترك العرب وفى القلب مصر تزدهر وتقوى وتتكامل وتصبح وطنا واحداً، إن محاولات اغتيال عبد الناصر المحلية والعربية والأجنبية ما هى إلا محاولات بائسة لإضعاف مصر وتكبيل الدول العربية حتى لا تنهض وتسير فى طريق الوحدة مثل الاتحاد الأوروبى.
1- فاتورة دعم الجزائر
نحن الآن فى عام 1961 وفرنسا وجهاز مخابراتها يغلى من الغضب، فالجزائر على وشك الاستقلال، وكان عبد الناصر بالنسبة لفرنسا هو الشيطان الذى ساعد الجزائريين فى معركة الحرية، ولذلك حاولت فرنسا التخلص منه، كان عبد الناصر فى الباخرة (الحرية) فى عرض البحر المتوسط فى طريقه للدار البيضاء، وكان يصطحب الباخرة مدمرتين من البحرية المصرية لحمايتها ومن بها، وفجأة جنحت إحداهما ولجأت إلى إيطاليا، أما الأخرى فتعطل أحد محركاتها واضطرت للذهاب إلى إسبانيا، وهكذا بقيت الباخرة الحرية أو بالأحرى عبد الناصر بدون حماية كافية وفى عرض البحر، فالباخرة الحرية هى فى الأصل يخت المحروسة الذى كان ملكا للملك فاروق، وآخر مرة ركبه كانت عند رحيله من مصر، وكانت الأعصاب داخل الباخرة مشدودة، فهناك معلومات مسربة عن محاولة فرنسية لاغتيال عبد الناصر، وفجأة ظهرت طائرات فرنسية تحلق فوق الباخرة مباشرة، وكان عبد الناصر يمارس هوايته فى التصوير فالتقط صورا للطائرات التى كانت قريبة منه، ولذلك اضطر على صبرى أن يشد عبد الناصر من ذراعه لحمايته، وقد ألغيت المحاولة الفرنسية فى اللحظات الأخيرة، فقد خشيت فرنسا من ردود الأفعال لو فشلت العملية أو نجحت.
فى هذه المرة أو المحاولة كان عبد الناصر قريبا من الموت بسبب مساندته للأشقاء فى الجزائر، وإياك أن تتصور أن هذه المساندة ذهبت سدى أو أدراج الرياح، فعلى الرغم من السنوات الدامية الدموية التى عاشتها الجزائر، لن ينسى قادتها قط فضل مصر. كانت الجزائر تقف مع مصر ودعمتها مرارا وتكرارا بشحنات الغاز الطبيعى. بعض الشحنات كانت مجانية وأخرى مخفضة السعر، وأحيانا على النوتة، وكانت معظم صفقات البناء تذهب إلى شركات مصرية وعلى رأسها شركة المقاولون العرب. المثير أن الأخوة فى الجزائر كان لديهم طلب واحد من مصر، مجرد زيارة لرئيس مصرى، ولذلك كانت الجزائر من أوائل الدول العربية التى زارها الرئيس عبد الفتاح السيسى، فبعد عبد الناصر وقبل السيسى كانت هناك أيادٍ خفية وجناحاً قوى فى النظام المصرى ضد تقوية العلاقات مع الدول العربية فى الشمال. إن الخطة الغربية وحتى قبل مخططات التقسيم كانت تسعى لقطع الوطن العربى إلى ثلاث قطع.. الخليج العربى والشمال العربى وترك مصر وسوريا والعراق بدون جناحى العروبة.
2- ثمن الوحدة مع سوريا
وإذا كانت محاولات اغتيال عبد الناصر الفرنسية بسبب دعمه لثورة الجزائر، فقد كانت محاولة الاغتيال الأمريكية فى عام 56 كانت بسبب الوحدة مع سوريا.هذه المحاولة وصل فيها الهوس بالتخلص من عبد الناصر إلى حد التفكير فى إسقاط طائرته لاغتياله، ومن المؤسف أن الأمريكان استعانوا بدولة عربية أو بالأدق ملك عربى للتوسط فى المحاولة، لأن أمريكا وأجهزتها تعلم جيدا أن الوحدة بين مصر وسوريا هى محور قوة للدولتين والعرب، وأنها خطوة قد تشجع دولاً عربية أخرى للانضمام إليها، ولأن أمريكا وأجهزتها تعلم أن وحدة العرب ستوصلهم للقوة وللمكانة الدولية. لكل هذا كانت أمريكا تصارع الزمن للتخلص من هذه الوحدة الوليدة، كانت الخطة على مرحلتين أو بهدفين. الأول رشوة الزعماء السوريين للانفصال عن مصر، أما الثانية فقد كانت إسقاط طائرة الرئيس عبد الناصر وإلصاق التهمة بالسوريين، وقد وضعوا تحت يد قائد عملية الاغتيال 5 ملايين دولار و2 مليون جنيه. لاحظ أن هذه المبالغ فى عام 56، وهى الآن تساوى ملايين من الدولارات، وقد فشلت محاولة الاغتيال لأن المجلس العسكرى السورى سلم العملية لقائد مخابراتى هو عبد الحميد السراج الذى أبلغ عبد الناصر بتفاصيل العملية، فى ذلك الوقت كانت كل من مصر وسوريا دول صغيرة.. لم تبن مصر السد العالى ولا مئات المصانع ولا المدارس ولا الجامعات ولا قصور الثقافة ولا مراكز الشباب. وكانت سوريا كذلك دولة خارجة من عباءة الاحتلال، ولكن مجرد أن قرر الاثنان الوحدة قامت الدنيا ولم تقعد فى أمريكا، فالوحدة تعنى القوة والنسيج الواحد، وعلى الرغم من فشل الوحدة ومرارة الانفصال إلا أن الانفصاليين لم ينجحوا أبدا فى فصل الشعبين المصرى والسورى. زرت سوريا لأكثر من مرة قبل محنتها، وفى المرة الأولى عندما سألت بعض الأصدقاء عن طبيعة العيش فى سوريا، كانت الإجابة واحدة، سوريا هى مصر فى الخمسينيات والستينيات، وقد لمست هذا فى كل مرة زرت سوريا فيها.لقد بنى الرئيس السورى السابق حافظ الأسد سوريا على الطراز أو النظام المصرى فى عهد عبد الناصر، أما حب السوريين لمصر والمصريين فكان ينتشر فى الجو مختلطا بالهواء الذى يتنفسه السوريون. كما أن إيمانهم بالوحدة العربية وبقيادة مصر الشقيقة الكبرى لم يهتز. بالطبع ظهر بعض المتآمرين بدعاوى الخصخصة والانفتاح على الأفكار الجديدة بدلا من التراث العربى القومى البائد، ولكن ظلت هذه الأصوات هى الأضعف والأقل نسبة وتأثيرا فى الشارع السورى، ولعل ذلك يفسر الصراع الإقليمى والدولى المحموم حول سوريا والرغبة فى تقسيمها والسيطرة عليها. لقد ساندت بعض القوى العالمية والدول العربية فى بداية الصراع المتأسلمين الإرهابيين لنزع الهوية القومية العربية عن سوريا. كانوا ولا يزال بعضهم مستعدين إلى تسليم سوريا للإرهاب أو تقطيع سوريا، مستعدين لكل شىء وأى شىء إلا استمرار الهوية العربية العاشقة لمصر ولعبد الناصر وللعرب. نفس الاستعداد والحماس وإنفاق الأموال الطائلة التى أدت إلى محاولة اغتيال عبد الناصر لإفساد الوحدة، فالهدف واحد فى الحالتين وإن اختفت الطريقة وتغير الأبطال والشخوص والملابسات.
الأسبوع القادم طيبة قلب عبد الناصر تنقذه من محاولة اغتيال فى منزله ولما استمر الإخوان فى مطاردة عبد الناصر..