عادل حمودة يكتب: أوباما «لبسنا العمة» فى القاهرة وباع لنا «الترام» فى واشنطن

مقالات الرأي



مذكراته «أرض موعودة» قديمة لا تليق بمعلومات محامٍ حكم أمريكا 8 سنوات 

استقبله مبارك غصبًا عنه فى قصر القبة وهو حزين على وفاة حفيده 

سخر من شدة تأمينه فى القاهرة ونسى أن الأمن الأمريكى أغلق الشوارع المؤدية إلى البيت الأبيض خوفًا على حياة مبارك

كتم مبارك غضبه وهو يلتقى برؤساء التحرير فى إحدى قاعات فندق إنتركونتننتال مدينة هيوستن بعد عودته من مزرعة الرئيس الأمريكى جورج بوش فى كراوفورد تكساس.

لم يفصح مبارك عن سر غضبه واكتفى بجملة «صوتنا من دماغنا» عندما سئل عن تقديره للزيارة ولكن أحد مساعديه سرب لنا على العشاء: أن الرئيس لم يقبل بلهجة التعليمات التى تحدث بها بوش مثل الكاوبوى طالبا تخفيف الضغوط على المعارضة المصرية.

كان ذلك فى يوم الأربعاء 14 إبريل 2004.

ومن يومها وحتى رحيل بوش فى 20 يناير 2009 لم يسافر مبارك إلى واشنطن ولكن تولى باراك أوباما الرئاسة أعاد توصيل أسلاك الاتصالات بعد أن قطعت أكثر من أربع سنوات.

وسارعت الجهات المختصة بترتيب زيارة عودة إلى الولايات المتحدة بعد أن أفرج مبارك عن أيمن نور المسجون فى قضية تزوير توكيلات حزب الغد وإغلاق ملف سعد الدين إبراهيم فى 18 فبراير 2009 بعد إشارات طيبة تلقتها القاهرة لتحسين العلاقات مع واشنطن.

كان مقررا أن تبدأ الزيارة فى 21 مايو 2009 ولكن مبارك لم يتردد فى تأجيلها حزنا على وفاة حفيده محمد فى باريس يوم الاثنين 18 مايو قبل موعدها بثلاثة أيام.

كان مبارك مرتبط نفسيا وعاطفيا بحفيده الراحل وكثيرا ما شاهدناه فى رحلات خارجية يشترى له ثيابا ولعبا من مراكز التسوق وبعدم قدرته على تحمل الصدمة فضل مبارك العزلة ولو لبعض الوقت.

فى تلك الظروف الصعبة تلقت القاهرة طلبا من أوباما ليلقى خطابا فى جامعة القاهرة يوم 4 يونيو بعد أن رفضا عرضين من أنقرة والرياض ووجهت الدعوة إلى ثلاثة آلاف سياسى وحزبى وصحفى وحقوقى وفنان كان بينهم قيادات بارزة فى الإخوان مثل سعد الكتاتنى وحازم فاروق ويسرى تعليب وبدا ذلك متوقعا لوجود 88 نائبا للجماعة فى مجلس الشعب.

حسب ما عرفت من عمر سليمان فإن مبارك لم يتحمس للقاء أوباما قائلا: إنه لم يأت إليه وإنما جاء إلى جامعة القاهرة وبصعوبة وافق على تناول الإفطار معه والجلوس إليه 20 دقيقة فقط على أن يتولى استكمال المفاوضات عمر سليمان ووزير الخارجية أحمد أبو الغيط.

ووقف مبارك أعلى سلم قصر القبة منتظرا أوباما الذى وصل إليه سريعا بقفز الدرجات الرخامية ليجد رئيسا طاعنا فى السن لكنه لم يدرك أن حالة الكمد التى عليها كانت ضاعفت من تأثير سنوات عمره الثمانين وقتها فانطبعت فى ذهن أوباما صورة سلبية لمبارك أثرت على رأيه الذى نشره فى مذكراته الأخيرة: أرض موعودة حيث كتب:

عندما طرحت على مبارك وهما يتحدثان تليفونيا قبل أحداث 25 يناير بأسبوع احتمالية امتداد التظاهرات الغاضبة فى تونس قلل مبارك من شأن ذلك وتجاهله وقال مصر ليست تونس مؤكداً أن التظاهرات يمكن أن تندلع ضد حكمه ولكنها سوف تنتهى سريعا.

ويضيف: وأنا أستمع إلى صوته تخيلت مبارك جالسا فى إحدى الغرف الكهفية المزينة بالزخارف فى قصر الرئاسة حيث التقينا أول مرة على كرسى مرتفع الظهر وحوله عدد محدود من مساعديه يدونون الملاحظات أو يحدقون فيه فقط بينما الستائر منسدلة.

ما كتب أوباما عن اللقاء الأول مع مبارك لم يتجاوز الانطباعات الشخصية التى لم تكن فى صالح مبارك بسبب الحالة السيئة التى كان فيها وقتها.

أخطأ أوباما المحامى الذى تعود على حديث الأدلة وأخطأ أوباما الرئيس الذى تعود الرجوع إلى تقارير المخابرات وهو يحكم على الحكام الذين عرفهم حكما شخصيا انطباعيا دون التدليل عليه بوقائع تثبت وجهة نظره وتدعمها.

فى الوقت نفسه لم يأت أوباما بجديد فى مذكراته عن ما حدث فى مصر بعد احتجاجات يناير وحتى تنحى مبارك وما سرده سبق نشره فى مئات الكتب السياسية والتحقيقات الصحفية وكنا نتوقع أن يكشف لنا ما خفى عنا ولكنه خدعنا.

لم يأت بجديد عندما تعرض إلى انقسام مساعديه حول مصير مبارك حيث كان الكبار فى السن مثل وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون ونائب الرئيس جو بايدن ووزير الدفاع ليون بايتا مع بقاء مبارك بينما كان الأعضاء الأصغر سنا مقتنعين بأن مبارك فقد شرعيته ولا يمكن استمراره.

ولم يأت بجديد عندما تحدث عن قصة تكليف سفير الولايات المتحدة الأسبق فى القاهرة فرانك ويزنر بالسفر إلى القاهرة ليقنع مبارك بالتنحى بعد إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة وهو ما أعلنه مبارك فى خطابه يوم أول فبراير ولكن الخوف من أن يسترد مبارك قوته ويمسح وعوده بعد أن تخمد الاحتجاجات جعل أوباما يسعى جاهدا للتخلص منه.

ولم يأت بجديد عندما ذكر أن حكاما عرباً أعربوا له عن مخاوفهم من تولى الإخوان الحكم فى مصر فهم القوى الخفية المنظمة التى ستنقل عدواها إلى دول أخرى فى الشرق الأوسط وهو ما حدث فعلا.

ولم يعترف بأن وجهة نظرهم كانت صائبة فهو على ما يبدو لا يزال متحمسا للإخوان وإن أشار إلى أنهم لا يقبلون بالتعددية السياسية إذا ما حكموا.

ولم يأت بجديد عندما تحدث عن شوارع القاهرة الشهيرة بزحامها أنها كانت خالية من الناس لعدة أميال باستثناء ضباط الشرطة المنتشرين فى كل مكان وهو مشهد يعكس القبضة الأمنية غير العادية للرئيس المصرى على بلاده حسب ما كتب.

والحقيقة أن مبارك خشى على حياة أوباما فشدد من إجراءات حمايته حتى لا يكون هدفا مغريا وصيدا ثمينا للجماعات المتطرفة آنذاك.

وتناسى أوباما أن الأمن فى بلاده مرخص له بقتل من يقاومه دون عقاب كما أن الأمن أغلق لأول مرة فى تاريخ الولايات المتحدة الشوارع الرئيسية المؤدية للبيت الأبيض بسبب التهديات التى رصدتها أجهزة الاستخبارات على حياة مبارك خلال زيارته إلى واشنطن فى عام 1992.

وكثيرا مما نشر أوباما فى «أرض موعودة» سبق نشره فى كتاب «أحلام من أبى» وهى النسخة الأولى من مذكراته التى نشرها فى عام 1995 وتحدث فيها عن عائلته وأبيه وطفولته وصباه وزوج أمه الذى تأثر به كثيرا خلال السنوات التى عاشها فى إندونيسيا وإن عرض فى مذكراته الأخيرة المزيد من التفاصيل وهذه أيضا لم تكن جديدة فقد سبق أن نشرها كتاب وصحفيون نقبوا فى سيرته الذاتية بعد أن وصل إلى البيت الأبيض.

ونشر أوباما كتابا ثانيا فى عام 2006 أسماه «جرأة الأمل» تضمن أفكاره وتصوراته للولايات المتحدة قبل أن يعلن ترشحه للرئاسة بشهور قليلة.

ولو صح ما قلنا فما الجديد الذى جاءت به النسخة الأخيرة من مذكرات أوباما 700 صفحة ولم يبع منها فى اليوم الأولى لنزولها ما يقرب من 900 ألف نسخة فى الولايات المتحدة وبريطانيا؟.

الأرض الموعودة الجزء الأول من المذكرات.. نشر متأخرا عن موعدها سنتين وزادت صفحاته عما اتفق عليه 200 صفحة ويبدأ بسيرته العائلية وينتهى بالقبض على أسامة بن لادن فى باكستان وتصفيته وإلقاء جثمانه فى المحيط.

الجديد فى أرض موعودة أن أوباما يصفى حساباته السياسية والشخصية مع خصومه ويرد عليهم خاصة الرئيس دونالد ترامب الذى صرح علنا بأن الرئيس أوباما ليس من مواليد الولايات المتحدة وهو مجرد واجهة لمسلمين متطرفين.

كما يرد على انتقادات ترامب لمشروعه الصحى الذى سمى باسمه أوباما كير ويذكره بأن ضرب المشروع أضعف الرعاية الطبية فى المستشفيات الأمريكية مما رفع معدلات الإصابة والوفيات بالكورونا إلى أرقام قياسية وركز أوباما عليها انتقاما من ترامب الذى أطاحت الجائحة به وأخرجته من البيت الأبيض بعد فترة رئاسية واحدة.

ومن حسن حظ المذكرات رغم ضعفها أنها جاءت فى وقت تعانى فيه الولايات المتحدة من انقسامات حادة تهدد البلاد بحرب أهلية فى أسوأ الأحوال وتوقظ صراعاتها العنصرية فى أفضلها إلى جانب المخاوف المؤكدة من أزمة اقتصادية بعد أن وصل حجم الدين العام إلى حجم الناتج القومى ووصلت البطالة إلى ربع قوة العمل وبدأت البنوك تهدد بطرد ملاك البيوت العاجزين عن سداد ما عليهم من التزامات مالية وكأن أزمة 2008 تتكرر بأعراض أسوأ.

فى هذه الظروف بحث الأمريكيون عن قشة تنجيهم من الغرق وتصوروا أنهم سيجدونها فى مذكرات أوباما فسارعوا للحصول على نسخة منها ولكن عندما اكتشفوا أنه باع لهم الترام تراجعت نسب الشراء يوما بعد يوم.

عندما خرجت من محاضرة أوباما التى ألقاها فى جامعة القاهرة كتبت: أوباما لبسنا العمة وبعد أن قرأت المذكرات أؤكد أنه باع لنا الترام فعلا.