د. رشا سمير تكتب: هى دى مصر يا فنان!
الفرق بين أن يقذف جارك أحد أبنائك بالحجارة وبين أن يذبحه هو فرق كبير.. الفرق بين أن يضع جارك كرسى فى حديقة بيتك ويجلس بجانبك وبين أن يغتصب أرضك ويقتلك هو فرق كبير..
هذا هو الفرق الكبير الذى لم يعرفه نمبر وان، ربما لأنه لم يكن قد ولد بعد وجيش مصر يحارب ويستشهد أبناؤه فى محاولة للدفاع عن تراب الوطن.. أو ربما لأنه فى ذلك الوقت كان طفلاً بريئًا لا يمتلك رفاهية متابعة الوضع السياسى لأنه كان مشغولا بأمنياته المشروعة فى أن يمتلك المال الوفير والسيارات الفارهة التى يمتلكها أولاد الذوات والمشاهير دونه.
أما اليوم وبعد أن أصبح يمتلك أسطولا من السيارات ويمثل مصر فى مهرجانات ويغنى فى احتفالات دولية، أتساءل.. ألم يجد الوقت بعد ليقرأ أو يطلع أو ربما يسأل عن تاريخ الكيان الصهيونى الذى سيظل أبدا هو العدو الأول لشعب مصر.
الفارق كبير يا فنان بين الديانة اليهودية والكيان الصهيونى..اليهودية هى دين سماوى أنزله الله على سيدنا موسى فى التوراة ونحن كشعوب مسلمة نحترم كل الأديان.. أما الصهيونية فهى يا فنان حركة سياسية ظهرت فى وسط وشرق أوروبا فى أواخر القرن التاسع عشر وتسعى لإنشاء وطن لليهود فى فلسطين..وفلسطين للعلم يا فنان..هى أرض عربية إسلامية بها المسجد الأقصى الذى أسرى منه ليلا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم!.
قصة التطبيع مع إسرائيل ربما تكون قضية سياسية ينتهجها الحكام والحكومات اليوم ولكنها من المستحيل أن تصبح إرادة الشعوب، وأتحدى أن يكون هناك مصرى غيور يقبل العيش مع صهيونى فى بيت واحد أو أن يعمل معه أو حتى أن يحتضنه ويلتقط الصور التذكارية معه فى حفلة ويتساءل بتهكم: «هو لما الأغنية اشتغلت كان المفروض أسيب أصحابى وأجرى أعيط فى الأسانسير»... طب والنعمة ده كان أقل واجب تعمله!!.
لعنة الله على المال الذى يدفع البشر للتنازل عن كرامتهم ومعتقداتهم وكبريائهم بل وأوطانهم.
السيدة أم كلثوم كان لها دور كبير فى دعم الجيش المصرى بعد نكسة 67 فكانت أول من رفع شعار «الفن من أجل المجهود الحربى»..الفنانة تحية كاريوكا كان لها مساهمات كبيرة فى تسليح الجيش المصرى.. الفنانة الكبيرة شادية وعبد الحليم حافظ طالما تبرعا بأجرهما فى الحفلات والأفلام لصالح المجهود الحربى والدعم المادى للجيش المصرى استعدادا لحرب أكتوبر 1973.. الفنانة نادية لطفى، بدأ دعمها للقوات المسلحة عقب حرب الاستنزاف وخلال حرب أكتوبر 73، حيث تطوعت فى أعمال التمريض على الجبهة وفى المستشفى العسكرى، كما أنها كانت تتولى كتابة الرسائل من الجنود المصابين إلى أمهاتهم وذويهم.. الفنانة عزيزة حلمى تطوعت خلال حرب أكتوبر بالعمل كممرضة فى المستشفى العسكرى لتمريض جراح الجنود والضباط المصابين..
هو ده الفن يا أسطورة.. هى دى مصر يا نمبر وان!.
ليتك يا فنان تطرق أبواب قدامى المحاربين فى مصر وتسألهم عن شعورهم حين كان زملاؤهم يتساقطون كل ثانية على أرض المعركة، ليتك تقابل أرامل الشهداء وأبناءهم وتسألهم عن مشاعرهم وهم يشاهدون صورك مع فنانى إسرائيل والابتسامة التى ملأت وجهك بالفخر.. ليتك تنزل إلى الأزقة وحوارى القاهرة وتسأل الشيوخ والعجائز عن أوقات عصيبة كانوا يدهنون فيها زجاج البيوت بالأزرق ويجتمعون فى قباء البيوت ليحتمون من القنابل التى كانت تسقط على رءوس أبنائهم من قبل العدو الصهيونى.. ليتك تفتح قناة روتانا كلاسيك وتشاهد الأفلام العظيمة التى صنعها فنانين مصر الكبار لتروى وتجسد تاريخ الحروب..ليتك وليتك وليتك.
من يأتى على رأس القائمة هو بالفعل (نمبر وان) ولكنها القائمة التى يجب أن يكون عنوانها الإخلاص للوطن، والوفاء بعهده، والتمسك بمبادئه.. تلك هى القائمة التى كان على رأسها نجوم استحقوا أن يكونوا بالفعل النمبر وان بمواقفهم.. أما القائمة التى عنوانها الدولارات والسيارات والدعوات المجانية فهى قائمة سريعة الذوبان.. لن يبقى منها شىء على الإطلاق سوى الازدراء.
الفن يا سيدى ليس أكذوبة بطلها عبده مشتاق بل هو رسالة وقيمة وموقف تبقى حتى لو غاب أصحابها.. هكذا نتذكر القدامى ونترحم عليهم..وهكذا لا يسقط المسيئون أبدا من ذاكرة الشعب المصرى.. وهى دى مصر يا نمبر وان!.