بطرس دانيال يكتب: سقط المسمار!
الله القادر على كل شىء، يشددنا ويقوينا فى المحن والصعوبات قائلاً: «مَنْ يدعونى، أستجيبُ له، أنا معهُ فى الضيق، أُخَلِّصُه وأمنحُه مَجْدَاً» (مزمور 15:90). مازال العالم يئن ويتألم ويتضرر بسبب الجائحة الثانية من ڤيروس كورونا، وأمام هذه المحنة نجد رد فعل مختلف لفئتين: الأولى تلتزم بكل الإجراءات الوقائية والاحترازية، بينما الثانية لا تهتم بما يدور من حولها. وبسبب إهمال أصحاب الفئة الثانية، تحدث مصائب وكوارث لعدم المبالاة التى يعيشونها. وهذا يُذكّرنى بالرجل الذى كان فى طريق سفر، ثم شعر أثناء السير بأن فرسه تعرج فى خطواتها، فاكتشف أن مسماراً سقط من حدوة الفرس، فقال فى قرارة نفسه: «لا بأس! إنه مسمار صغير لا قيمة له!» ولكنه لم يبتعد غير قليل حتى شعر بأن الحدوة سقطت كلها، وأخذت الفرس تعرج وتسير بصعوبةٍ شديدة. وبدأ يفكر هكذا: «ما العمل الآن؟ لا توجد إمكانية لإعادة الحدوة إلى مكانها، فكيف أتصرف؟ لا بأس! نسير على مهل!». وعندما حلَّ الظلام، اصطدم بمجموعة من اللصوص تعترض طريقه، فهمز الفرس دافعاً إياها لكى تركض بسرعة، ولكنها لم تستطع. ولم يجد أى وسيلة سوى العراك معهم، فبدأ فى الدفاع عن نفسه بشتى الطرق، ولكنه وقع بين أيديهم. وبناءً على ذلك، تم تأليف أغنية للأطفال ليتعلموها فى إنجلترا، تقول: «عندما سقط المسمار وضاع؛ سقطت نعل الفرس! عندما ضاعت النعل؛ ضاعت الفرس! عندما ضاعت الفرس؛ ضاع الفارس! عندما ضاع الفارس؛ ضاعت المعركة! وعندما ضاعت المعركة؛ ضاعت الحياة! وكل هذا حدث، عندما ضاع المسمار!». إذاً يجب أن نتعلم ألا نتهاون فى أبسط الأمور الحياتية، لأنها ستجلب علينا كوارث لا نستطيع تحمّلها أو تجنّبها . كما يجب علينا ألا نهمل الأمور الصغيرة، لأنها صغيرة فى ظاهرها، ولكنها تخفى وراءها عواقب وخيمة، ربما لن يتسنّى لنا أن ندركها فى حينها، أو نتفادى مصيبتها إذا وقعت، لأن مَنْ يفعل ذلك هو إنسان ساقط الهمّة، قصير النظر، يُفضّل الخمول، ويميل إلى التهاون واللامبالاة، ويسير فى حياته وأعماله متخذاً مبدأ الذين يكتفون «بالجهد الأقل». إذاً من يفعل هذا، يجب عليه أن يتحمّل النتائج المترتبة على مثل هذا السلوك، ومَنْ يدرى نتيجة هذا الإهمال والتهاون! نحن فى ظل هذه الظروف الصعبة والمؤلمة، يجب علينا ألا نيأس، من الممكن أن تكون جرس إنذار ليوقظنا من غفلتنا، فنعود إلى الله الذى أهملناه بسبب كثرة مشاغلنا وارتباطاتنا وعبوديتنا لكل وسائل التكنولوﭽيا الحديثة، وإذا أصابنا مرض، فلا نجزع! فالمرض هو ناقوس الخطر الذى ينبّهنا إلى فهم ضعفنا وإمكانياتنا المحدودة، وإلى وجوب التقيّد والالتزام بقوانين الصحة، وتدارك ما بدأ يظهر فينا من وهن وإعياء، لأنه إذا لم نُسرع لمعالجته، تأصّل وقضى علينا. وهناك الكثيرون الذين فقدوا وظائفهم وأغلقت أبواب الرزق فى وجوههم، فلا ييأسون! فربما هناك باب رزق لم يطرقونه بعد، وهو أجدى عليهم وأفضل، فلا يتركونه. إذاً كل ما يحدث لنا فى هذه الفترة العصيبة، هو ينبوع تعزية للنفوس المؤمنة بالله، المتوكّلة على رحمته، الواثقة بعنايته الأبوية. فكل ما يحدث فى الحياة من آلام ومصائب وكوارث، ليس لكى نتحطّم ونيأس؛ ولكن لنلجأ إلى الله الذى يفيض علينا بمراحمه. وكما يقول داود النبى فى المزمور: «الربُّ حارسٌ لك، الربُّ ظِلٌّ لك، إلى يمينك. فلا تُصيبُكَ الشمسُ فى النهار، ولا القمرُ فى الليل» (مزمور 121: 5-6). من المحتمل أن يبتعد الإنسان عن الإيمان عندما يكون آمناً مطمئناً فى حجرته، لكن ساعة الخطر، فالأمر يختلف تماماً. مما لا شك فيه أن كثيراً ما يسمح الله بتلك الظروف الصعبة والمؤلمة، ولكنها وسيلة تساعدنا على فتح أعيننا لوجوده وقدرته، وفى نفس الوقت تنبّهنا على ضعفنا وفشلنا عندما نبتعد عنه أو نعتمد على قوانا البشرية فقط. كم من الأشخاص الذين رجعوا إلى ذاتهم وعرفوا قدر أنفسهم، عندما عبروا طريق الآلام والمصائب؟! إذاً يجب علينا ألا نخاف الظروف مهما قَستَ علينا، لأن لنا فى السماء أبّاً حنوناً لا يهملنا، ولا يريد أن نغرق فيها، وهو الذى يستطيع أن يستخلص من الشر خيراً. فإذا جعلنا الله أمامنا فى كل حين، ووثقنا بأبوّته، وتحلّينا بالصبر على افتقاده لنا، اكتشفنا فيما بعد، إن ما احتملناه، لا يُقارن بما هيّأه الله لنا كمكافأة. ونختم بكلمات القديس بولس: «ونحن نَعْلَمُ أنَّ كلَّ الأشياء تعمل معاً للخير للذين يُحبّون الله» (رومية 28:8).