بطرس دانيال يكتب: الوقت رأس مال الإنسان
يقول داود النبي: «علّمنا يارب أن نُحصى أيامنا فتبلُغ الحكمة قلوبنا» (مزمور 12:89). تخيّل أن أحد البنوك وضع تحت تصرّفك كل يوم مبلغ 86400 جنيه، هو مصروفك اليومى بشرط أن تستطيع إنفاق كل المبلغ فى اليوم نفسه، وإلا عاد المتبقى إلى خزانة البنك، فماذا ستفعل؟ بلا شك ستخترع الطرق التى تستطيع بها إنفاقه قبل حلول المساء. هذا البنك موجود فى حياتنا بالفعل وكل واحدٍ منّا هو أول عملائه، ويُدعَى «الوقت» ويضع تحت تصرفنا كل يوم 86400 ثانية، وتعتبر كل ثانية ضائعة إذا لم نستفد منها فى حينها، ولا يسمح لنا بادخارها إلى الغد. إذاً ... لماذا لا نعمل بكل جهدنا وطاقتنا للاستفادة منها كلها من أجل خيرنا الأعظم وسعادة الآخرين؟ كل لحظة من يومنا هى فرصة جديدة، يجب أن نحتفل بها بأعمالنا والاستفادة منها، كذلك يجب أن نكون حاضرين ومستعدين، وكما يقول المَثَل: «لا تدع الأمس يستهلك قدراً كبيراً من اليوم»، أكبر خطأ نرتكبه تجاه الوقت هو أن نكون غائبين عنه، فى حين أنه حاضر فى كل لحظة، لنتخيل أن الضيف الذى قمنا بدعوته، موجود بمنزلنا ولكن نحن خارج المنزل، الوقت حاضر دائماً ولكن للأسف مازالنا نحن تائهين فى الخارج غير مدركين بشيء ونصبح خارجين عن ذاتنا ووعينا، لأن خطوة واحدة فى توقيتها المناسب اليوم، توفّر علينا الكثير من المعاناة فى المستقبل. إذاً الوقت حاضر بيننا وفى كل لحظة وهو فى أتم الاستعداد لنستغله بالشكل الصحيح، ولكن للأسف كثيراً ما نتجاهله. نحن نردد بعض الكلمات المعتادة فيما يخص إهدار الوقت: «أضعتُ الوقت»، «بددتُ الوقت» «فقدُت الوقت» وهكذا، ولكن نستطيع أن نلخّص هذه كلها فى حقيقةٍ واحدة مرددين: «الوقت حاضرٌ ولكننا غائبون عنه». لذلك علينا أن نعى جيداً بأن كل دقيقة هى بداية لساعةٍ جديدة وفرصةٍ جديدة ومرحلةٍ جديدة، لكى نبدأ من جديد بالقولِ والعملِ والفكرِ لنصبح أفضل مما سبق، ولا ندع أن يهرب منّا، فاليوم الجديد هو حياة جديدة ويحمل ثمار الغد. إذا كان الوقت هو حضورٌ، فكل لحظة مليئة بحضور الله فى حياتنا، حضور متجدد، لذلك علينا أن نتمتع بكل لحظةٍ بين أيدينا. كما أن الإنسان غير قادرٍ أبداً أن يكون سيّد الوقت ومتحكماً فيه، جميع وسائل التكنولوجيا الحديثة لا تستطيع أن تعوّضنا لحظة مضت من حياتنا وترجعها إلينا مرة أخرى. إذاً نحن لسنا أسياد الزمن، ولكنه هدية من الله لنا لنستثمره ونستفيد منه وندّخره، إذاً يجب علينا أن نُكيّف أنفسنا حسب الوقت والإيقاع الذى يتبعه، ومَن يدّعى بأنه يستطيع أن يقبض عليه، سيهرب من يديه، وكل هذا يساعدنا على التحلّى بفضيلة التواضع ومعرفة قدراتنا المحدودة. إذاً نطلب من الله أن يساعدنا لكى نكون حاضرين فى أيامنا، وأن نُعطى معنى لحياتنا، أن نحتفل بالوقت لأن فيه حضور الله بالنسبة لنا. فالوقت لا يُقَدّر بحسب طوله، فمن الممكن أن لحظةً واحدة تساوى حياةً كاملة، الثوانى والدهور والساعات والأيام وآلاف السنين بالنسبة لله لا تُقاس حسب معاييرنا، وكما يقول القديس بطرس: «وهناك أمرٌ لا يصح لكم أن تجهلوه أيّها الأحبّاء، وهو أن يوماً واحداً عند الرب بمقدار ألف سنة، وألف سنة بمقدارِ يومٍ واحد» (2 بطرس 8:3). فبالنسبة لله عمق ومعنى الوقت أهم من طوله، تكفينا ساعة واحدة مليئة بالحُب والخير أفضل من حياة بلا معنى، ولحظة ندامة وتوبة أهم من عمر طويل بعيد كل البعد عن الله. وكما يُعبّر عن هذا أحد الحكماء: «لحظة أطول من العمر، لحظة: تخلو فيها مع نفسك، أطول من عمر تسأل فيه من أنت؛ لحظة: تُسلّم فيها حياتك لإلهك أطول من عمر تحاول فيه الاعتماد على ذاتك؛ لحظة: تخلع فيها ثوب الأنا أطول من عمر تحمل فيه نير الأنانية؛ لحظة: ترحم وتسامح فيها من أخطأ إليك، أطول من عمر تُردد فيه كلمة الحُب؛ لحظة: يشرق فيها الأمل على حياتك أطول من عمر فى ظلمة اليأس الحالكة». إذاً ليست العِبرة فى امتلاك وقت طويل أو عمر مديد، ولكن أن نحياه بمعنى الكلمة، لأن ثمن الحياة لا يقُدّر بطولها ولكن باللحظات المضيئة التى تتخللها، كل لحظةٍ هى فريدة من نوعها، كل لحظة تُمثّل فرصةً وحيدة لا تُعوّض أبداً، إذاً يجب أن نعيش كل لحظة فى ملئها. ونختم بالقول: «الانتظار حتى الدقيقة الأخيرة لإنجاز المهام... فلسفة التلميذ الكسلان».