مركز لوجيستي.. تفاصيل إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


تُعد منطقتي القرن الإفريقي والجزء الشمالي الشرقي من قارة إفريقيا، أحد أكثر مناطق الكرة الأرضية سخونة واشتعالا، حيث تعج بالصراعات والتوترات والقضايا الخلافية، التي تصل إلى حد الحروب.

فعبر سنوات طويلة أُزهقت أرواح ملايين من البشر، في تلك المناطق التي امتلأت بالصراعات والحروب.

وتوزعت الحروب بين الدول المتجاورة، وتنوعت أطرافها، فاندلعت بسبب خلافات حدودية، واستمرت لسنوات طويلة، كما هو الحال بين إثيوبيا وإريتريا، وبين إثيوبيا والصومال، وبين جيبوتي والصومال، وبين كينيا والصومال.

وانتشرت الحروب الأهلية داخل نطاق البلد الواحد، مثلما حدث بإقليم دارفور السوداني، كما ظهرت حركات الانفصال التي أدت إلى ظهور دولة جديدة عام 2011، أطلق عليها جنوب السودان.

وعلى مدار فترات طويلة، غرقت إثيوبيا والصومال وكينيا وجيبوتي، في حروب أهلية دموية، كما أن هناك بوادر حرب أهلية جديدة تطبخ على نار هادئة داخل الأراضي الإثيوبية بين حكومة آبي أحمد وقوات إقليم تيجراي.

وفي تلك المناطق بالذات، انتشرت المجاعات، التي أودت بحياة ملايين البشر، كما خلفت الفقر والأمراض المتوطنة الكثيرة، كما سيطرت الحركات والميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية على مناطق عديدة.

أضف إلى ذلك القضايا الإقليمية، مثل سد النهضة الإثيوبي، الذي فجر خلافًا عميقا بين مصر والسودان وإثيوبيا، ووصل صداه إلى أروقة مجلس الأمن الدولي، كما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لحل الخلاف الجوهري بين الدول الثلاث، ولكن حتى الآن لم يجد جديدا، وقد يتطور الأمر لأبعاد أكثر خطورة وتؤثر تبعاته لسنوات.

كما هدد القراصنة لسنوات طويلة حرية الملاحة وحركات التجارة بين الشرق والغرب، التي تمر من المحيط الهندي إلى خليج عدن ثم إلى البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، ومن خلال قناة السويس تسير نحو البحر المتوسط.

ومن هنا، تسابقت الدول الكبرى في إنشاء قواعد عسكرية لتكون مركزًا لوجيستيًا لدعم مصالحها داخل القارة السمراء، وحماية تجارتها المارة من وإلى المحيط الهندي والبحر الأحمر، وأيضًا لخلق نوع من توازن القوى بالمناطق الساخنة.

ومثلما فعلت الدول الكبرى، أعلنت وزارة الدفاع الروسية إنشاء قاعدة عسكرية لها في السودان، لتكون مركزًا لوجيستيًا لدعم وحماية مصالحها بالبحر الأحمر.

قاعدة عسكرية روسية في السودان:

صدق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الإثنين، على إنشاء مركز لوجيستي للقوات البحرية الروسية على الأراضي السودانية.

وأصدر بوتين مرسوما نشر في موقع المعلومات القانونية الروسي، أعلن فيه مصادقته على مقترح الحكومة الروسية الخاص بتوقيع اتفاق مع الخرطوم، حول إنشاء مركز إمداد فني لقوات الأسطول الحربي البحري الروسي على أراضي السودان.

ووجه الرئيس الروسي، عبر المرسوم وزارة الدفاع بتوقيع هذا الاتفاق نيابة عن حكومة البلاد.

ووفق مسودة الاتفاق بين موسكو والخرطوم، التي نشرت، على موقع الحكومة الروسية، تهدف وزارة الدفاع الروسية إلى إنشاء مركز دعم لوجستي في السودان، يمكن من خلاله تأمين عمليات الإصلاح وعمليات التزويد بالوقود واستراحة أفراد طواقم البحرية الروسية.

واشتملت مسودة الاتفاق الأولية على استقبال هذه القاعدة 300 عسكري وموظف مدني كحدّ أقصى، وكذلك 4 سفن بما في ذلك مركبات تعمل بالطاقة النووية.

وسيتم إنشاء القاعدة الروسية في الضاحية الشمالية لمدينة بورتسودان، على سواحل البحر الأحمر، بحسب الإحداثيات الجغرافية المذكورة في هذه الوثيقة المفصلة والمؤلفة من 30 صفحة.

وتنص المسودة أيضا على أنه يحق لروسيا أن تنقل عبر مرافئ ومطارات السودان أسلحة وذخائر ومعدات ضرورية لتشغيل قاعدتها البحرية.

ويكون الاتفاق بين الدولتين نافذا لمدة 25 عاما، بعد تجديد تلقائي بعد مرور 10 سنوات إذا لم يطلب أي من الطرفين إنهاءه مسبقا.

ومنذ مايو 2019، يربط البلدين باتفاق تعاون عسكري مدته 7 سنوات.

الهدف الأكبر:

تتمتع قارة إفريقيا بثروات معدنية هائلة، كما تتميز باحتوائها على كنوز ثمينة للغاية، ما جعلها تقع تحت طائلة الاستعمار الأجنبي لسنوات طويلة.

وبسبب تلك الكنوز الثمينة، انقسمت القارة السمراء لعقود طويلة بين أيادي الاحتلال البريطاني، والفرنسي، والإيطالي، والإسباني، والبرتغالي، والهولندي أيضا.

ورأت الدول الكبرى حينها أن نهب تلك الثروات لن يأتي إلا بالاحتلال واعتبارها مستعمرة، ولكن الأوضاع تغيرت في العصر الحالي، بعدما نالت دول إفريقيا استقلالها من الاستعمار الأجنبي.

وأصبحت هناك طرق للتجارة بين الشرق والغرب، وانتعشت أسواق بيع الأسلحة لجيوش الدول الإفريقية والحركات المسلحة، بسبب انتشار الحروب داخل القارة السمراء، وبالتالي تغيرت سياسات الدول الكبرى تجاه إفريقيا، ولجأت إلى إنشاء قواعد عسكرية لحماية طرق التجارة المارة بجانب سواحل القارة، وكذلك لدعم مصالحها وتجارتها داخل الأسواق الإفريقية.

وانتشرت القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية والبريطانية والصينية واليابانية، على سواحل جيبوتي والصومال وكينيا، كل يحمي مصالحه ويخدم أهدافه.

وسلكت روسيا نفس الخطوة التي سبقتها إليها تلك الدول، واتجهت نحو إنشاء قاعدة عسكرية لها على سواحل مدينة بورتسودان، لحماية مصالحها وتجارتها من جانب، ولفتح سوق محتملة للأسلحة الروسية داخل القارة الإفريقية.