السوق السوداء تلتهم مصل الإنفلونزا.. و"الفجر" تتبع جروبات فيس بوك السرية لبيعه
سباق محموم بين تجار أزمة كورونا شهدته الأيام الأخيرة عقب الدعوات لضرورة تناول مصل الانفلونزا الموسمية، في ظل المخاوف من موجة جديدة أكثر شراسة من فيروس كورونا مع دخول فصل الشتاء، سعيًا منهم للتربح من أزمة الوباء الذي طال الجميع، فكلًا منهم يحاول الاستحواذ على أكبر كمية من المصل وبيعها بأسعار أعلى من السعر الذي حددته هيئة المصل واللقاح 170 جنيهًا، لنسمع عن أسعار تفاوتت بين 240 حتى 600 جنيه ببعض المستشفيات الخاصة.
رحلة خاضتها "الفجر" لرصد تسرب مصل الانفلونزا الموسمية إلى السوق السوداء، من خلال عقد اتفاقات "مسجلة" مع بعض تجار هذا السوق لشراء كميات من جرعات المصل، ذلك بعد أن تبين أن تلك الممارسة الإجرامية لهؤلاء التجار تكون من خلال موقع التواصل فيس بوك.
استغلت عصابات السوق السوداء عدم توافر كميات كافية للجميع من المصل، حيث أن هناك صعوبة في توفيره لأن الدولة تستورده من الخارج لأن مصانع إنتاجه تتكلف مليارات الدولارات، ذلك على غرار تجارتهم بأزمة الكمامات والمستلزمات الطبية التي حدثت مع الموجة الأولى لفيروس كورونا.
عصابات السوق السوداء على صفحات مجهولة بـ"فيس بوك"
اعتادت عصابات التجارة بالوباء أن تستغل كل ما هو جديد يتعلق بحياة المصريين وإمكانية تجنب الإصابة بكورونا، ففور الإعلان عن توفير مصل الأنفلونزا الموسمية، وتأكيد المختصين على أهميته في ظل انتشار فيروس كورونا وتوقع حدوث موجة ثانية له أكثر شراسة من الأولى، راج على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك تجارة خفية وسوق سوداء لبيع المصل، إحداها صفحات مجهولة وأخرى صفحات صيدليات غير معروفة إضافة إلى جروبات سرية متخصصة لبيع الأدوية، فضلًا عن بعض العيادات المتخصصة في طب الأطفال.
عشرات الإعلانات التسويقية ذات نفس المحتوى تروجها الصفحات تبدأ بالحديث عن أهمية المصل للمصريين في ظل ظروف غير عادية ووصوله من الخارج، إضافة إلى شرح تفاصيل الجرعات حسب الأعمار السنية المختلفة، ووصفه بـ"حديث الساعة"، حيث يتواصل أي شخص مع صاحب الإعلان وتتم عملية الاتفاق على شراء المصل.
هناك نوعين من المصل يتم الترويج لهما، النوع الثلاثي الذي يحمي من ثلاث سلالات من الأنفلونزا وهو للكبار والأطفال أكبر من ثلاث سنوات، والآخر النوع الرباعي وهو يحمي ضد أربع سلالات من الأنفلونزا، والذي توفره وزارة الصحة هذا العام.
لم تقتصر إعلانات فيسبوك على الصفحات المختلفة على عروض بيع المصل، لكن كانت هناك إعلانات أخرى تطلب شرائه بكميات، فأحد الأشخاص عرض شراء مائتي جرعة من المصل، وآخر يطلب أكبر كمية متاحة.
تاجر يشترط التسليم أمام محطة المترو.. ويؤكد: "قبل ما يخلصوا هوفرلك غيرهم"
وبعد ملاحظة ازدهار السوق السوداء لمصل الأنفلونزا على فيس بوك، خاضت "الفجر" تجربتها الخاصة بشراء كمية من المصل من خلال كتابة منشور على أحد الجروبات السرية المتخصصة في بيع الأدوية، تطلب من خلاله توفير كمية من المصل، لتنهال العروض التي ترد بتوافر المصل وأي كمية مطلوبة سيتم توفيرها.
التقطنا طرف الخيط من خلال التواصل مع عدد من أصحاب تلك التعليقات، بدأناها مع "م.ع" لأتواصل معه عبر خاصية الرسائل بسؤاله عن الكمية المتاحة لديه، ليرد بأن الكمية هي ثلاثين جرعة من مصل 2020 الواحده منها بسعر 245 جنيه.
دارت المفاوضات بيننا حول استطاعته توفير كمية أخرى أكبر من الثلاثين جرعة، ليؤكد "أول ما أستلم جديد هبلغك"، ما يشير إلى أنه يعمل بشكل دوري لكن حينما يتم تسريب كميات جديدة من المصل له.
وحينما طلبت منه ميعاد محدد رد بـ"أنا مبقدرش أدي ميعاد غير لما أتفق على الشغل ويجيلي.. لكن قبل ما يخلصوا التلاتين جرعة هوفرلك غيرهم.. قبل أسبوع".
نوه "م.ع" الذي يعمل في صيدلية "ا.الجديدة" في منطقة المعادي، إلى أن التسليم لن يتم بالصيدلية لكنه بالشارع أمام محطة المترو، معللًا بـ"علشان شغل السوق السودا والمستورد مينفعش يكون في صيدلية"، مؤكدًا:"حضرتك تشرفيني بأديكي الجرعات تتمي عليها وبحاسبك"، لنتفق على موعد التسليم مساء اليوم التالي.
تاجر بعد أن حدد موعد التسليم يعتذر لانتهاء الكمية: "بأبيع للي فلوسه جاهزة على الترابيزة"
تواصلت معه هاتفيًا باليوم التالي لتحديد الساعة، تفاجأت برده أن الكمية تم بيعها لشخص آخر "فلوسه جاهزة على الترابيزة" كما وصف، ليطمئني بأنه اتفق على كمية جديدة تصل إلى 250 جرعة جديدة يتم توفرها خلال ساعات.
واستفسرت عن صلاحية المصل ليوضح بأن الصلاحية عام واحد لأي مصل، وأن العبوة الخاصة به مدون عليها أنها جرعة خاصة بعام 2020/2021، لافتًا إلى أن الفيروس يتحور خلال هذا العام ليطور مصل جديد ملائم لهذا التحور.
أما عن الجهة التي يتعمل معها فحاولت استدراجه ليكشف عن ما إذا كان يوفر المصل من خلال مراكز المصل واللقاح مباشرة أم هناك وسطاء، أم أنه استيراد كما يعلن البعض، فيوضح أن المصل لم يدخل إلى مصر إلا من خلال المصل واللقاح، وأنه نادرًا ما يوجد لقاحات مستوردة لأن أمر استيرادها معقد.
وأضاف أن هيئة المصل واللقاح بدورها تقوم بتوريد المصل إلى شركات توزيع معروفة، وأن تلك الشركات تقوم بتوزيع كميات للتجار خاصة وأن المصل واللقاح توزع كميات ضئيلة، متابعًا: "الشاطر اللي بيعرف يجمع كميات كبيرة من الشركات دي ويتفق معاها".
وحول تأثر جرعة المصل بنقلها من مكان إلى آخر، عرض علي أن يسلمني الجرعات موضوعه في مُبرد، مشددًا على ضرورة وضعه في مكان بارد وإلا سيفسد إذا لم يوضع به خلال ساعتين.
تاجر سوق سوداء: وزعت 100 جرعة مصل خلال يوم وأنتظر دفعة جديدة
أما "ع. ع" الذي يعمل في إحدى الصيدليات، يقول إنه سيستطيع توفير أربعة جرعات فقط من المصل سعر الجرعة 170 جنيه، لحين استطاعته توفير كمية أكبر، لافتَا إلى أنه كانت لديه مائة جرعة تم توزيعها خلال يوم واحد فقط نظرًا للتهافت على شرائه.
وكشف عن أنه يتعامل مع أحد الأطباء العاملين بهيئة المصل واللقاح الذي بدوره يقوم بتوفير الكميات التي يطلبها منه، قائلًا: "أنا معايا طبيب شغال في المصل واللقاح بأجيب المصل من خلاله هو بيتصرف مع رؤسائه ويجيبلنا الكمية اللي احنا عايزينها".
هيئة الدواء تضبط 400 جرعة مُعدة للبيع بالسوق السوداء
وكشف مصدر من داخل هيئة الدواء المصرية، طلب عدم ذكر اسمه، أن الهيئة قامت بإعداد كمين رصدت خلاله أحد المكاتب الإدارية في مدينة نصر يديره أحد الأشخاص لتضبط فيه أربعمائة جرعة من مصل الأنفلونزا الموسمية كانت مجهزة للتوزيع على السوق السوداء.
من 280 حتى 600 جنيه.. أسعار متفاوتة حسب الحالة الاقتصادية للزبون
وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، أن نتيجة لانتشار فيروس كورونا وتأكيد المعهد الأمريكي القومي لمنع الأمراض بأن الأشخاص الذين حصلوا على تطعيم الأنفلونزا الموسمية أقل عرضة للتأثر بكورونا، طرأت تغييرات في توزيع المصل حيث كان يتوفر بالصيدليات وعيادات الأطباء، لكنه هذا العام أصبح يتوفر فقط بهيئة المصل واللقاح كما أنه متوفر في محافظات معينة وليس كامل المحافظات.
وأضاف فؤاد في تصريح لـ"الفجر" أن عدم توافر المصل في جميع المحافظات كان فرصة لمستغلي الأزمة، مشيرًا إلى أن المركز رصد ما يقرب من تسع صفحات تروج للمصل، إضافة إلى تلقيه شكاوى من مستشفيات خاصة لرفعها سعر جرعة المصل لتبيعه بـ 600 جنيه.
واستكمل بأن بعض العيادات رغمًا من وجود تسعيرة إلزامية إلا أنها تبيع المصل بسعر 280 جنيهًا، وفي بعض الكومباوند والمناطق الراقية يباع فيها المصل بألف جنيه، مشيرًا إلى أن تجار السوق السوداء يحددون السعر "حسب الطبقة التي يعيش فيها الزبون" والمنطقة التي يباع فيها: "التسعيرة تحدد حسب الطبقة التي يباع لها، والتجار يستغلون الأماكن الراقية لأن دي قدرة شرائية وتحتاج إلى حماية نفسها".
مدير الحق في الدواء: شركة هي المسؤولة عن انتشار بيزنس السوق السوداء
وأرجع أيضًا السبب وراء ظهور سوق سوداء للمصل إلى قيام شركات التوزيع بفرض كوتة بكميات محددة للصيدليات، ما يجعل تلك الشركات محتكرة للسلعة، مشددًا على أن جهتين مسؤولتين عن انتشار هذا السوق هما الشركة التي تقوم بتوزيع المصل ووزارة الصحة، لأنها لا تراقب الشركة وتطلب منها خريطة لتوزيع الأمصال.
وطالب فؤاد بالإعلان عن كوتة بكميات معينة يتم توزيعها على المستشفيات الحكومية تكفي احتياجاتها بدلا من توافر المصل في مراكزها ، وبالتالي يتم ضرب السوق السوداء، إضافة إلى تكثيف مباحث التموين وجهاز حماية المستهلك ووزارة الصحة من حملاتهم التفتيشية.
مدير مركز التطعيمات: المصل واللقاح هو الجهة الوحيدة المعنية بتوزيع المصل
ويؤكد الدكتور أمجد الحداد- رئيس مركز الحساسية والمناعة بالمصل واللقاح "فاكسيرا"، أن فصل الشتاء لهذا العام استثنائي في ظل مواجهة موجة ثانية من فيروس كورونا، الذي تتشابه أعراضه مع أعراض الأنفلونزا والبرد، ما يزيد العبء على كاهل المنظومة الطبية في تلك الفترة، وبالتالي هناك أهمية لتناول مصل الأنفلونزا هذا العام حتى يتم الفصل بين أعراض كلًا من الأنفلونزا وكورونا، ففي حال تم تناوله وظهرت أي أعراض سيتم حصر تشخيصها في إطار فيروس كورونا.
وشدد الحداد في تصريح لـ"الفجر" على ضرورة تناول المصل في مقر المصل واللقاح، لحرص المكان على طريقة معينة لحفظه داخل ثلاجات، إضافة إلى أن هناك أطباء يتابعون التاريخ المرضي لأي حالة قبل تناولها المصل، والإطمئنان لعدم تعرضها لأي مضاعفات، خاصة وأن هناك موانع لتناوله إذا كان للمرة الأولى منها أن لا يقل سن الحالة عن ستة أشهر وحساسية البيض وارتفاع درجة الحرارة.
وأضاف أن توزيع المصل هذا العام مختلف عن ما سبق، فالمصل واللقاح هو الجهة الوحيدة المعنية بتوزيعه، مشيرًا إلى أن الأطباء لم يحصلوا عليه بسهولة لعياداتهم، لأن المصل واللقاح فضل أن تعطى الجرعة مباشرة للمريض، متابعًا: "احنا كدكاترة مش عارفين ناخده".
مصل الـ"فيس بوك" مغشوش ومصنع من "محلول الملح"
وحول انتشار بيعه على صفحات مجهولة بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، عبر عن استنكاره الشديد لبيعه عليها، في ظل ما ذكره سلفًا، مستبعدًا أن تكون الجرعات المعروضة على تلك الصفحات قديمة، لأن الكميات التي تم توزيعها العام الماضي كانت قليلة وتم توزيعها بأكملها حتى انتهت.
ولم يستبعد "الحداد" أن يقوم التجار بالتلاعب بـ"ضرب" المصل وتصنيع مصل مغشوش وبيعه على تلك الصفحات، موضحًا أنهم قد يقوموا بملء السرنجات بـ"محلول الملح" ووضعها في عبوات مماثلة للعبوات التي يتم صرفها بالمصل واللقاح، مستطردًا: "التاجر هيسترخص من أجل المكسب".
أما عن إمكانية تسريب كميات من المصل من إحدى الشركات لهؤلاء التجار، فلم يستبعد ذلك أيضًا، موضحًا أن هناك بعض العاملين قد يقومون بذلك، إضافة إلى أن شركات التوزيع تصرف كميات من المصل واللقاح وتوزع لكل صيدلية حسب طلبياتها، وأن بعض الصيدليات توفرها لعملاء سوق سوداء، كما تقوم تلك الشركات بتوزيع كميات للكيانات حسب هوائها.
وأكد "الحداد" أنه لا يوجد نقص في كميات المصل الموسمي للأنفلونزا،لأنه متوفر بالمصل واللقاح والنوادي وأنها كافية حتى نهاية نوفمبر.