عادل حمودة يكتب: قراءة مصرية على قبر المغفور له دونالد ترامب
5 حقائق تفرض نفسها على التعامل مع الرئيس الأمريكى الجديد
1- الزمن تغير وتغيرت معه السياسات والشخصيات
2- المعونة الأمريكية مفيدة للقاهرة عسكريًا ومفيدة لواشنطن استراتيجيًا
3- مصر نوعت مصادر سلاحها من مختلف دول العالم ولم تعد تعتمد على أمريكا وحدها
4- الإخوان فقدوا قوتهم والرهان عليهم خسارة سياسية مؤكدة
5- مصر دعمت قوتها مع القوى العظمى المستقرة فى روسيا والصاعدة فى الصين
لا أفهم سر المناحة العربية التى انفجرت بكاء ونحيبا على خروج ترامب من البيت الأبيض بعد أن فشل فى البقاء رئيسا لمدة ثانية وإنا لله وإنا إليه راجعون.
إن ترامب لم يستشهد فى معركة سياسية كان يدافع فيها عن حق من حقوقنا وإنما أصيب بسكتة انتخابية سرعان ما رفضها وأنكرها وتعالى عليها ولحظة أن تيقن منها ترك واشنطن وذهب إلى فيرجينيا لتهدئة أعصابه بلعب الجولف مرتديا الثياب المناسبة لرياضته المفضلة وتحتها سترة واقية من الرصاص.
لم يجر المكالمة الهاتفية المعتادة عند خط النهاية بتهنئة الفائز ولم يعترف بالهزيمة فى خطاب علنى حسب العرف السائد ولكنه كرر جملته العنيدة: الانتخابات زورت وسرقت ولم تحسم بعد بل أكثر من ذلك أعلن وحده أنه الفائز.
لم نخن ترامب بل ساندناه من المحيط إلى الخليج بجيوبنا قبل قلوبنا رغم أننا نعرف جيدا المثل الشائع فى واشنطن عاصمة الخديعة السياسية: إذا كنت تريد صديقا فابحث عن كلب.
لم نستفد من ذلك المثل وإنما استفاد منه أقرب الحلفاء إلى ترامب فى الحزب الجمهورى.. تخلوا عنه فور أعلن فوز منافسه.. لم يساندوه فى شدته.. نصحوه بالتخلى عن الدعاوى القضائية التى ترك لفريقه القانونى رفعها.. وبعد أن وصفهم بأنهم أغبياء وخرج ابنه الأكبر ترامب جونيور ليواصل الهجوم عليهم ووصفهم بـ«الخرفان».. وغرق صهره جاريد كوشنر ــ وزوج ابنته إيفانكا ــ فى بئر الصمت باحثا عن طوق نجاة من الغرق بعد أن كان العقل المفكر للرئيس ولم ينس بالقطع أن يحصى مكاسبه التى جمعها فى أربع سنوات.
لم يكن ترامب أبانا لنصبح أيتاما من بعده.. ولم يكن أخانا لنثأر لمصرعه.. ولم يكن من بقية قبيلتنا لنقيم له نصبا تذكاريا ونقرأ على روحه الفاتحة.
إن أسوأ ما فى عقولنا وتجاربنا وأحلامنا وأحزاننا ذلك الإيمان المزمن بأن ما يحدث لنا ــ خيرا أو شرا ــ من أفعال غيرنا فى واشنطن أو موسكو أو تل أبيب أما نحن فلسنا أكثر من متفرجين.. نصفق لو سمعنا جملة تشيد بنا.. ونحتج لو قلبت المسرحية علينا.. وكثيرا ما أنكرنا سؤالا عن متى ننتقل إلى صفوف اللاعبين؟.
على غير ما نحب تحققت نبوءة المنجمين وأصبح جوزيف روبينيت بايدن رئيسا للولايات المتحدة وأصيب بعضنا بانهيار عصبى معتقدا أن المسرحية باظت.
وتدافعت فى ضمائرنا وعلى ألسنتنا أسئلة من عينة: هل سيحبنا؟.. هل سيعادينا؟.. هل سيعاقبنا على انحيازنا إلى ترامب؟.. هل سيكرر مشاعر رئيسه الأسبق باراك أوباما ــ الذى كان نائبا له ــ تجاهنا؟.. هل سيخرج السفارة الأمريكية من القدس ويعيدها إلى تل أبيب؟.. هل سيقوى شوكة الإخوان من جديد؟.. هل سيدفع إيران للتحرش بالخليج مرة أخرى؟.
ألف هل وهل فكرنا فى طرحها ولم نفكر فى موقفنا منها وكأن بايدن هو شيخ الحارة الجديد الذى يحدد مصيرنا أو هو ولى الله الذى سيشفع لنا.
بداية لابد أن نستعد للتعامل مع رئيس عجوز لن يدخل البيت الأبيض إلا وقد تجاوز الثمانية والسبعين من عمره فهو من مواليد 20 نوفمبر 1942 ولو أكمل سنواته الأربع فلن يملك القدرة الصحية على صلب طوله يائسا من تجدد ترشحه فترة رئاسية ثانية منضما غصبا عنه إلى نادى رؤساء الدورة الواحدة الذى نال عضويته من قبل جيمى كارتر وجورج بوش الأب وأخير دونالد ترامب.
ولم يكن ليكفى أن يدخل على جمهوره جريا قبل أن يلقى خطابه الأول لنصدق أنه مازال شابا بل إن ما فعل كشف عن عقدته النفسية التى صعب عليه التستر عليها.
ورغم سنواته الطوال فى مجلس الشيوخ من 3 يناير 1973 إلى 15 يناير 2009 فإنه فشل فى نيل ترشح الحزب الديمقراطى للرئاسة مرتين فى عامى 1988 و2008 ولو لم يأخذه أوباما تحت ذراعه نائبا له فى الرئاسة لما نال لقبا سياسيا أكثر من سيناتور.
وليس فى سجله السياسى ما يوحى بتفرده فهو لم يعترض على قرار الرئيس الديمقراطى بيل كلينتون فى دخول حرب البلقان كوسوفو وشجع قرار الرئيس الجمهورى جورج بوش بغزو العراق بل زايد عليه داعيا إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول: سنية وشيعية وكردية وعلى اليوتيوب فيديو يصرخ فيه متحديا: أنا صهيونى.
بل إننا لم نسمع له صوتا طوال سنوات حكم ترامب الأربع حتى أصبح منافسا له فى الانتخابات الرئاسية وفى الحملة الانتخابية أمسك ترامب من ساقه المكسورة: فشل فى التعامل مع جائحة كورونا.
إن من الظاهر والشاهد والواضح أننا أمام رئيس غير محترف.. بلا خبرة.. قراره ليس بيده.. ترشح يترشح.. اسكت يسكت.. تكلم يتكلم.. ومن ثم فأهم من دراسة ملفاته السياسية والخاصة علينا البحث عن الشخصيات التى صنعت منه رئيسا وربما كان على رأسها أوباما الذى يؤمن البعض بأن وصول بايدن إلى البيت الأبيض يمنحه فترة رئاسية ثالثة.. بل من المتوقع عودة طاقمه لشغل المناصب المؤثرة فى الإدارة الجديدة.
ولم يصوت نحو 75 مليون شخص إلى بايدن حبا فيه وإنما كرها فى ترامب الذى تصور نفسه مطرقة ــ حسب المثل الشائع ــ فلم يكن يرى الناس سوى مسامير.
المسامير فى عيون ترامب أرادت أن تسترد حالتها البشرية فاختارت بايدن رئيسا وإن ظل فى جانب ترامب 71 مليون صوت بكوا عندما قيل له: أنت مطرود.. نفس الجملة التى كان يقولها للفاشلين فى البرنامج التليفزيونى الذى كان يقدمه من قبل.
وحسب معهد بروكينجز للأبحاث السياسية الاستراتيجية فإن مخاوف الشرق الأوسط من وجود بايدن فى البيت الأبيض تتخلص فى خشية تكرار فوضى الربيع العربى وتجديد التقارب الأمريكى إلى التنظيمات الإسلامية الراديكالية الشيعية مثل حزب الله والسنية مثل جماعة الإخوان وتقييد العلاقات بين القاهرة وواشنطن والضغط على مصر بورقة المعونة العسكرية التى جمدت إدارة أوباما بعضا منها لبعض الوقت.
وعلينا أن نأخذ تلك المتغيرات فى الحسبان ونحولها بأصول اللعبة السياسية إلى مكاسب أو على الأقل نبتعد عن الخسائر.
إن أولى الحقائق الذى يجب أخذها فى الحسبان أن موقفنا فى عام 2020 يختلف تماما عما كنا عليه فى عام 2013 وما قبلها وما بعدها وتغير الزمن عنصر يستحيل إنكار تأثيره على تغير السياسات والشخصيات وفى الوقت نفسه نتذكر ما كان وعلى سبيل المثال: لم يكن بايدن مع تنحى مبارك.
ولو كانت الولايات المتحدة مهمة لمصر فإن مصر مهمة لها والمعونة التى تقدمها تستفيد منها استراتيجيا كما تستفيد منها مصر عسكريا فليس هناك وجبات طعام مجانية حسب العرف الأمريكى نفسه وهذه حقيقة ثانية.
أما الحقيقة الثالثة فهى أن مصر لم تكن لتقبل بكل ما يريده ترامب والعلاقة بينهما لم تكن سمنا على عسل دائما والدليل على ذلك أن مصر واصلت شراء أسلحتها من روسيا طائرات السوخوى 35 وبناء المفاعلين النووين فى الضبعة، وفرنسا طائرات الرفال وحاملات المروحيات وألمانيا غواصات الديزل الهجومية وإيطاليا فرقاطات بحرية ومروحيات ومعدات تصوير ردارى وطائرات هجومية والصين مشرعات الأقمار الصناعية رغم اعتراض ترامب أكثر من مرة.
وبعد سبع سنوات من مواجهة الإخوان شعبيا وسياسيا وقضائيا فى مصر فقد التنظيم أنيابه ومخالبه وسقطت فى حجر الأمن قيادته المؤثرة ــ آخرها محمد بديع ــ ودب الخلاف بين أجياله المختلفة بعد أن أصبح إبراهيم منير مرشدا عاما بكل ما ينسب إليه من سلبيات واتهامات سياسية ومالية وانتقلت رئاسة التنظيم الدولى إلى المخابرات التركية التى استخدمته فى الدعاية لنزعتها التوسعية على شاشات فضائيات موجهة لم تمس شعرة واحدة من استقرار البلاد وهكذا اكتملت الحقيقة الرابعة.
أما الحقيقة الخامسة والأهم فإن مصر فى وقت سابق ومبكر لم تنوع من مصادر السلاح فحسب وإنما نوعت من دعائم وركائز سياساتها الخارجية مع قوة عظمى مستقرة مثل روسيا وقوة عظمى صاعدة مثل الصين بعد التجاهل الذى عانت منه خلال سنوات أوباما.
وعلينا أن نتحاور مع بايدن وننبهه إلى التغيرات التى حدثت فى غيابه وغياب حزبه عن السلطة ولا نتصور أنه سيعاند فى مواجهة الحقائق الجديدة المختلفة التى فرضت نفسها على الجميع ولا نظن أنه سيغضب لو قرأنا الفاتحة على قبر المغفور له دونالد ترامب.