د. بهاء حلمى يكتب: نحو تدعيم اللامركزية لوحدات الإدارة المحلية
يبدو للوهلة الأولى أن موضوع الحديث عن وحدات الحكم أو الإدارة المحلية ثقيل على القلب كونه يشير إلى الصورة الذهنية الراسخة لدينا عن منظومة فساد عميقة.
لكن الحقيقة أننا نحاول تسليط الضوء على بعض مشكلات نظام الإدارة المحلية والسلطات القانونية الممنوحة لها، بغرض الوصول لأفضل الحلول لدفع العمل قدما، والارتقاء بمعدلات الأداء وجودته لصالح المواطن والمجتمع تحت مظلة سيادة القانون.
إن العمل والنجاح لا يأتى بالأمنيات أو النوايا االحسنة فقط، بل بكثير من العوامل أبرزها الالتزام بالسلوك المهنى القانونى الأخلاقى الذى يجب أن يتحلى به مقدم الخدمة فى كافة المواقع مع المتابعة والرقابة والتقويم لتحقيق أعلى معدلات الأداء الحكومى المأمول.
بداية يتوجب أن نعرف مكونات وحدات الإدارة المحلية وذلك قبل التعرف على السلطات والصلاحيات القانونية المخولة لهذه الوحدات، والتى تمكنها من حل المشكلات التى تواجهها على أرض الواقع.
فنجد أن الوحدات المحلية تتمثل فى المحافظات، المراكز والمدن والأحياء، الوحدات المحلية القروية، المجلس المحلى للمحافظة ثم المجتمعات العمرانية الجديدة بالنطاق الجغرافى.
والمفروض أن تتولى هذه الوحدات إدارة جميع المرافق العامة الواقعة فى دائرتها، كما تتولى جميع الاختصاصات التى تتولاها الوزارات بمقتضى القوانين واللوائح المعمول بها، وأن تباشر المحافظات جميع الاختصاصات المتعلقة بالمرافق العامة التى لا تختص بها الوحدات المحلية.
وعلى الرغم من إقرار القانون بأن المحافظ يمثل السلطة التنفيذية بالمحافظة، وعليه مراقبة السياسة العامة للدولة ومرافق الخدمات والإنتاج بنطاق المحافظة، وإنفاذ قوانين وأنظمة الحوكمة واستراتيجيات الدولة لمكافحة الفساد، والعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030م.
إلا أن مجلس النواب عجز عن إقرار القانون الجديد فى دورته المنتهية، فى الوقت الذى لا يرخص القانون الحالى أى سلطات أو صلاحيات حقيقية تعزز دور المحافظ فى مراقبة وتنسيق أعمال جميع المرافق العامة، وفروع الوزارات التى لم تنقل اختصاصاتها للوحدات المحلية.
كيف يتسنى للمحافظ إبداء أو اقتراح الحلول اللازمة فى شأن تطويرالإنتاج وحسن الأداء، أو لحل مشكلة تتعلق بأحد المرافق الأساسية بنطاق المحافظة طالما لم يرخص له قانونا بذلك، وهنا يثار تساؤل هل يحق للمحافظ دراسة أو مناقشة أى مشكلة بنطاق التخصص الجغرافى مع أطرافها سواء الحكوميين أو المدنيين؟ وما المانع؟
وإذا كان المحافظ يمثل السلطة التنفيذية بالمحافظة، فلماذا يناط لرئيس مجلس الوزراء بعقد اجتماعات لمناقشة وسائل دعم التعاون والتنسيق بين الوزارات والمحافظات وتبادل الرأى فى أسلوب تذليل ما قد يعترض نشاط الوحدات المحلية من عقبات؟ لماذا إلقاء عبء تلك المسئوليات على عاتق مجلس الوزراء؟
إنه تفريغ لسلطة الوحدات المحلية من مضمونها، وجعلها نموذجاً لمسئول يحكم فيما لا يملك.
لا نقول إن المحليات أصبحت أكثر طهارة وبراءة عما سبق، وأن كل أعمالها تتوافق مع الحوكمة والشفافية، ولا ننادى بمنحها صك براءة عن مخالفات بعض موظفيها التى أثرت سلبا على المجتمع المصرى، بل ننادى بتدعيم اللامركزية لوحدات الحكم المحلى ومنحهم الثقة فى أدائهم وعلى الأخص للسادة المحافظين.
لابد من منحهم مزيداً من السلطات القانونية والصلاحيات فى نطاق اختصاصهم الجغرافى للتنسيق مع كافة ممثلى الوزارات والهيئات والمصالح لدراسة وحل المشكلات المتراكمة وخاصة المتعلقة بالخدمات والمرافق الأساسية المطلوبة للمواطنين.
مع عرض نتائج تلك الدراسات والحلول على مجلس الوزراء لإقرارها بما يتوافق مع خطط التطوير والميزانيات المقررة.
إن نهج تطبيق اللامركزية فى المحليات مع استمرار سياسة الدولة فى اختيار أكفأ العناصر لتولى مناصب الوحدات المحلية، يعتبر فرصة ذهبية لتعزيز نهج الابتكار والإبداع بما يتوافق مع القانون، قد يكون هو الملاذ الحقيقى لإحداث نقلة نوعية فى تعزيز قدرات وتطوير المحليات للسير فى طريق وركب النجاح بما يواكب خطوات مصر الحديثة.
www.bahaahelmy.com