بطرس دانيال يكتب: الله يراك

مقالات الرأي




كان بولس الرسول يحث تلميذه قائلاً: «تَمسّك بالإيمان، وبالضميرِ الصَالح، هذا الضمير الذى تَخَلّى عَنهُ بعضهم، فانكَسَرَتْ بِهِم سفينةُ الإيمان» (1 تيموثاوس 1: 19). إن الكاتب العظيم Manzoni الذى كان موضوع فخر إيطاليا وعزّتها، عندما وصل إلى أوج الشهرة والمجد، بدأ يحكى الحادثة التى غيّرت اتجاه حياته، قائلاً: «عندما كنتُ شاباً التحقت بإحدى المدارس الراقية، ولكننى ضعفت فى أحد الأيام وكنتُ أنوى أن أمد يديّ خِلسةً لأحصل على بعض الفاكهة من المخزن، ثم نظرتُ أولاً يميناً ويساراً للتأكد من عدم وجود أى شخص يراقبنى، وعندما فتحتُ باب المخزن وجدتُ أمام عينيّ لوحةً مكتوب عليها: «الله يراك!»، فخجلتُ من نفسى وانسحبتُ دون أن أخذ شيئاً. لقد أفاق ضميرى، ومع الضمير عزّة النفس وعزم الإرادة، فتغلبتُ على جشعى، واستعدت السيطرة على جوعى». مما لا شك فيه أن هذه الكتابة كانت بمثابة درس له مدى الحياة، وكانت تُذَكّره بحضور الله فى كل مكانٍ وزمانٍ، كما أنها كانت تساعده على التصرف باستقامة وأمانة فى جميع أعماله، وكلمة «الله يراك» لم تفارقه أبداً، بل كانت توجّهه للسلوك الشريف والعمل الجدّى، احتراماً وتقديراً لله الذى يرى فى كل حين، وخشيةً من إهانة الله بعدم أمانته. مَنْ منّا يستطيع أن يقتل ضميره؟ أو من يقبل بقول الناس عنه: «أنه شخص بلا ضمير؟». من الممكن أن بعض الأشخاص يضعون ضمائرهم جانباً لفترةٍ معينة، وأن يخدّروه بما يقومون به من أعمالٍ لا تتفق مع شريعة الله ولا الشرف؛ ولكن سيأتى اليوم الذى يرتفع فيه صوت الضمير، فلا يعلو عليه شيء. ويفيق من تخديره ليكوى القلب بوخزه، وينغّص الحياة بتأنيبه. كما أن الضمير لن يكف عن الوخز والتأنيب، إلا عندما نوفيه حقّه ونردّ له كرامته. وكما يقول أحد الأشخاص: «ضميرى هو حياتى، فانزع منى الضمير تفارقنى الحياة». أى إنسان يستطيع أن يستطعم الراحة والسعادة، ما دام ضميره غير راضٍ أو مرتاح؟ وما الضمير إلا صوت الله فى داخلنا، من يستطيع أن يقاوم الله؟! فالضمير هو الصوت الداخلى الذى يحثنا ويوجّهنا لعمل الخير والصلاح، كما أنه يساعدنا على القيام بواجباتنا وعملنا، والتعامل مع الناس دون غش أو خداع، ودون الهروب من المسئولية الموكّلة إلينا. لكن الإنسان الذى لا يخاف الله، هو شخص بلا ضمير، وماذا ننتظر ممن لا ضمير له؟! أيستطيع أحدٌ يثق فيه؟ بينما الإنسان صاحب الضمير الحى، لا يرضى بمخالفة وصايا الله، بل يسعى للتخلّص من كل ما يسيء لله وللبشر. فالضمير هو أفضل كتاب للأخلاق، لذا يتحتم علينا دوماً تصفّحه والتقيّد بتعاليمه، إذا أردنا أن نعيش حياةً هنيئة مرضية. فالله منح كل واحدٍ منّا ضميراً حيّاً يساعده على التمييز بين الخير والشر، لكنه ترك لنا ملء الحرية للتعاون مع نعمته فى سبيل خلق عالم أفضل، ننعم به جميعاً، أو نتصرف بما يخالف ضميرنا ونتبع روح الشر الذى يسبب الشقاء والبلاء لنا وللآخرين. مما لا شك فيه لو أن كل إنسانٍ يصمم على أن يعيش بوحى ضميره، لأصبحت الأرض نعيماً، وملأت السعادة والمحبة قلوب جميع البشر. فالضمير لا يقبل إلا عمل أفضل الأشياء، سواء تصرفات الإنسان أو واجباته المطلوبة منه. كل شخصٍ منّا يشعر فى داخله، بهمسٍ روحانى يحثّه على عمل الخير، ويبعده عن التمسك بالشر. والانقياد لهذا النداء الداخلى أو صوت الضمير، هو الوسيلة المثلى لتهذيب سلوك الإنسان وضبط النفس، كما أنه يساعد على راحة البال وصفاء القلب وطمأنينة الإنسان. ويجب أن نضع فى الاعتبار أنه لا جدوى من محاولة نسيان ما ارتكبنا من خطأ، أو نعمل على إسكات ضميرنا، وليس الخوف من عقاب البشر هو الذى يدفع لتوبيخ الضمير، فالبشر يمكن أن يجهلوا ما ارتكبناه، أو لا يستطيعون أن يعاقبونا، لكن تقريع الضمير هو صوت الله فى داخلنا، يوبّخنا على كل ما لا يتفق مع الخير والفضيلة فى تصرفاتنا، ويجعلنا نحب الخير ونشعر بالرضى والراحة والطمأنينة، كما أنه يجعلنا نكره الشر ونعيش فى خوفٍ وقلق عندما نتصرف بما يخالف وصايا الله. وإذا لم نعمل بما يمليه الضمير، فلا جدوى للتفاهم معه، لأنه سيكون بمثابة محكمة داخل أنفسنا، تنطق أحكامها دون محاباة، لأن محكمة الضمير لا تخطئ أبداً. ونختم بالقول المأثور: «النمر يُمزّق فريسته ثم يغفو راضياً مرتاحاً؛ بينما الإنسان الذى يقتل ضميره، لا يعود يذوق طعم الراحة».