د. رشا سمير تكتب: مصر تستحق
(( الحياة النيابية هى الحياة التى يشعر فيها كل فرد من الأمة، بأنه ليس خاضعاً إلا لأمر واحد هو الدستور والقانون ))
تلك الكلمات قالها زعيم الأمة الراحل سعد زغلول، أراد أن يرسي بها قواعد ومبادئ القانون، في أول برلمان مصري نتج عن انتخابات ديمقراطية سليمة، وصفها المؤرخون بأنها من أنزه الانتخابات التي أجريت في تاريخ مصر.
فى 12 يناير عام 1924، فى عهد الملك فؤاد الأول، حدثت انتخابات نيابية نزيهة، جاءت بعد ثورة 1919، حيث أصدرت بريطانيا تصريح 28 فبراير، الذى كان يعطى استقلالًا نسبيا لمصر، كما صدر دستور 1923، أول دستور يُفعل فى تاريخ مصر الحديثة، وكان ينص على إقامة حياة نيابية فى مصر يشارك الشعب فى حكم البلاد من خلال مجلس نيابى يختار الشعب أعضاءه، ويشكل الحزب الذى يحظى بأغلبية برلمانية الحكومة.
توالت البرلمانات وتوالت التشريعات وتوالى جلوس النواب تحت القبة..وفي خضم الصراعات الحياتية والحالة التي أصابت أغلب البشر من تكالب على كل شئ..تحولت الإنتخابات البرلمانية إلى مجموعة من المرشحين باحثين عن تحقيق مصالح شخصية تحت القبة بغض النظر عن كفاءتهم أوقدرتهم على العطاء..
أصبح هذا هو المنطق السائد منذ برلمان 2010 الذي أودى بحياة الحزب الوطني، ومن بعده جاء برلمان "الأهل والعشيرة" برلمان الأخوان المطلق الذي جعل النار تغلي في الصدور لأنه كان بزعامة حزب الحرية والعدالة متفردا متوحشا!.
اليوم ونحن على أعتاب إنتخابات برلمانية قادمة، وبعد برلمان سابق لم يحقق تطلعات المصريين ولم يقف في ظهرهم بل أثقل كاهلهم بتشريعات وقوانين كانت السبب في عزوف الكثيرين عن المشاركة في إنتخابات مجلس الشورى..
قدم لنا برلمان 2016 برئاسة الدكتور علي عبد العال كوميديا سوداء بلا منازع، من تصريحات مؤسفة وقوانين مجحفة، وتجاوزات شخصية من بعض النواب، منها إستغلال النفوذ وفضائح جنسية، ومعارك بالأحذية، وإستغلال الحصانة بأسوأ شكل..
اليوم، واليافطات تعلو كل مكان..تعود نفس الوجوه القديمة والقليل من الوجوه الجديدة التي لا أنزل الله بها من سلطان، وجوه بكل أسف تكرر صورة الراحل العظيم جميل راتب وهو يرفع الطفل الفقير ليقبله ثم يلقيه جانبا فور أن تبتعد الكاميرا عنه!..
رجال أعمال وجدوا في جيوبهم المال فقرروا البحث عن الحصانة لحمايته، وجوه نسائية لم تقدم أي شئ ولم نسمع عنها مطلقا من قبل (مجرد وشوش لطيفة مربعة إيديها)، رئيس نادي رياضي فشل في إدارة ناديه فقرر أن يصبح برلماني، إعلاميون لم يعد لهم مكانا على الشاشة فراحوا يبحثون عن مكان تحت القبة، وجوه الحزب الوطني القديمة في عودة هادئة، أعضاء تيارات الإسلام السياسي بعد أن تخلوا عن الذقون والجلاليب (قال يعني متخفيين!)..
ولازلت أتسائل..ماذا وجد هؤلاء في أنفسهم جعلهم يقدمون على هذه الخطوة؟..هل هم فعلا أهل ثقة؟ أم أنهم مجرد وجوه محروقة مثلهم مثل غيرهم؟!.
لكن وإحقاقا للحق، هناك بعض النواب المحترمون من المجلس الماضي، وهم في الحقيقة يعدون على أصابع اليد الواحدة، نواب قدموا لأبناء دوائرهم الكثير، لم يغلقوا أبوابهم يوما في وجه أحد، ساعدوا المحتاج وساندوا صاحب الحق..ونواب آخرون لهم مواقف مُشرفة تحت القبة من إستجوابات وإعتراضات رصينة حتى لو كانوا أقلية إلا أنهم موجودين..
أرجوكم إبحثوا عنهم وأعطوهم أصواتكم..
أرجو من كل صاحب صوت أن يفكر ألف مرة قبل أن يُعطي صوته لمن لا يستحق..وألا يجامل صديق يعرفه أو زميل في مكان عمله..وكم أتمنى أن نكف عن ترديد نفس الجمل المعتادة الهزيلة مثل: (أصله إبن حلال) (أصل مامته صاحبة ماما) (أصله طيب) (ما نجربه يمكن يطلع كويس) (أصل شكله إبن ناس)!
لا يا سادة..لا وألف لا..لم يعد هناك وقت للتجارب، الدولة في محاولة جادة للنهوض والإرتقاء..الرئيس القوي يحتاج إلى حكومة قوية، وبرلمان له كلمة وموقف..
إعط صوتك لمن يستحقه بأعمال تشفع له وسيرة ذاتية تؤهله للمقعد..إعط صوتك لنائب يستحق أن يكون صوتك وظهرك..إعط صوتك لمن يستحق، ببساطة لأن مصر تستحق.