منال لاشين تكتب: معركة تصفية هشام عز العرب

مقالات الرأي



شائعة منذ أسبوعين بتحويل عز العرب أموالاً للخارج، والحقيقة أنه نقل بعض أسهمه لبورصة لندن

لأول مرة.. تفاصيل اللقاء بين طارق وعز العرب قبل الأزمة بساعات

هشام لطارق: اللى بيدى جوائز لبنكنا هو اللى أدى جوائز لمحافظ البنك المركزى

هشام: بدأت بتجهيز مكتبين لى بعيدًا عن البنك

نادرًا ما يشجع المصريون أو يتعاطفون مع الكبار من كريمة المجتمع، مجتمع النفوذ والفلوس، ولكن حالة التعاطف مع رئيس البنك التجارى السابق (سى آى بى ) هشام عز العرب كانت استثنائية وفريدة، لم يبلع الكثير من المصريين أن يفقد الرجل منصبه فى البنك الذى أنشأه بالمعنى الحرفى بين ليلة وضحاها، ولم تدخل عليهم حكاية أن بنكا خاصا وبه شركاء أجانب، وصاحب أكبر سهم فى البورصة لديه مخالفات جسيمة تستدعى أن يشهر محافظ البنك المركزى طارق عامر ومجلسه السيف، من أجل الإطاحة برأس هشام عز العرب من رئاسة البنك، خاصة أن البنك المركزى تحت قيادة طارق لأكثر من أربع سنوات كان يراقب بنك سى آى بى، لم يدر المصريون ظهرهم للخناقة باعتبارها خناقة بين اثنين من الكبار، بل نقلت التعليقات والدهشة والصدمة أن من الصعب تصديق أن البنك الأكثر ربحا فى مؤسسات القطاع الخاص الراسخ المتين ينخر فيه السوس، ويرتع فى أقسامه الفساد، بصراحة كان إخراج عملية تصفية هشام عز العرب هو أسوأ إخراج شهده عالم البنوك، وربما نسى مدبرو العملية أن البنك التجارى الدولى هو بنك شعبى معروف، وأن هشام عز العرب هو شخصية معروفة محليا ودوليا، باختصار اعتقدوا أن عملية خلع هشام عز العرب من بنكه ستمر فى هدوء وصمت، نفس الصمت الذى مرت به عملية خلع المصرفى الكبير حسن عبدالله من رئاسة البنك العربى الإفريقى.

1- لقاء عاصف

يوم الأربعاء ذهب هشام عز العرب للقاء طارق عامر فى مكتبه بالبنك المركزى، لم يكن عز العرب يعرف سبب اللقاء، فعلاقته بطارق عامر شهدت موجات مد وجزر، فوجئ عز العرب بأن طارق عامر يطالبه بالرحيل، وقال طارق لعز العرب: أنا شايف إن كفاية عليك كده، وقدم استقالتك، فكانت إجابة عز العرب بالرفض القاطع، وقال لطارق عامر: أنا مش هامشى عايزنى أسيب البنك ليه؟، فرد طارق: فيه مخالفات كبيرة وجسيمة فى البنك، فلم يتراجع هشام عز العرب، وقال لطارق: لو عندك مخالفات وديها النيابة وحولها للجهات المسئولة، وأضاف هشام: إن البنك أكبر بنك قطاع خاص وأفضل بنك وحاصل على جوائز عدة، فسخر طارق عامر من هشام أو بالأحرى من حكاية الجوائز، وقال لعز العرب: إحنا عارفين الجوائز دى بتؤخذ إزاى، فلم يسكت هشام على الإهانة، ورد قائلا: اللى بيدى جوائز أفضل بنك هو اللى بيدى جوائز أفضل محافظ، وذلك فى إشارة للجوائز التى حصل عليها طارق عامر من مجلة مصرفية دولية، وهنا انفجر غضب طارق، وبات اللقاء مهددا بالانتهاء، وبالفعل انسحب هشام عز العرب من اللقاء.

ويمكن هنا الربط بين خطوة خلع هشام عز العرب من رئاسة سى آى بى، وبين شائعة ترددت الأسبوع قبل الماضى ولا أعرف مصدرها، والشائعة الخبيثة تزعم أن هشام عز العرب حول كل أمواله من مصر للخارج وأن أمواله تبلغ 300 مليون جنيه، والحقيقة أن هشام حول جزءًا من اسهمه التى يملكها فى بنك سى آى بى من البورصة المصرية إلى بورصة لندن، حيث يتم تداول أسهم البنك، وبالطبع لم يكن المقصود من هذه الخطوة الخروج من السوق المصرية، ولكن فى الغالب تساعد هذه الخطوة على ضبط إيقاع السهم فى بورصة لندن، وخاصة إذا كانت هناك مخاوف من تذبذب أى سهم متداول فى البورصة، وربما تكون هذه الخطوة العادية التى تحولت لشائعة هى الشماعة التى سهلت على طارق عامر وجود غطاء لاتخاذ قرار بخلع هشام عز العرب من رئاسة البنك، وذلك لاستكمال قصة المخالفات الجسيمة.

2- خسائر بالجنيه والدولار

مبدئيا لست من عبدة البورصة، ولا من الدعاة أن محاربة الفساد يضر بالبورصة ويدفعها للانهيار، وأنا مع قطع رقبة وليس يد السارق فقط، وإعدام الفاسدين فى ميدان التحرير، ولكن البنك المركزى لم يحدد وجود فساد، وإذا كان المركزى وجد مخالفات جسيمة بالبنك، فلماذا لم يلجأ للجهة المختصة وهى النيابة العامة، ومن وراء تسريب قرار البنك المركزى للصحف والمواقع لتنهار البورصة فى مصر بدون سبب مقنع أو عادل، فقد أدى تسريب قرار المركزى بخلع هشام عز العرب إلى فزع حقيقى بين عدة مستثمرين أجانب لأن هشام له صلات قوية بمستثمرين كبار فى كل أنحاء العالم، وقد حكى لى رئيس إحدى شركات الاستثمار أنه كان ينتظر مكالمة من مستثمر أجنبى لعقد صقفة فى مصر، ومع بداية المكالمة الخاطفة، أوضح المستثمر أنه من الصعب الآن التفكير فى الدخول للسوق المصرية بعد ما حدث مع هشام عز العرب، وللتوضيح فإن هشام عز العرب فى مجال البنوك مثل نجيب ساويرس فى مجال البيزنس، ولهذا فإن ما حدث مع هشام عز العرب يتخطى أثره على الأشخاص، ويصل إلى التأثير على صورة الاقتصاد المصرى، بعد تنفيذ قرار المركزى بتعيين رئيس تنفيذى آخر، أجرى حسين أباظة عضو مجلس إدارة بنك سى آى بى حوارًا عبر الفيديو كونفرنس مع عدد من المستثمرين الأجانب المتعاملين مع البنك، واستمر الحوار لمدة 45 دقيقة، وسأل أحد المستثمرين الأجانب حسين أباظة عن طبيعة المخالفات فى البنك التى أدت إلى أن يقدم عز العرب استقالته، فرد أباظة بأن البنك لم يعلم بعد لأن المركزى لم يخطرهم بعد بالمخالفات، فسأله المستثمر وكيف يتخذ البنك قرارات دون علمه بالمخالفات، فرد أباظة: إن البنك ينفذ قرار المركزى، فأنهى المستثمر الحوار بأننا أمام سبب أو خلاف شخصى، وأضاف هل تتوقع أن يأتى مستثمرون جدد فى ظل هذه الأوضاع؟

قانونا حدث خطأ أو تعسف فى استخدام القانون، فإذا كان قانون البنك المركزى يعطى المحافظ أو المجلس الحق فى خلع رئيس بنك بسبب مخالفات جسيمة، فالأصل أن يرسل المركزى هذه المخالفات للبنك مرتكب المخالفة، ويمنحه فرصة للرد على المخالفات، وبعد ذلك يتخذ المركزى قراره، إما بحفظ الموضوع أو إحالته للنيابة العامة.

على المستوى المحلى لم يصدق الكثيرون من المصريين قصة المخالفات الجسيمة لأن بنك سى آى بى بنك يخضع لرقابة طارق عامر منذ أكثر من أربعه سنوات، وهو بنك أسهمه متداولة فى البورصة ويخضع لرقابة من الهيئة العامة لسوق المال ومن المساهمين المصريين، كما أن بعض المساهمين فى البنك من المؤسسات الأجنبية التى تجرى تدقيقا ورقابة على أعمالها، على بلاطة يخضع البنك لأربعة مستويات من الرقابة الخارجية، ولذلك لم يستقبل الكثير من المصريين الاتهامات الموجهة للبنك ولرئيسه بالجدية.

بل إن بعضهم أرجع رحيل هشام عز العرب إلى خلافات بينه وبين طارق عامر، من أطرف الأسباب التى سمعتها أو بالأحرى شائعة عن الخلاف بين طارق وعز العرب سبب عائلى، فقد قام هشام عزالعرب بفصل شقيقة طارق من البنك، ورفعت شقيقته قضية على البنك فى عام 2007 تقريبا، وسبب آخر أن هشام عز العرب هو الوحيد فى جيله الذى نجح فى إنشاء بنك.

وسبب ثالث أن عز العرب رفض الأخذ برأى المركزى فى استكمال التفاوض مع عميل تعثر فى دفع أول قسط بعد إعادة الجدولة، وأن القرض يشمل بنوكًا عديدة وبنحو 400 مليون دولار.

سبب رابع أن طارق عامر يكره رؤساء البنوك الخاصة الذين يحصلون على دخول أكبر من البنوك العامة.

سبب خامس أن طارق يظن أن هشام عز العرب أراد أن يقصيه عن منصبه، خاصة أن طارق عامر قال فى حديث تليفزيونى مؤخرًا: فى رؤساء بنوك دفعوا عشان يمشونى.

وسبب سادس يردده طارق عامر.. إن البنك المركزى أرسل لجنة للتفتيش على السى آى بى من عام ونصف، واكتشف تجاوزات،

تعددت الأسباب والآراء ولكن المؤكد أن علاقة طارق عامر بهشام عز العرب قد شهدت شهر عسل خاطف.

3- شهر عسل قصير

اتحاد بنوك مصر هو مؤسسة أهلية تجمع البنوك العاملة فى مصر، وعلى الرغم من أنها تنتمى لجمعيات المجتمع المدنى إلا أن البنك المركزى حشر نفسه فى أعمالها على المستوى القانونى وعلى أرض الواقع، ولذلك كان اتحاد البنوك دوما هو إحدى الأدوات التى يستخدمها محافظ البنك المركزى، أى محافظ، ونظرا لأهمية البنوك العامة، فقد ظل رئيس اتحاد البنوك يأتى من قيادات البنوك العامة التى يترأس جمعيتها العمومية محافظ البنك المركزى، وفجأة وفى سابقة خطيرة وصل هشام عز العرب إلى رئاسة اتحاد البنوك فى أول مرة يتولى رئيس بنك خاص رئاسة الاتحاد، وكان المحافظ فى ذلك الوقت هو هشام رامز، وقد كتبت معارضة لهذا الاختيار، وقلت أننى لا أعترض على مهنية أو كفاءة رئيس البنك التجارى، ولا أنكر أن البنك هو أكبر بنك خاص والأهم على مستوى الشرق الأسط، ولكننى أفضل أن تظل رئاسة الاتحاد للبنوك العامة حتى يدعم الاتحاد المسئولية الاجتماعية، وتوقعت أن يرفض طارق عامر عندما أصبح محافظا استمرار هشام عز العرب فى رئاسة اتحاد البنوك، وأن تذهب الرئاسة فى أول انتخابات لأى الرئيسين إما البنك الأهلى أو بنك مصر، ولكن المفاجأة أن طارق أراد استمرار هشام عز العرب فى رئاسة الاتحاد فيما وصف بأنه شهر عسل غريب بين الاثنين، وكانت العلاقات بينهما دافئة، وزيارات هشام عز العرب لشرب فنجان قهوة والدردشة مع المحافظ طارق عامر فى مكتبه لا تنقطع، وأذكر أن طارق عامر كان لا يزال يرد على اتصالاتى الهاتفية (قبل أن يقاطع الفجر تماما) وأنه أثنى على عز العرب حين سألته عن مفاجأة استمرار رئيس بنك قطاع خاص رئيسا للاتحاد.

وسخر البعض من العلاقة بين الاثنين وقالوا (اللى فى القلب فى القلب) بينما رأى آخرون فى هذه العلاقة بادرة خير بعد انتهاء مرارة هزيمة فى قرار إقالة 10 رؤساء بنوك، وأن طارق عامر يريد أن يجمع حوله رؤساء البنوك القوية لصالح القطاع المصرفى.

وفى هذه الفترة كان هشام عز العرب ينقل لطارق عامر غضب وضيق رؤساء البنوك من التعليمات الشفوية للبنك المركزى والتى تعرضهم للمشاكل القانونية.

ولكن هذه العلاقة سرعان ما انهارت بعد ظهور أول نسخة من مشروع قانون البنوك، فقد اكتشف هشام عز العرب أن طارق وضع بالمشروع مواد تفصيل ليرحل عز العرب وعدد من أكبر قيادات البنوك من مناصبهم الأمر الذى اعتبره عز العرب خيانة للصفحة الجديدة فى علاقته بطارق عامر، وبالمثل انفجر طارق عامر بالغضب، محملا عز العرب مسئولية تسريب نسخة المشروع ورأى اتحاد البنوك للإعلام، ورأى طارق فى هذه الخطوة خيانة للثقة التى وطدها مع عز العرب.

كما حمل طارق عز العرب قيادة تيار مناهض للمشروع أدى إلى إلغاء المواد المثيرة للخلاف.

4- إعلان الحرب

بالطبع لا يمكن تجاهل أن طارق عامر أعلن الحرب على عز العرب وأكبر وأهم القيادات المصرفية منذ ربع الساعة الأولى فى ولايته الأولى، وذلك عندما تسرع طارق عامر وأصدر قرارًا يمنع رؤساء البنوك من تولى الرئاسة لمدة تزيد على 9 سنوات، وبرر طارق عامر قراره بالرغبة فى تجديد دم البنوك.

وأطلق البعض على القرار (قرار عز وشركاه) وأدى الطعن فى القرار أمام القضاء الإدارى إلى تراجع طارق عامر عن القرار، وكان طارق يعتقد أن هشام عز العرب وراء الطعن على القرار، لأن الطاعن كان محاميًا يملك أسهمًا فى سى آى بى، ولكن يبدو أن تراجع طارق عامر فى أول مرة كان اضطراريا وأن شهر العسل بينه وبين هشام عز العرب كان تراجعا تكتيكا، وأن المثل الشعبى (اللى فى القلب فى القلب) هو أكثر كلمات تكثف قضية الأسبوع، قضية هزت وشغلت الرأى العام، وتحتاج من أصحاب الشأن أن يراجعوا جيدا توابعها بره وجوه.