مى سمير تكتب: ماكرون وقع فى فخ التطرف
فى 16 أكتوبر الجارى شهدت العاصمة الفرنسية باريس جريمة قتل مدرس التاريخ «صموئيل باتى» على يد مواطن فرنسى بزعم قيامه بعرض رسومات كاريكاتورية مسيئة للنبى محمد -صلى الله عليه وسلم- وفى اليوم ذاته قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون: «لن نتخلى عن الرسومات والكاريكاتيرات وإن تقهقر البعض»، وهو ما اعتبره المسلمون تشجيع على المضى قدماً فى إنتاج الرسومات المسيئة.
ومع انتشار المطالبات بمقاطعة المنتجات الفرنسية وحالة الغضب التى اشتعلت فى العالم الإسلامى، نشر الرئيس الفرنسى يوم الأحد الماضى تغريدة باللغة العربية قال فيها: «لا شيء يجعلنا نتراجع أبداً، نحترم كل أوجه الاختلاف بروح السلام، ولا نقبل أبدا خطاب الحقد، وندافع عن النقاش العقلانى، وسنقف دوماً إلى جانب كرامة الإنسان والقيم العالمية».
لكن السؤال الذى يطرح نفسه هل وقع ماكرون فى فخ التطرف وهو يواجه الخطاب الإسلامى المتطرف؟ الكثير من الباحثين والمحللين الغربيين يؤكدون أنه فقد بوصلة التعامل الصحيح، خاصة أنه فى طريقه لوضع صيغة جديدة لتعامل الدولة الفرنسية مع الدين الإسلامى من المنتظر صدورها فى ديسمبر المقبل.
غرّد عالم الاجتماع الأمريكى كريستال فليمنج، الخبير فى الجماعات المتعصبة من أصحاب البشرة البيضاء: «إنه لأمر محزن أن نرى المسئولين الفرنسيين يستجيبون للتطرف العنيف بالتطرف العنيف».
وقال أرييه عليمى، المحامى فى الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان: «صباحاً ومساءً نسمع دعوات لاتخاذ إجراءات جديدة ضد المسلمين، ما نحتاجه من ماكرون هو شيء أكثر حكمة، شيء أكثر توازناً»، وحسب الصحفى الفرنسى جون ليتشفيلد على موقع «بولتيكو» فإن العليمى على حق: يحتاج ماكرون للعودة إلى النهج المعقول والمدروس لعلاقة فرنسا مع مواطنيها المسلمين الخمسة ملايين».
ولا أحد ينكر أن فرنسا عانت من الإرهاب الذى تبنته جماعات ترفع شعار الإسلام أكثر من أى دولة أوروبية أخرى فى العقد الماضى، والغالبية العظمى من الهجمات ليس لها صلة مباشرة بنشر مجلة «شارلى إبدو» للرسوم الكاريكاتورية المسيئة، وفى هذا الإطار يطالب المسلمون فى فرنسا بضرورة التحرك بتحرير المساجد والمؤسسات الإسلامية من قبضة المتطرفين والدول الممولة لهم وعلى رأسها قطر وتركيا، وكان تحرك الحكومة الفرنسية بإغلاق مسجد فى بانتين شمال باريس، والذى سيطر عليه إمام متطرف موضع ترحيب من المصلين المعتدلين.
إن عملية اغتيال المدرس الأخيرة هى مسئولية الحكومة الفرنسية التى تركت الجوامع فى قبضة الأئمة المتطرفين الممولين من قطر والتابعين للإخوان المسلمين.
لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو تدفق الخطابات غير المدروسة من بعض أعضاء الحكومة الفرنسية، مثل وزير الداخلية جيرالد دارمانين على وجه الخصوص، والذى تبنى مصطلحات وأنماط تفكير اليمين المتطرف، وتحدث عن كون جمهورية فرنسا تخوض «حرباً أهلية» للدفاع عن العلمانية والوحدة ضد التعاليم الانفصالية للإسلام المتطرف.
وبحسب مصادر مطلعة فى الإليزيه فقد طلب ماكرون من دارمانين ووزراء آخرين تهدئة لغتهم، لكنه على انفراد وفقا لمجلة «لو كانير انشانيه» الاستقصائية، يستخدم أيضا كلمات مفرطة فى الإيذاء، وورد أن الرئيس الفرنسى قال: «يريدون موتنا، ولذلك سوف نقاتلهم حتى الموت».. «الجمهورية الفرنسية فتاة لطيفة لكنها لن تسمح لنفسها بالتعرض للاغتصاب».
إن موقف ماكرون الأخير من الرسوم المسيئة أدت لاصطفاف المسلمين المعتدلين مع المتطرفين ضد ماكرون فى وقت يحاول فيه الأخير تحرير المؤسسات الإسلامية فى فرنسا من قبضة أصحاب الفكر المتطرف.
وكان رد فعل زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان على قطع رأس «باتى» هو التأكيد على أن الهجرة «الجماعية غير المنضبطة» هى السبب، مع العلم أن الغالبية العظمى من مسلمى فرنسا البالغ عددهم 5 ملايين ولدوا فى فرنسا.
من جانبه يرى «اتش هيلير زميل»، أول مشارك فى المعهد الملكى ومؤلف كتاب «مسلمو أوروبا: الأوروبيون الآخرون»، أن ماكرون فشل فى إدراك أن المبدأ الأساسى للفصل بين الكنيسة والدولة فى فرنسا العلمانية وحياد الدولة تجاه الدين المنظم، يمنعه فى الواقع من الانخراط فى أساس الخطاب الدينى الخاص للمجتمع».
قبل ثلاثة أسابيع ألقى ماكرون خطابا مدروسا ومتوازنا عن الإسلام وفرنسا فى ضواحى باريس الخارجية، بالقرب من كونفلان سانت أونورين حيث قُتل باتى، وعد خلاله بقانون حول «العلمانية والحرية» لمحاربة «الانفصالية» الإسلامية المتطرفة من خلال حظر استيراد الأئمة المدربين والممولين من الخارج، وستكون الإعفاءات الضريبية وتمويل الدولة متاحين للمساجد التى توقع على ميثاق يقبل المبادئ الفرنسية للعلمانية والديمقراطية وسيادة القانون.