رامى المتولى يكتب: Never Gonna Snow Again الصراع الاجتماعى بين الشرق والغرب

مقالات الرأي




سحر الشرق مع الحياة العادية الجافة فى مقابل ثراء الغرب المادى مع خواء المشاعر، صورة نمطية نراها فى العديد من الأفلام السينمائية حتى تحولت لدلالة ثابتة فى الوعى الجمعى للعديد من الفنانين والجمهور أيضًا، يتم استغلالها بشكل نمطى مع تصاعد حملات المناهضة للعنصرية وتمكين العرقيات المختلفة من الدخول فى أنشطة الحياة العامة بالمجتمعات التى سيطر عليها أصحاب البشرة البيضاء طويلاً، وجدت هذه النظرة النمطية طريقها إلى أفلام عديدة من إنتاج هوليوود معظمها تجارى تتعامل مع ما هو شرقى أو غربى وأيضًا شمالى وجنوبى من منطلق المعادلة الرياضية حيث يجب أن يكون هناك تمثيل للعرقيات المختلفة فى الأعمال الفنية وإلا لن يكون الفيلم مقبولاً اجتماعيًا.

الصراع بين ما هو شرقى وغربى قائم على أسس مختلفة فى قارة أوروبا، العنصرية والعنصرية المضادة هناك بين ما هو يسارى ورأسمالى، لا وجود لعرقيات أو ألوان أو أديان، كلها عناصر هامشية أمام المعركة الكبرى، فيلم Never Gonna Snow Again الذى ينافس ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائى فى دورته الرابعة والذى سبق له المنافسة على أسد فينيسيا الذهبى، تعامل مع الصراع السياسى بين شرق ووسط أوروبا الذى ينتمى للتوجهات اليسارية والغرب الذى ينتمى للرأسمالية، هذا الفيلم لا يميل للمبالغات ولا الصوت العالى فى عرض الخلاف الجوهرى بين المعسكرين دعمًا لقضية ما أو نصرة لفئة عرقية كما يحدث فى أمريكا حيث تدار المعارك بين الفنانين بالأفلام وعلى خشبات مسارح جوائز الأوسكار والجولدن جلوب وغيرها.

سحر وغموض الشرق يحمله زينا (أليك أوتجوف) القادم فى البداية للعاصمة الأوكرانية كييف، ليحصل على تصريح دخول إلى بولندا، يجلس بهدوء أمام المسئول ويطلب منه التصريح معللاً ذلك باحتياجه لذلك، وبمجرد أن يقول المسئول أريد الراحة، يبادر زينا بمنحه إياها، ويوقع بنفسه على التصريح ويختمه، وهو الموقف الذى يمكن إضافته إلى الطريق الذى اتخذه ليصل إلى المبنى الحكومى، سنجد أننا كونا فكرة سريعة عن زينا وحصل صناع الفيلم على انتباهنا بالتساؤل عن طبيعة هذه الشخصية التى تتكشف تفاصيلها على مدار الفيلم.

من بعد هذا الحدث، يتأسس عالم الفيلم بالفصل بين البناية التى يسكنها زينا بطابعها السوفيتى الشرقى وأثاثها العملى البسيط الذى لا يخلو من ذوق بائد ينتمى لحقبة ثمانينيات القرن الماضى، والكومباوند الثرى فى بولندا المكون من فيللات يسكنها أغنياء ذوو طباع مختلف عن المكان الذى نشأ فيه ويتحدثون لغات مختلفة فى الأساس، حتى إن هذا المجتمع الثرى يسخر من جنسية زينا وإرثه الاقتصادى والثقافى وهو يتقبل هذا الاختلاف ويدركه جيدًا، لأنه يعرف أنه يملك موهبة تجعله المفضل عند هؤلاء الأثرياء.

هذه المفارقة هى التى تحفزنا كمشاهدين على التفكير فى الاختلاف واستدعاء قضايا الصدام الحضارى سياسيًا واجتماعيًا، من ثلث الفيلم الأول وترجم المخرجان/ المؤلفان مالجورزاتا زوموفسكا، ميشال إنجليرت الفارق بصريًا من خلال شكل شقة زينا وفيللات عملائه الذين يمسدهم، وبالحوار عندما يقوم بتنويمهم مغناطيسًا مستخدمًا اللغة الروسية خلافا للغته فى التعامل مع عملائه، حتى فى احلامهم سواء عندما يغرقون فى سباتهم العميق فى جلسة التنويم المغناطيسى يختلفون عن أحلام زينا، فالأخير يحلم بوالدته ومرضها بسبب كارثة مفاعل تشرنوبل حيث بلدته الأصلية، وهى بالطبع سبب آخر لإلقاء نكته مكررة مملة وسخيفة من قبل البولنديين أنهم بالتأكيد «مشع» فى إشارة للإشعاع الذرى الضار، لكن فى الحقيقة أن زينا «مشع» بالمعنى الجيد، لكنه مثلهم لا يظهر عليها هذا الإشعاع لأن كلا المجتمعين حبيسا وجهات النظر وما تفرضه عليهم من سلوك وطريقة تفكير وحياة.

المنطلق للتعامل مع القضية، إنسانى بحت ينبذ السياسة والتعقيدات التى تأتى من ورائها، يبحث عن السلام فى قارة أو بالأصح قارتين إذا أضفنا آسيا للمعادلة بتأثيرها على الشرق والوسط الأوروبى طحنتها حروب متتالية بناء على اتجاهات فكرية، والتعبير عن ذلك بأسلوب سينمائى بعيد عن المباشرة يعتمد على الشاعرية فى ألوان الفيلم وملابس شخصياته التى تعبر لحد كبير عن ما يرمزون عنه.