بطرس دانيال يكتب: يا الله!

مقالات الرأي




يَحُثّنا القديس بطرس فى رسالته الأولى قائلاً: «فتواضعوا تحت يد الله القوية، لكى يرفعكم فى حِينِه. مُلقين كل هَمِّكُم عليه، لأنه هو يعتنى بِكُم» (6:5-7). كانت هناك إحدى السفريات بحراً، فى ظروفٍ متقلّبة بسبب سوء الجو، فانزعج الركاب جداً، وهرعوا مسرعين فى حالة غضب، طالبين مقابلة قبطان السفينة فوراً. ولكن التقى بهم مساعده وسألهم قائلاً: «لِمَ كل هذا التوتر والانزعاج؟» فأجابوه: «ألا تَرى، السفينة تشق النهر بسرعةٍ شديدة، بينما الضباب الكثيف يُحيط بنا من كل جهة، ويعوق الرؤية تماماً؟» فقال لهم والابتسامة تملأ وجهه: «لا تخافوا قط، لأن مكان قيادة القبطان أعلى بكثير من الضباب، لذلك فهو يرى كل شيءٍ جيداً». نستطيع أن نضع هذا المثال نُصب أعيننا، عندما تضيق بنا الحياة، كما يجب أن نثق فى القبطان الأعظم الذى يقود مسيرة حياتنا، فهو يعلو فوق الضباب، ويرى معالم الطريق جيداً، ويعرف أدق التفاصيل. ومما لا شك فيه أن الله معنا فى كل حين بيده الحانية والجبّارة لتسند ضعفنا، وتزيل العقبات من طريقنا، كما أنها تساعدنا على اجتيازها، عندما نستعين به ونعمل معه. مَنْ يستطيع أن ينكر بأن الله معنا أيضاً بكلامه الذى يُنير عقولنا وقلوبنا، ويشدّد عزائمنا، ويدفعنا إلى عمل الخير والتحلّى بالفضائل؟ كما أن كلامه يعاتبنا حيناً، ويعزّينا حيناً آخر، فالله لا يتركنا أبداً، لأنه معنا دائماً لينظّم ما شوّهناه من أمور حياتنا. لكن للأسف نجد الناس مشغولين عن الله، منهمكين فى ارتباطاتهم اليومية، بالرغم من أنه فى أتم الاستعداد ليغمرنا ببركاته وعطاياه. وما أجمل كلمات الكاتب محمود تيمور عن علاقته بالله: «يا الله! نداء، يا له من نداء! يَصلُك بتلك الروحانية السرمدية، روحانية الله فى ملكوته الأعلى! يا الله! متى قلتها فى حرارةٍ، شعرتَ بأنك قد اغتسلتَ وتَطهرتَ، فتألّق نور عينيك، وشاع الصفاء بين جنبيك، وكأن قد نبتَ لك جناحان يرفّان، فأنت بهما فى خفّة الطير، تُحَلّق فى الفضاء الفسيح. يا الله! لا أرهب فى الوجود شيئاً، مادام ندائى لك ملء سمعيِ. حتى أنتَ لا أرهَبُكَ لأن حبّى لك يغمر قلبي: والمُحِب الصادق لا يتطرّق إلى قلبه الخوف ممن يحب... يا الله! ما أسعدنى بحبى إياك! أنا لا أخشى أعاصير الحياة، لأنى فى عِصمةٍ منها، بما أجده لك فى قلبى من حُبٍ دائمٍ موصول. وأنا لا أضيق ذرعاً بالألم، لأنى أجد فى نسمة رضاك، ما يمحو الألم ويأسو الجراح. أنام، إذا نمتُ، مطمئناً رَضيّ البال: فاسمك هو آخر ما تلفُظ شفتاى. وأصحو إذا صحوت متفائلاً طَلِق الأسارير: فندائى لك، أول ما يلهج به لساني: يا الله!». هذا هو سر عظمة النفوس الصافية التى تتحد بالله، مصدر كل سلام وصفاء وطمأنينة. فإذا كان الله، رب السماء والأرض هو أبونا الحنون؛ فما الذى يخيفنا أو يُنَغّص حياتنا؟! هل يتوانى الله عن إغاثتنا حين ندعوه؟ هل يتركنا وشأننا عندما تساورنا الهموم أو تطغى على قلوبنا الغيوم؟! ويقول داود النبي: «معونتى من عند الله خالق السماء والأرض» (مزمور 2:120). إذاً يجب أن نُسَلّم أنفسنا بين يدى الله خالقنا، فى ظل ظروف الحياة ومشاكلها، كما يجب علينا أن نثق بأنه لن يهملنا أبداً، حتى وإن سمح بالصعوبات والهموم؛ فلكى يذكّرنا بأن نلجأ إليه ونحتمى به. للأسف، كثيراً ما ننسى الله، ولا سيما عندما تحلّ بنا المصائب، أو تعصف علينا المخاطر وتقلقنا المشاكل، لكن إذا كنّا نضع الله نصب أعيننا، ونتوسل إليه ليساعدنا، لن يتأخر أبداً أو يهملنا فى ظل هذه الظروف، ومِنْ ثَمَّ سنشعر للتو بسعادةٍ وطمأنينة، وشجاعة الثقة به، ونلتمس حنانه ونعتمد على أبوّته. مما لاشك فيه أن الله قادر على تصريف أمورنا أفضل منّا، إذا لجأنا إليه بثقة بنويّة، كما أن الله ليس بحاجةٍ إلى توجيهاتنا أو نصائحنا، ولكن كل ما يطلبه هو أن نعبده بخشوع ونعطيه قلوبنا ونتوكّل عليه. كم من سعادة تغمرنا، عندما نعتمد على الله الذى يستجيب لنا، وإذا لزم الأمر سيحملنا بين ذراعيه، لنتخطى العقبات التى لا نستطيع التغلّب عليها بقوانا الشخصية. ومادام الله فى حياتنا بلا شك، فلا نخاف شيئاً فى الدنيا، لأن جميع المخلوقات وكل الأمور بيده، ويستجيب لنا دون توانٍ، لأنه يرأف بحالنا. ونختم بكلمات الكاردينال نيومان: «كثيراً ما نكتشف حضور الله فى حياتنا بعد فوات الأوان، عندما ننظر إلى الوراء.»