محمد المسلمي يكتب: لقد مات أبي وبقيت وحدي

مقالات الرأي

بوابة الفجر


ليس هناك مصيبة تحل بالمرء، أعظم من مصيبة الموت، حين نفقد عزيزا علينا، ولا شك في أننا مؤمنون بقضاء الله وقدره، ونؤمن بأن الموت حق على الجميع، وأن العمر والأجل مكتوبان، ولن يُخلد أحد في هذه الدنيا الفانية، إلا إن الفراق صعب، وفراق الأحبة أشد صعوبة وألمًا، ويترك في النفس حسرات ولوعة لا تزول.

في خِضَّم أخبار الفواجع، التي قد تواجهك على حين غفلة، وصول خبر وفاة قريب أو صديق أو إنسان عزيز جداً، الموت حق، وأنت لا تملك عندها سوى التسليم بقضاء الله وقدره، جلّت قدرته وحمد الله والثناء عليه، الذي لا يحمد على مكروه سواه، ثم الدعاء للميت بأن يتغمده الله برحمته.


أذكر لكم مثالاً بسيطاً، من سِجِّل أبي هذا الرجل الذي فقدناه في لحظة، وما زالنا في قمة الحزن، كان نعم الخُلق يسعى في الخير، عندما تتحدث مع واحد من هؤلاء الذين عايشوه وعاشوا معه عن قرب، تأخذك أعماله الجليلة التي لا يقدر عليها إلا الندرة من الرجال، قام بها هذا الإنسان الكبير أبي.

ومن أصعب الأمور على الإنسان أن يفقد والده، فالأب هو السند في الحياة ومن يفقده فكأنه فقد حياته وفقد المعين والسند، فلا يوجد أحد يقدم لك العون ويكون سنداً حقيقياً لك سوى الأب فإذا رحل فقد خسرت كل شيء، وتبقى غصة فقدانه مدى العمر.

أبي، كان خير مثال لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه «من عاش على شيء مات عليه»، فقد توفي في صلاة الفجر يوم الجمعة، وقد كان رحمه الله مواظبًا على الصلاة في الجماعة، فما حسن الخاتمة التي نسألها الله لنا؟.

إنه الحبيب الغالي؛ الذي أحبني وأفنى عمره في حبي؛ دون انتظار المقابل؛ حملته بيدي إلى قبره؛ مودعًا جثمانه الطاهر قبل أن يواريه الثري؛ وأنا لا أتخيل أني لن أراه مرة أخرى؛ وبات في معية خالقه؛ الذي ستره فوق الأرض وهو الآن في رحابه تحت الأرض.

مات أبي وترك تاريخًا ناصع البياض؛ واسمًا أتشرف بأني أحمله؛ وسيرة طيبة؛ هي تاج تتزين بها رأسي؛ فقد علمني أن الطريق المستقيم غاية لا يجب الحياد عنها مهما قابلت من تحديات، وأن الرجولة والشهامة أداء تلتزم به كل يوم؛ مضن ومُجهد؛ ولكن لا مناص من أدائه.


وفى النهاية سأظل أشتاق لك يا أبى شوق المغترب لبلاده وشوق العطشان للماء وسأظل أنتظرك حتى تعب الانتظار مني وقد انتهى الأمل وانتهى الصبر فقد قاربت على النهاية فأني أضحك أمام الناس لاستعيد قوتي ولكن غلبني البكاء ونال مني الفراق أبي لا أتحمل فراقك ولا يظل الفراق يلحقني فكل شيء في الحياة يذكرني بك.


أبي سأنتظرك إلى آخر لحظة في حياتي، وسأبكي حتى تجف دموع فقد تورمت خدودي، وقاربت على الجفاف دموعي سأنتظر، وأنتظر وأنتظر رغم أني أعلم أنك لن تعود، ولكن ليس بيدي حيلة فقد أحببتك حباً لا يتصور، ولا يعرف مداه إلا من خلقني فقد اشتقت إلى ضحكتك، وصدرك الحنون، وصوتك، وكل شيء فيك لا يمر يوم بدون أن أتذكرك، وقد ضاق قلبي.