التسويق الشبكي بين التجريم والتحريم
أسهم التطور السريع في عالم الإنترنت في ظهور نوع جديد من جرائم النصب والاحتيال المُحترف وهو ما يُعرف بـالنصب الإلكتروني، والذي يعتبر نوعا من الجريمة المُنظمة، حيث تطور القائمون عليها مهنيا وتقنيا، وأصبحوا تحديا جديدا يواجه الأمن القومي للدول. وتتمثل إشكالية جرائم الإنترنت في قدرتها علي الانتقال بسهولة عبر الحدود دون قيود، فضلا عن اختلاف القوانين بين الدول التي قد تؤدي إلي وجود ثغرات تتسلل عبرها تلك الجرائم، وتكمن خطورة جرائم الإنترنت في أنها جرائم سهلة الارتكاب وصعبة الملاحقة فى نفس الوقت.
انتشر نظام التسويق الشبكى في العديد من دول العالم بسرعة هائلة، لما يتميز به من انخفاض في تكاليفه وقدرته علي توسيع السوق، فضلا عن إنه يُتيح للعملاء الحصول علي احتياجاتهم والاختيار بين منتجات الشركات العالمية، بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية، كما أنه يضم وظائف متنوعة لها مهام مختلفة، وبالتالي يُتيح فرص عمل للشباب.
وكانت بداية نشأته في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا في الخمسينيات من القرن الماضي علي يد كارل ريهنبرج، وتقسم مراحل تطوره إلي، مرحلة النشأة (1945 - 1979)، ومرحلة الانتشار (1979 - 1989)، ومرحلة الشيوع (1990 - 1999). وبعد نجاحه في أمريكا، انتشر في دول شرق آسيا (ماليزيا والفلبين)، وكانت بداية دخوله إلي منطقة الشرق الأوسط والسعودية في عام 2000.
- تجريم نظام التسويق الهرمي:
قامت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الغرب والدول العربية بمنع نشاط التسويق الهرمي، ففي عام 1974 صدر قانون في محاكم أمريكا بمنع الشركات الهرمية قانونيا، وفي عام 1999 تطور القانون الأمريكي المتعلق بقضايا التسويق الهرمي إلي السماح للمحكمة بفرض غرامة تصل إلي 200 ألف دولار أو الحبس لمدة تصل سنة أو (كلا العقوبتين) لأبسط صور جريمة الاحتيال الهرمي، وتصل العقوبة في الحالات الأكثر خطورة إلي السجن لمدة 5 سنوات. وقد تطرق المشرع الغربي إلي مسألة الخلط بين الأنظمة الهرمية غير المشروعة وبين الأنظمة متعددة الطبقات المشروعة، ومن ثم اتخاذ إجراءات أكثر دقة للتفريق بين النوعين.
وفي كندا، تم إضافة جزء جديد إلى قوانين الجرائم خاص بتجريم كل فرد أو مجموعة تقوم بمزاولة نشاط التسويق الهرمي. أما في السعودية، تم منع مزاولة نشاط التسويق الشبكي، حيث اعتبرته وزارة التجارة السعودية أنه نشاط مُضلل ومُحرم دوليا ولا تقوم الوزارة بتسجيله في السجل التجاري لما فيه من تغرير وخداع وأكل لأموال المواطنين. كذلك تم تجريم التعامل بنظام التسويق الشبكي في إيران، لما سببه من حدوث خسائر فادحة في الاقتصاد الإيراني. كما أنه تسبب في انهيار الاقتصاد الألباني (حيث خسر ثلثي الشعب الألباني ما يقرب من 1.2 مليار دولار نتيجة التعامل في هذا النظام)، وحدوث حالات من العصيان المدني، كادت تتحول إلى حرب أهلية لولا تدخل الأمم المتحدة في عام 1997.
- حُكم نظام التسويق الشبكي في القانون المصري:
نظم المُشرع المصري جريمة النصب وحدودها وأفعالها وعقوبتها في المادة (336) من قانون العقوبات المصري والتي تنص علي أن يعاقب بالحبس كل من توصل إلي الاستيلاء علي نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مُخالصة أو أي متاع منقول، وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها، إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي.
إن نشاط التسويق الشبكي أو الهرمي مخالف للقانون رقم (146) لسنة 88 الخاص بشأن تنظيم تلقى الأموال، الذي يكفل وجود شروط مُعينة لمزاولته، حيث يتم مزاولته دون ترخيص. ومخالف للقانون (88) لسنة 2003 الخاص بشأن تنظيم التعامل الأجنبي، حيث أن مزاولته تؤدي إلي الضغط علي حجم المعروض من الدولار في السوق، ويؤثر في تحديد السعر وحركة التداول في السوق السوداء. أيضا مخالف للقانون (80) لسنة 2000 الخاص بمكافحة غسيل الأموال، حيث أن جانب كبير من النشاط يجرى في شكل مشروع، ولكنه يتم من خلال قنوات مصرفية عن طريق تحويلات إلي الخارج، تبدو وأنها مُحصلة من هذا المشروع، ولكن في الحقيقة هو نشاط غير مشروع.
- موقف الشريعة الإسلامية والخبراء من نظام التسويق الشبكي أو الهرمي:
تباينت آراء الخبراء ما بين مؤيد ومُعارض حول مدى جدوى الاعتماد علي التسويق الشبكي، فالبعض يرى أنها عمليات لا جدوى لها لعدم توافر الثقة، حيث إن الربح يقتصر علي فئة معينة فقط، وهم يرون أنه نوع من أنواع الاحتيال الذي يستهدف استنزاف مصادر الدخل الأجنبي. أما البعض الأخر يرى أن التسويق الشبكي هو مستقبل التجارة الإلكترونية في العالم وفرصة هائلة لاستثمار الأموال.
وقد صدرت العديد من الفتاوى الإسلامية بتحريم مزاولة نشاط التسويق الشبكي، لأن في شيوعها إشاعة لثقافة التواكل والبحث عن الربح السريع والابتعاد عن العمل المنتِج، واعتبرته هذه الفتاوى أنه نوعا من أنواع الربا وأكل أموال الناس بالباطل والغش والتدليس، حيث أنه يقوم علي العمولات (ليس بيع منتج). وقد صدرت منذ عدة سنوات فتوى عن دار الإفتاء المصرية تحلل التعامل بنظام التسويق الشبكي، ولكن تم وقف التعامل بهذه الفتوى، وتم إصدار فتوى لاحقة تحرم التعامل بهذا النظام.
- تأثير نظام التسويق الشبكي أو الهرمي على الاقتصاد المصري:
مما لا شك فيه أن انتشار نشاط التسويق الشبكي أو الهرمي (بطريقة غير مشروعة)، يمثل خطرا كبيرا وتحديا حقيقيا أمام الاقتصاد المصري، خاصة في حالة عدم الاستفادة منه كنوع من أنواع التجارة الإلكترونية التي تساهم في زيادة استثمارات الدولة، حيث قد يتسبب في الآتي:
- انخفاض قيمة الجنية نتيجة زيادة الطلب علي العملة الصعبة لتمويل شراء المنتجات التي يتم تسويقها من خلال التسويق الشبكي، وتراجع الاستثمارات الأجنبية في مصر.
- عدم استفادة الدولة من الأموال المستثمرة في هذا النشاط، حيث أنها غير خاضعة للضرائب أو دفع الرسوم.
- الإضرار بالصناعة المصرية، حيث أنه قائم علي تشجيع شراء المنتجات الأجنبية المتواجدة بالفعل في السوق المحلي، وتنافس السوق المصري.
- يؤدى بطريقة غير مباشرة إلي زيادة أعداد المهمشين والفقراء في المجتمع، بسبب تضخم أرباح فئة معينة من المجتمع (من يشتركون في هذا النشاط).