منال لاشين تكتب: إلا الموظفين يا دكتور معيط
تخفيض مكافأة اللجان تفقد الموظف 20% من دخله
لم أفهم معاقبة الموظفين بخصم 30% من بدل اللجان التى لا تزال مستمرة فى عملها
الترشيد مطلوب ولكن الضغط على الموظفين لعبة خطرة
تعليمات الرئيس واضحة فى تحسين أحوال 6 ملايين موظف
لا أخفى انحيازى للموظفين، ولا أتبرأ من انتمائى لعائلة موظفين، على الأقل جيل أبى وأمى، الطبيب يعمل فى مستشفى حكومى أو وزارة الصحة، والمهندس فى وزارة الإسكان أو السد العالى، وهكذا كل الطرق والتخصصات كانت تؤدى فى عائلتى إلى العمل الحكومى، عائلة مثل ملايين العائلات التى رفعت شعار (إن فاتك الميرى اتمرمغ فى ترابه).
فالميرى لم يكن يوفر الأمان الوظيفى والمستقبل المضمون للأولاد فقط، ولكن علاقة الموظف الميرى بالدولة كانت متشعبة ومتعمقة، الميرى يوفر فرصة منح السلف من الراتب أو المعاش، وفرص التقسيط اللائق من كل المحلات، الميرى كان يوفر لأبى ولنا المصيف اللائق بأسعار منخفضة، وبالطبع يوفر العلاج والدواء لأبى ولنا من صندوق الخدمات الصحية بالوزارة التى كان أبى يعمل بها، كان الميرى خيمة تغطينا أو بالأحرى تحمينا، وفى زمان أبى كان الميرى يمنح للمواطن الاحترام، وأعرف أيضا أن الموظفين هم أكثر فئات المجتمع حرصا على عدم الاصطدام بالدولة أو وضع أنفسهم فى مواقف مثيرة للجدل، حتى بعد ثورة 25 يناير لم ينخرط معظم الموظفين فى المظاهرات الفئوية، وانتظروا حتى تقف الدولة على قدميها ليحصلوا على حقوقهم، لم ينقطع الموظفون عن العمل خلال الثورتين وفى أحلك الظروف التى مرت بها مصر، ويمكن اعتبار كتلة موظفى الحكومة البالغة نحو 5.6 مليون كتلة مساندة للدولة والاستقرار، كتلة يمكن الاعتماد عليها فى وقت الشدائد، والموظفون هم قلب الطبقة البيرجوازية التى يلعنها المثقفون والنشطاء لأنها تخاف التغيير، مطالبها بسيطة وإرضاؤها أبسط، الموظفون كتلة لم تلعب معها الحكومة أى ألعاب خطرة، ولكن يبدو أن بعض الوزراء يرغبون فى هذه الألعاب الخطرة بحجة الترشيد ومواجهة كورونا والأزمة الاقتصادية، وهذا اتجاه يجب التراجع عنه لأن مضاره أكثر من كام مليار جنيه ستدخل لخزانة الدولة.
1- قرار مثير
منذ أيام صدر قرار رئيس الحكومة رقم 1763 لسنة 2020، وهو قرار يخص الترشيد فى جهات الحكومة، وقد أعده وزير المالية الدكتور محمد معيط، والقرار يشمل ترشيد انفاق الدولار، وترشيد الإنفاق داخل الجهاز الحكومى، وبعد كلمات حماسية وجمل مؤثرة جدا نصل للقرار الذى يخص أو بالأحرى يؤثر على موظفى الحكومة، القرار خفض 30% من بدل حضور الجلسات أو اللجان التى لا تزال تعمل بكامل كفاءتها، وخفض 50% للجان والجلسات التى توقفت جزئيا أو كليا عن العمل بسبب كورونا لمدة عام، ولمن لا يعمل فإن الراتب الأساسى يمثل نسبة صغيرة من دخل الموظف مقارنة بالمكافآت وبدلات اللجان، ولذلك فإن خفض 50% من هذه الأموال هى كارثة مالية للموظفين سواء استمرت عامًا أو حتى شهر، وخاصة أن مشكلة التوقف الجزئى أو الكلى ليست بسبب كسل الموظفين أو إهمالهم لا سمح الله، ولكن لظروف قهرية خارجة عن إرادتهم، من ناحية أخرى فإن المساوة بين التوقف الجزئى والتوقف الكلى يفتقد إلى قاعدة العدل.
أما قمة الظلم فهو خفض نسبة الـ30% للموظفين الذين يعملون بكامل طاقتهم، فإذا كان العمل مستمرًا بنفس النمط، فلماذا يخسر الموظف 30% من دخل اللجان أو الجلسات؟ هذا السؤال يحتاج إلى بحث معمق من وزير المالية، ويمثل علامة استفهام حول تعامل الحكومة مع كتلة مهمة مساندة للاستقرار وداعمة للدولة.
2- مزايا ناقصة
قبل ذلك القرار اتخذت وزارة المالية عدة قرارات تشمل خفضا متزايدا فى المزايا العينية المقدمة للموظفين، وذلك لخفض إجمالى موازنة الباب الثانى فى الموازنة العامة للدولة، وهو الباب المخصص للمزايا العينية، وقبل أن يتم تعميم نظام التأمين الصحى الجديد، قامت المالية بإجراء تخفيض فى مزايا العلاج للموظفين المصابين بأمراض مزمنة، وقد حدث التخفيض على مرات، قبل مجال الصحة نال التخفيض بل إلغاء المزايا الاجتماعية للموظفين، وهذه المزايا كانت تشمل دعمًا ماليًا من الوزارات والمؤسسات الحكومية للسفر والترفيه والتصييف لأسر الموظفين، وفى ذات الوقت تقريبا شمل التخفيض ميزانية النقل فى الوزارات، فتوقف استبدال سيارات نقل الموظفين وتجديدها وعجزت الموازنة المخفضة عن تحمل تكلفة إصلاح أعطال سيارات النقل، وكان على الموظفين الاختيار ما بين إصلاح العطل على حسابهم أو اللجوء إلى وسائل النقل الخاصة، وكلا الاختيارين مر ومكلف.
3- اختيار خطير
ولاشك أننا نمر بظرف اقتصادى حرج بعد وباء كورونا، ولاشك أننا فى لحظة تتطلب الترشيد وشد الحزام، ولكن رغم هذا وذاك فإن اختيار الترشيد على حساب موظفى الحكومة هو اختيار خطير، وخاصة أن الأزمة انعكست على الموظفين من خلال غلاء الأسعار من ناحية، ومتطلبات مواجهة كورونا من ناحية أخرى، كل موظف أضيفت له فاتورة جديدة من كمامات وكحول وكلور لحماية أسرته، وفى الوقت الذى تخفض المالية من مكافآته، فإن وزارة أخرى وهى التعليم لم تر أن فى وباء كورونا ما يلزم المدارس والجامعات الخاصة بخفض مصروفاتها، ولم تر وزارة الصحة فى الأزمة ما يلزم المستشفيات الخاصة ومعامل التحاليل الخاصة بخفض أسعارها، ولم تر وزارة الصناعة فى وباء كورونا ما يلزم بتحديد سعر للكمامات والمطهرات التى جن جنون أسعارها مع أزمة كورونا، ولذلك أرى أن خفض دخلول الموظفين بسبب وباء كورونا يبدو خطوة فى الاتجاه المعاكس تماما لكل الأسعار التى زادت فى كل المجالات وعلى جميع المستويات.
الأخطر سياسيا أن قرار الترشيد وإجراءات تخفيض المزايا للموظفين يتنافى مع اتجاه رئيس الجمهورية بتحسين أوضاع الموظفين، وهو اتجاه بدأ بتطبيق الحد الأدنى للأجور ثم إصلاح منظومة الرواتب، وإذا كان وزير المالية يبحث عن ترشيد داخل الجهاز الإدارى للدولة (وهو واجبه وعمله) فأنا على أتم الاستعداد لإرشاده على وسائل أكثر فعالية للترشيد وأقل ضررا من الناحية السياسية والاقتصادية، وعلى فكرة أنا لا أشير من بعيد أو قريب لمظاهرات موظفين، ولكننى أذكر الوزير وحكومته بأن الموظف مفتاح مهم فى جذب الاستثمار وسرعة إنجاز الاعمال للمستثمر والمواطن على حد سواء، وإذا أردنا تحقيق التنمية بسرعة وجذب المستثمر فلا يجب على الإطلاق أن نقلل من شأن الموظفين أو ننتقص من حقوقهم، يا دكتور معيط وللمرة الثانية إلا الموظفين، أبعد عن الكتلة الداعمة والمساندة بقراراتك.