مى سمير تكتب: من قلب الأحداث فى ليبيا.. الفجر تحاور رئيس تحرير «بارى ماتش» الفرنسية
رجيس لو سوميه: الأتراك يدعمون الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح
على مدار الشهور الماضية خاض رجيس لو سوميه، رئيس التحرير المشارك لمجلة بارى ماتش الفرنسية الشهيرة، اثنتين من المغامرات المثيرة فى قلب الشرق الأوسط المتقلب، المغامرة الأولى كانت فى قلب أفغانستان أثناء مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، أما المغامرة الثانية فكانت فى بنى غازى بليبيا، التقت جريدة الفجر مع الصحفى الفرنسى المخضرم الذى كشف كواليس رحلته الأخيرة المثيرة بين صفوف المرتزقة السوريين فى ليبيا.
فى محاولة لكشف كواليس الصراع بالوكالة الواقع على حدود مصر الغربية، بدأت رحلة لوسوميه من مدينة الإسكندرية حيث انتقل غربا إلى الحدود الليبية من أجل لقاء عدد من عناصر جيش المشير حفتر وانتقل معهم إلى بنى غازى حيث التقى عددا من المرتزقة السوريين الذين حاربوا لصالح حكومة الوفاق الوطنى بدعم من تركيا وانتهى بهم الأمر فى سجون الجيش الوطنى الليبى فى انتظار المحاكمة، وإلى نص الحوار:
■ ما الصعوبات التى واجهتها خلال رحلتك إلى ليبيا مقارنة برحلتك الأخيرة لأفغانستان؟
- كل رحلة لها تحدياتها الخاصة، فى أفغانستان كان من المقرر إجراء اتصال مع طالبان والتحضير للرحلة إلى أراضيهم، وفى هذه الحالة ولاية وردك فى ليبيا، كان على الانضمام إلى أعضاء جيش المشير خليفة حفتر من مطار الإسكندرية فى مصر، كانت الاتصالات سيئة للغاية، فى مناسبات عديدة، بقينا بدون اتصال، كان الخروج من بنغازى يمثل مشكلة أيضا، لا سيما بسبب أعمال الشغب التى كانت تحدث كل ليلة من أجل الاحتجاج على الظروف المعيشية غير المستقرة وانقطاع التيار الكهربائى والافتقار التام لإعادة إعمار المناطق التى دمرها القتال الذى يعود إلى عام 2017.
■ قابلت عناصر الميليشيات السورية التى نقلت إلى ليبيا، ما انطباعك العام عن المرتزقة؟
- قابلت عدداً من مقاتلى جماعة «جيش النخبة» السورية، قاتل هذا التنظيم الحكومة السورية ثم تنظيم الدولة الإسلامية، لا سيما أثناء استعادة مدينة الباب، إنهم ليسوا جهاديين بالمعنى الدقيق للكلمة، فى ظل سيطرة الأتراك عليهم والذين يقدمون لهم الدعم والتمويل، قاموا بالاندماج فيما يعرف باسم «الجيش الوطنى السورى»، وهو اسم لامع للغاية لأنه يعطى الإيحاء بإمكانية احتلال سوريا وإسقاط حكومة بشار الأسد، وهو الأمر الذى يعد مستحيلاً بمقياس القوة الفعلية على الأرض اليوم، ينتمون إلى مناطق مختلفة مثل حوار كلس أو حلب أو إدلب، وعملوا فى البداية كداعم للأتراك فى غزواتهم شمال سوريا وفى خطتهم لإبعاد السكان الأكراد عن تلك المناطق البعيدة عن الحدود، بهذا المعنى، قبل مغادرتهم للقتال فى ليبيا، كانوا قد شاركوا بالفعل فى شكل من أشكال التطهير العرقى.
■ التقيت عدداً من المرتزقة السوريين وألقيت الضوء على قصص البعض منهم.. حدثنا عن ذلك؟
- الأتراك مترددون فى إرسال رجالهم للموت فى ليبيا، إنهم يفضلون إرسال السوريين العاطلين عن العمل، فى مقابل كل جندى تركى هناك خمسة عشر سورياً، أصغرهم فى العشرين من عمره، ولدوا فى عام صعود بشار الأسد إلى السلطة، التقيت محمد إبراهيم حسن الذى يبلغ من العمر 24 عاما ولديه قصة تستحق الانتباه، ولد فى إدلب، فى قلب آخر محافظة فى البلاد تسيطر عليها المعارضة السورية، وكان صبياً صغيراً عندما دارت الحرب على بابه، فى عام 2013، عندما انتفضت إدلب، انضم إلى صفوف الثوار، وكرس شبابه لمحاربة النظام السورى، فى نهاية عام 2016، أصبح الوضع أكثر تعقيداً حيث سيطرت الجماعة الإرهابية هيئة تحرير الشام، القاعدة سابقا، على المدينة، واضطر محمد إبراهيم إلى الفرار، عارضت مجموعته جيش النخبة «الجهاديين».
ثم غادر إلى الشمال، فى منطقة النفوذ التركى حيث استقبل زيارة فى مارس الماضى من صهره التركمانى من سوريا، الذى عرض عليه هذا العرض: الأتراك يعرضون 2000 دولار للذهاب والقتال فى ليبيا. قال له: « سوف ننضم إليهم، ونأخذ المال، وبمجرد وصولنا، نهرب للوصول إلى إيطاليا من هناك، سننضم إلى أحد أعمامى فى ألمانيا»، الفكرة جذابة ويقبلها محمد فى النهاية، هل لديه حقا خيار؟ ليس لديه وظيفة وإذا عاد إلى منزله فسوف يعتقله الإرهابيون.
قال محمد إن الأتراك وعدوهم بعدم الاضطرار للقتال، فقط حراسة المبانى، يتم تنظيم كل شيء من خلال مجموعة «واتس آب» التى يشارك فيها محمد وصهره، نقطة الاتصال هى بلدة حوار كلس المحاذية للحدود التركية.
كشف محمد أن الأتراك أجبروه على التوقيع على ورقة مكتوبة باللغة التركية، لم يفهمها لأنه لا يتحدث هذه اللغة، كان عليه قضاء ثلاثة أشهر فى ليبيا والحصول على 2000 دولار، بعد عشرة أيام من وصوله طلب أن يودع والدته، فأجابوا: «لا وقت»، ثم أكدوا له أنه على أى حال سيراها مرة أخرى قريبا عندما يعود من ليبيا حيث سيتمكن من الاستقرار فى تركيا مع عائلته، وحتى الحصول على الجنسية، لكنهم بدأوا بمصادرة جوازات سفر المرتزقة السوريين قبل ركوب حافلة متجهة إلى غازى عنتاب المدينة التركية الكبيرة بالقرب من الحدود السورية.
أخذتهم طائرة عسكرية إلى إسطنبول حيث توجهوا فى أوائل أبريل إلى مصراتة فى رحلة تجارية، فى المطار تم استقبالهم بشكل فخم واستمعوا إلى خطاب كبير من ضابط تركى كبير وآخر ليبى.
فى البداية أقام محمد وصهره مع مجموعة من السوريين فى فيلا فخمة فى طرابلس تركها أصحابها وهربوا، قضوا أيامهم وهم يلتقطون الصور وسط الأثاث الفخم، لكن مع الأول من مايو تغير كل شيء، استيقظوا على هجوم من قبل قوات حفتر، فجأة أصبحت الفيلا الجميلة جمرة من النيران المشتعلة، وتساقط المرتزقة السوريين، فى الطابق العلوى، كانت ترقد جثة صهر محمد بين الأنقاض، ومحمد الذى لجأ إلى غرفة فى الطابق الأرضى، اختار الاستسلام.
■ برأيك من الذى يسيطر فعلا على هذه الميليشيات، قطر التى تمول، أم تركيا التى تسيطر عسكريا أم حكومة الوفاق الوطنى بطرابلس؟
- أعتقد أن الجهات التى تسيطر بشكل فعلى على هذه الميليشيات هى قطر وتركيا، لا ينبغى أن ننسى أيضا أن الميليشيات السورية تقاتل أيضا فى معسكر حفتر، تمت مرافقتهم وتدريبهم من قبل الجيش الروسى الخاص فاجنر.
■ ما مصالح تركيا الحقيقية فى دعم حكومة الوفاق الوطنى؟
- تحت ذريعة دعم الحكومة الشرعية الليبية، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، تنتهج تركيا سياسة توسعية فى ليبيا (الإقليمية والطاقة، من أجل ثروة النفط المتنامية)، وقد فتحت حاليا ست جبهات عسكرية: داخل البلاد ضد حزب العمال الكردستانى وداعش، وفى العراق ضد حزب العمال الكردستانى، فى سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية - وحدات حماية الشعب-، وفى البحر الأبيض المتوسط ضد اليونان، وفى القوقاز ضد أرمينيا حيث تساند أذربيجان.
■ بعد قرابة خمس سنوات على تعيينه رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية، أعلن فايز السراج، أنه مستعد لترك منصبه لإفساح المجال أمام مسئول تنفيذى جديد، ما أسباب هذا الإعلان؟
- الضغط على المجتمع الدولى لدعمه، إنها أيضا حلقة أخرى فى المواجهة الدائرة فى الغرب بين السراج وفتحى باشاغا، وزير الداخلية الكاريزمى من مصراتة والمدعوم من تركيا، لقد لعبت ميليشياته دورا حيويا فى الدفاع عن طرابلس، غالبا ما يوصف فتحى باشاغا بأنه راعى مصالح أنقرة فى ليبيا.
■ الصراع فى ليبيا مرتبط بالصراع فى شرق البحر المتوسط، هل تتوقع أن يفرض الاتحاد الأوروبى عقوبات جدية على تركيا فى الأول من أكتوبر؟
- من وجهة نظرى من الصعب توقع صدور عقوبات صارمة من قبل الاتحاد الأوروبى ضد تركيا، مع الأسف بسبب الموقف الألمانى.
■ التعاون بين شركات الطاقة الفرنسية والإيطالية (إينى وتوتال) هل يمكن أن يخلق موقفا موحدا بين الخصمين فى البحر المتوسط؟
- من المحتمل أن يواجه مثل هذا الكارتل التهديد التركى.
جدير بالذكر أن فى عام 2018، عندما بدأت تركيا دبلوماسيتها المتعلقة بالزوارق الحربية قبالة شواطئ قبرص، بدأت إيطاليا فى اللجوء إلى فرنسا للتخفيف من المخاطر فى كل من شرق البحر الأبيض المتوسط ووسط المغرب، فى فبراير 2018، منعت البحرية التركية سفينة إينى من الوصول إلى موقع الحفر المقصود فى المياه القبرصية، مما أجبر الشركة على سحب السفينة، ردا على ذلك، جلبت إينى عملاق الطاقة الفرنسى توتال كشريك فى جميع عملياتها فى قبرص، وفى عام 2018 أيضا، انضمت إينى وتوتال إلى الجزائر عندما شكلت الشركتان تحالفاً مع سوناطراك للحصول على الحقوق الحصرية للتنقيب عن الطاقة قبالة الساحل الجزائرى، خلال نفس الإطار الزمنى، استحوذت توتال على ممتلكات نفطية جديدة كبيرة فى ليبيا دون اعتراض من إينى.
■ يجتمع الليبيون بجنيف فى أكتوبر، تحت قيادة وفد الأمم المتحدة بشأن التوزيع الجديد للسلطات فى ليبيا. كيف ترى مستقبل ليبيا والدور الذى ستلعبه القوى الخارجية بليبيا فى الخطوة التالية؟
- لا أعتقد أننا يجب أن ننتظر أى تقدم أو تحسن فى الوضع بليبيا، نحن للأسف ما زلنا فى المرحلة التى تتحدث فيها الأسلحة.