د. رشا سمير تكتب: الوجوه الغائبة

مقالات الرأي




مما لاشك فيه أن الدول التى ارتقت سلم النهضة والتقدم هى الدول التى اهتمت بالعُنصر البشرى وعملت طويلا على خلق كوادر بشرية تمتلك العقل والعزيمة والمؤهلات لقيادة مرحلة ثانية وثالثة.

لم تكتف تلك الدول فقط بالتركيز على الشباب كعنصر مهم هو خلاصة المستقبل، بل ركزت جهودها أيضا على تقوية الدعائم البشرية الموجودة فى كل الوزارات والمؤسسات والكيانات الوظيفية المختلفة فى مختلف المراحل العمرية ولمدة أعوام طويلة بالرقابة والتدريب حتى أصبح لديهم كفاءات فى كل المجالات.

الوضع عندنا فى الواقع يبدو مختلفًا قليلا أو كثيرا!..

إذا ألقينا نظرة على التغييرات التى تحدث فى كل القطاعات سنجدها مجرد تغييرات فى المسميات والوظائف وتبقى الوجوه!..

وكأن مصر خلت فى كل القطاعات إلا من تلك الوجوه والأسماء المتسلقة الذين باتوا يتنقلون من هذا المقعد إلى ذاك دون أى سبب وجيه لاعتلائهم تلك المناصب ولا غيرها إلا لكونهم قادرين على الاندماج فى تلك الشبكة العنكبوتية من المصالح والتربيطات المتزايدة كل يوم.

من انتخابات النوادى الرياضية والبرلمان والمحليات.. من ترشيحات المجالس والمراكز القومية والجمعيات.. من حركة تنقلات الصحفيين والإعلاميين من هذه القناة إلى تلك، ومن هذه الجريدة إلى ذاك..

تبقى نفس الأسماء والوجوه ونفس الإنجازات غير المرئية!..والسبب؟!.

السبب عدم ظهور كفاءات جديدة، لأن الصف الأول لا يسمح بظهور صف ثان، والحرب دائما على المناصب من أجل التربح والظهور ولا يترك إحداهم بصمة واحدة تسمح له بالبقاء أو بالعودة..لكنه وبكل أسف يستمر ويعود ويصعد لأعلى.

فى الدول المتقدمة يتولى المسئول منصبه واضعا نصب عينيه هدفًآ واحدًا وهو وضع نظام محدد له ضوابات وهيكل وظيفى يتحدد فيه مسئوليات كل فرد فى المنظومة، لا يتخطى فيه الأشخاص حدود أعمالهم، بل يدفعهم المسئول عنهم إلى التطوير من أنفسهم والتعلم ويدعوهم للمُضى قدما حتى يصبح هناك صف ثان وثالث من بعده لقيادة المكان بنفس المعايير.. فالنظام باقى والأشخاص زائلون..

هذه المنظومة لا وجود لها فى مصر!..اللهم إلا فى شركات القطاع الخاص التى باتت هى الأخرى مجال لحروب لا تنتهى، ولكنها على الأقل تنتقى وتظهر الشباب الذين يجاهدون من أجل إرساء قواعدهم المهنية.

لقد وصل بنا الحال إلى أن المدرسة التى يرحل عنها ناظرها تنهار ويفر منها أولياء الأمور، وكأن تلك المؤسسة التعليمية قائمة فقط على شخص وليس على كيان تعليمى.

إنها مأساة حقيقية لم تتداركها الدولة المصرية لأعوام طويلة، حتى أصبح هناك فراغ مؤسسى أدى إلى انهيار فى المنظومة البشرية.. مع العلم أن إعداد صف ثان من القيادات يهدف إلى ضمان استمرار عجلة التنمية..

البطالة بين الشباب والحرب النفسية بينهما على إيجاد وظيفة يتقدم إليها ألف شخص ويتم الاستعانة بالأقل كفاءة لأنه (واسطة) هى حرب أدت إلى فرار جماعى من الشباب للخارج للبحث عن فرصة متكافئة وحقيقية فى مجال العمل.

على الصعيد المماثل وبنفس المعايير استوقفتنى الأسماء التى على وشك خوض الانتخابات البرلمانية القادمة، إنها نفس الوجوه التى جلست تحت قبة البرلمان السابق سنوات دون أن تتفوه بكلمة، ودون أن تطرح استجوابا موضوعيا ودون أن يتذكر الشعب منها أى شىء، لا الأسماء ولا حتى الأشكال!..

فهل انعدمت الوجوه القادرة على إحداث تغيير؟!.

المسئولية هنا هى مسئولية مشتركة وليست فقط مسئولية دولة، لأن كلاً منا مسئول فى مكانه.

نعم..انتخابات مجلس الشعب القادم هى مسئوليتنا جميعا..أرجوكم لا تعطوا أصواتكم لمن لا يستحق، لا من واقع صداقة ولا جدعنة ولا وعود بلهاء..من لم يُقدم وهو خارج البرلمان فى موقع مسئولية، لن يقدم شيئًا وهو تحت القبة وفى يده حصانة.. أولاد الذوات ورجال الأعمال مجرد ألقاب وتوصيف لأشخاص وليس ضمانة للنجاح!..

أما بالنسبة للنائب السابق الذى كان نائما أو فى غفوة مطولة تحت قبة البرلمان السابق، أرجوكم لا تنتخبوه من جديد ودعوه نائما..نوم العوافى إن شاء الله!.