د. نصار عبدالله يكتب: 6 أكتوبر
شاء لى قدرى أن أجند فى القوات المسلحة المصرية فى فترة حاسمة من تاريخها، خدمت فيها شهورا برتبة جندى، ثم سنوات برتبة صف ضابط،وأخيرا خدمت فيها كضابط احتياط، فى الظروف العادية كان من المقرر أن ينتهى تجنيدى فى بداية عام 1969، لكننى بحلول ذلك العام وجدت نفسى على الجبهة أشارك فى حرب الاستنزاف ولا يفصلنى عن العدو سوى مجرى قناة السويس وبعده على الضفة الأخرى سائر ترابى مهول يخفى عن أنظارنا مواقع مدفعية العدو التى كنا نتبادل معها القصف المدفعى بشكل يومى تقريبا، أكثر من مرة شعرت بأن الموت يدنو منى وأن الله أنجانى، وفى تلك الفترة شهدت حرب الاستنزاف عمليات بطولية خارقة استطاعت فيها وحدات من القوات الخاصة أن تتسلق الساتر الترابى تحت حماية قصف مكثف من المدفعية وأن تقتحم بعض الدشم الإسرائيلية المحصنة، وفى أكثر من حالة عادت حاملة معها بعض الأسرى..وقد طالت خدمتى فى القوات المسلحة بأكثر من أربع سنوات زيادة على مدة التجنيد الإلزامى، وتحديدا حتى شهر يوليو عام 1973حين تقرر تسريح دفعتنا وعودتهم إلى أعمالهم المدنية السابقة، وهكذا عدت إلى عملى بإدارة البحوث الاقتصادية بالبنك المركزى المصرى التى كانت توفرلى ميزة لا تتوفر لأغلب المصريين وأعنى بها الصحف الأجنبية التى كانت تصل إلينا بانتظام حيث كان البنك المركزى واحدا من الجهات القليلة التى لا يسرى عليها قرار منع دخول الصحف الأجنبية إلى مصر، وهكذا أتيح لى أن أقرأ فى تلك الصحف المزيد من الأخبار التى كان محظورا إذاعتها فى مصر رغم أن بعضها كان مما يشرف مصر بكل المقاييس ومن بين تلك الأخبار قيام البحرية المصرية بإغراق الغواصة الإسرائيلية داكار التى كانت فى طريقها إلى إسرائيل التى كانت قد دفعت ثمنها بالكامل إلى بريطانيا حيث استلمها وتولى قيادتها طاقم إسرائيلى بقيادة الرائد ياكوف رعنان الذى ظل على اتصال بقيادته الإسرائيلية إلى أن انقطع الاتصال فى نقطة ما من البحر المتوسط، وقد تكتمت إسرائيل على الخبر كما تكتمت عليه مصر، لكن الصحافة البريطانية نشرت التفاصيل !! ومن بين تلك العمليات التى تكتمت عليها مصر فى حينها لكنها عرفت فيما بعد وأصبحت مسلسلاً تليفزيونيا رائعا بفضل المبدع صالح مرسى رحمه الله كانت عملية إغراق الحفار الإسرائيلى كينتن سم الله الرحمن الرحيم، الذى كان توقف فى ساحل العاج وهو فى طريقه من كندا إلى إسرائيل التى كانت قد اشترته للتنقيب عن البترول فى خليج السويس، ولقد تعودت بعد تسريحى من القوات المسلحة أن أقضى جانبا من وقتى فى دار الأدباء أتبادل الحديث مع الأصدقاء من الكتاب والأدباء، وفى يوم 6 أكتوبر 1973كان أحد الموجودين فى الدار ممسكا بجهاز راديو ترانزستور عندما قطع المذيع الإذاعة لكى يقول: هنا القاهرة.. جاءنا الآن البيان التالى من القيادة العامة للقوات المسلحة: قام العدو فى الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم، بمهاجمة قواتنا فى منطقتى الزعفرانة والسخنة فى خليج السويس، بواسطة عدة تشكيلات من قواته الجوية عندما كانت بعض من زوارقه البحرية تقترب من الساحل الغربى من الخليج، وتقوم قواتنا حاليا بالتصدى للقوات المغيرة، بعدها بنحو نصف الساعة عاد المذيع لكى يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ردًا على العدوان الغادر الذى قام به العدو ضد قواتنا فى كل من مصر وسوريا يقوم حاليًا بعض من تشكيلاتنا الجوية بقذف قواعد للعدو وأهدافه العسكرية فى الأراضى المحتلة. ساعتها قلت لمن حولى: أشعر بأن هناك شيئا مختلفا يحدث الآن...قالت فتحية العسال رحمها الله: أهو بيان من البيانات اللى إحنا شبعنا منها!..قلت لها كلا إننى أشعر بأنه شىء مختلف.. فالحديث عن مصر وسوريا فى بيان واحد يعنى أن أمرا جللا يحدث الآن..قالت فتحية : من بقك للسما..ياريت يارب.. عندها غادرت دار الأدباء مسرعا إلى منزلى القريب، وهناك وجدت مفاجأة تنتظرنى..وجدت برقية فى صندوق البريد نصها كالآتى : «قدم نفسك فورا إلى وحدتك»...كانت ملابسى العسكرية لا تزال فى دولاب الملابس فارتديت الأوفرول والقايش والطاقية، وتوجهت فورا إلى وحدتى حيث عرفت الأخبار المبهجة من مصدرها الموثوق على وجه اليقين.