خطة الخداع وساعة الصفر.. كواليس الساعات الأخيرة قبل حرب أكتوبر
"إن التاريخ العسكرى، سوف يتوقف طويلا بالفحص والدرس، أمام عملية يوم السادس من أكتوبر سنة 1973، حين تمكنت القوات المسلحة المصرية، من اقتحام مانع قناة السويس الصعب، واجتياح خط بارليف المنيع، وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقية من القناة، بعد أن أفقدت العدو توازنه فى 6 ساعات".. بتلك الكلمات، صدح الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بعد نصر أكتوبر المجيد، الذى لقنت فيه قوات الجيش المصرى، لعدوها الإسرائيلى، درسا، قالت عنه رئيسة وزراء إسرائيل، جولدا مائير، فى كتابها "حياتى": "ليس أشق على نفسى من الكتابة عن حرب أكتوبر 1973، ولن أكتب عن الحرب من الناحية العسكرية، فهذا أمر أتركه للآخرين، ولكنى سأكتب عنها كارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسى، وسيظل باقيًا معى على الدوام".
خطة الخداع الاستراتيجى
نجح الرئيس محمد أنور السادات، بالتنسيق مع الأجهزة المعنية بالقوات المسلحة، والمخابرات، فى وضع خطة خداع استراتيجى، تم تنفيذها فى الفترة التى سبقت الحرب، من خلال تحركات تهدف إلى تشتيت العدو وتضليله، منها الإعلان أكثر من مرة عن احتمالات شن الحرب، وهو ما دفع إسرائيل إلى الاستعداد واستدعاء القوات الاحتياطية، ليتم تأجيل الحرب، وهكذا اربكت مصر حسابات العدو، وظلت فى خداعه بخطة شملت الجانب الإعلامى والاقتصادى والسياسى، فتارة يتم تسريب معلومات للجانب الإسرائيلى، مفاداها أن مصر ستبدأ إجراء مناورات شاملة وليس حربا فى الفترة من 1 وحتى 7 أكتوبر، وفى يوم 9 أكتوبر سيتم تسجيل الضباط الراغبين فى تأدية مناسك الحج، وكذلك تنظيم دورات رياضية عسكرية مما يتنافى مع فكرة الاستعداد للحرب، والإعلان عن السماح لسائر المصريين بالسفر لتأدية الشعائر نفسها مما جعل إسرائيل تظن أن مصر لن تخوض حربا وأنه لن يحدث أى هجوم من قبل الجيش المصرى على قواتها.
التمهيد للحرب
بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، جاء الرئيس محمد أنور السادات، فى وقت كان سلفه قد قبل مبادرة روجرز، وزير الخارجية الأمريكى، التى تدعو إلى التفاوض بين الجانبين المصرى والإسرائيلى، وانسحاب كل منهما، لفتح ممر قناة السويس، بحسب ما قاله اللواء سمير سرية، أحد أبطال حرب أكتوبر، الذى أكد أن تلك الفترة لم تشهد أى تبادل لإطلاق النار، فيما عرف باسم "الاسترخاء العسكرى"، فأرسل الرئيس السادات مستشاره للأمن القومى حافظ إسماعيل إلى وزوير الخارجية الأمريكى هنرى كسنجر، الذى كان يتواجد وقتها فى العاصمة الفرنسية باريس.
وأوضح اللواء سمير سرية، أن مبعوث الرئيس السادات نقل إلى وزير الخارجية الأمريكى، طلبه فى تحريك مبادرة روجرز، فرد كسنجر بأن المهزوم لا يطلب، ونحن لا نتحرك إلا فى المناطق الساخنة، وأنتم لديكم استرخاء عسكرى، ومن هنا بدأ الرئيس السادات يمهد لحرب اكتوبر 1973.
ساعة الصفر
وعن كواليس الساعات الأخيرة للحرب، وساعة الصفر، قال سرية، بدأ السادات يتفق مع سوريا على خوض الحرب مع بعض، ولم يكن أحد يعلم موعد الحرب سوى مصر وسوريا، حتى إن السادات حينما توجه للقاء ملك السعودية يخبره بخوضهم الحرب، وسؤاله عما إذا كانت المملكة ستساند مصر، فرد عليه الملك بأن السعودية بالفعل ستدعم مصر، وستقف بجانبها، دون أن يخبر السادات ملك السعودية بموعد الحرب الذى ظل سريا.
وقال سرية: "كنت فى اللواء 15 مدرع مستقل، الذى يدعم الفرقة 18 مشاة ميكانيكى، التى حاربت فى قطاع القنطرة، واستدعانى قائدى العقيد أركان حرب تحسين شنن، فى الساعة السابعة صباحا، وطلب منى الذهاب إلى قيادة الجيش للحصول على تعليمات، وبالفعل حصلت على ظرف مغلق لا يفتح إلا بمعرفة قائد اللواء، وعندما سلمته إليه، وفتحه، قال لنا استبشروا ساعة س الساعة 2 ظهرا".
وتابع سرية: "شعرنا بسعادة غامرة، وحماس شديد، وكانت الحرب اسمها حرب أسلحة مشتركة، أى أنها حرب تشترك فيها كل الأسلحة المصرية، من قوات برية وبحرية وجوية ودافع جوى، بتنسيق كامل متكامل، وبخطة محكمة، كل فى توقيته، فبدأ الطيران فى تمام الساعة 2 فى ضرب 56 هدفا فى عمق سيناء، وشارك فى الضربة 220 طائرة مصرية، حققت أهدافها بضرب مطارات واحتياطات العدو، وعادت بخسائر بسيطة جدا تقدر بـ2.5%، وبعد انتهاء الطيران من مهمته فى 53 دقيقة، بدأ 1500 مدفع، فى عمل تمهيد نيرانى متتالى على خط بارليف، ثم حملت قوات المشاة 750 قارب مطاطى ونزلت إلى قناة السويس، قبل أن تفرغ المدفعية من ضرباتها، وقبل ذلك بيوم استطاعت أفراد من قوات الصاعقة عبور قناة السويس سباحة، والوصول إلى مخازن النابالم وتعطيلها".
خداع الجنود
أما الجندى البطل محمد العباسى، فروى كواليس الساعات الأخيرة التى سبقت الحرب، فقال إنهم كانوا ينتظرون يوم العبور لتدمير خط بارليف الذى قالوا عنه إنه لا يقهر، موضحا أنه فى يوم الجمعة، أى قبل المعركة بيوم واحد، جمعهم قائدهم عقب صلاة الجمعة التى القى خطبتها فرد من التوجيه المعنوى، ليقص عليهم كرامات ومنزلة الشهيد، وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمرهم القائد بالإفطار فى اليوم التالى دون الصيام، لأنهم سيخوضون معركة، لكن عليهم أن يبقوا تلك المعلومات سرية حتى لا تصل إلى العدو.
وأكد العباسى أنه ضمن خطة الخداع التى مارسها الجنود المصريون، بدأ بعضهم فى غسيل الملابس، بينما يقوم آخرون بلعب الكرة، على الرغم من علمهم بخوض المعركة، حيث تم تقسيمهم إلى مجموعات، وتكليفهم بأن تتولى كل مجموعة السيطرة على دشمة من الدشم الحصينة للعدو، البالغ عددها حوالى 33 دشمة ممتدة من السويس إلى بورسعيد، لافتا إلى أن القائد أكد لهم أن توقيت القتال بالنسبة لهم كان الساعة 2 ظهرا، لأنه بعد 5 دقائق ستقوم المدفعية الثقيلة بضرب أهداف العدو، ثم بعد 5 دقائق أخرى سيتولى سلاح الجو العبور، ثم بعد ذلك ستكون هناك ضربة ثانية للمدفعية، وفى هذا التوقيت سيكون المشاة والمهندسين يحملون القوارب لعبور قناة السويس.
وتابع العباسى أن قائدهم قسمهم إلى 3 مجموعات، بحيث تعبر الأولى ثم الثانية، للاشتباك، ولا بد أن تقضى المجموعة الثالثة على العدو، مشيرا إلى أنهم كانوا يحملون أرواحهم على كفوفهم، منتظرين الشهادة، لكن بعد قتال العدو والثأر منهم.
وأشار البطل العباسى إلى أنه كان ضمن أفراد المجموعة الأولى، منوها بأنهم كانوا يتسابقون على حمل العلم، لكن القائد أخبرهم بأنه يجب عليهم العمل أولا ثم يأتى رفع العلم بعد العمل، وبالفعل كتب كل منهم وصيته ووضعها فى طيات ملابسه قبل الحرب، وبعد العبور، تهلل الجنود فرحا بما قدموه، وابتهاجا بسيطرتهم على النقاط الحصينة، فصدر له الأمر من قائده برفع علم مصر.
كواليس ما قبل الحرب فى إسرائيل
أما رئيسة وزراء إسرائيل، جولدا مائير، التى كانت خارج إسرائيل، وعادت فى يوم 4 أكتبر، لتعقد اجتماعا مع قيادات من الحكومة والجيش، فى منزلها، لمناقشة معلومات كانت قد وصلتها قبل الحرب بـ5 أشهر، عن قيام مصر وسوريا بتعزيز تواجد قواتها على الحدود، وقالت إن الرأى الذى التف حوله الجميع يقضى بأن الموقف العسكرى يتلخص فى أن إسرائيل لا تواجه خطر هجوم مصرى - سورى، أما القوات المصرية المحتشدة فى الجنوب، فلا يتعدى دورها القيام بالمناورات المعتادة، لذلك لا حاجة لاستدعاء الاحتياطى من القوات الإسرائيلية، ولم يفكر أحد فى أن الحرب وشيكة الوقوع.
وأكدت جولدا مائير أنها تلقت معلومات صباح يوم السبت، السادس من أكتوبر 1973، تفيد بأن المصريين والسوريين سوف يشنون هجومًا مشتركًا فى وقت متأخر بعد ظهر نفس اليوم، فعقدت اجتماعا، لكن إسرائيل لم تستطع تعبئة جنودها بسرعة.