دياب فتحي دياب يكتب: فن إدارة الأزمات
الأزمة هي لحظة حادة مؤلمة محيرة في ظل نقص المعلومات وقصور المعرفة، وإدارة الأزمة عبارة عن عملية إدارية تهتم بالتنبؤ بالأزمات، ورصد المتغيرات، وتعبئة الموارد والإمكانات؛ للتعامل مع الأزمات بكفاءة في أسرع وقت وبأقل تكلفة، وبناء على هذا فمفهوم فن إدارة الأزمة هو فن إدارة السيطرة، ورفع قدرة وكفاءة صنع القرارعلى المستوى الفردي والجماعي.
لقد وضع أرباب الفكر الغربي طرق وخطوات فن إدارة الأزمات لكننا سننحيها جانبا ؛ لأنها في مجملها مستقاة من هدي سيد السادات ومفجر الطاقات محمد – صلى الله عليه وسلم - وسيقتصر حديثنا على هديه فحق علينا أن نفخر بنبينا متمثلين قول الشاعر:
ومما زادني شرفا وعزا... وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي... وأن صيرت أحمد لي نبيا
والحق ما شهدت به الأعداء، مايكل هارت صاحب كتاب "الخالدون مائة أعظمهم محمد" يقول عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – إنه الرجل الوحيد الذي استطاع أن يتميز على المستوى الديني والدنيوي.
جون أدير صاحب كتاب "قيادة محمد" يقول عن نبينا – صلى الله عليه وسلم - إنه أول من أرسى وأسس قواعد علم التواصل الإنساني والتنمية البشرية وعلوم الإدارة والقيادة، كل هذا وهو من أبناء الصحراء والبادية.
ونستطيع أن نجمل خطوات وطرق إدارة الأزمات الفردية والجماعية عند نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – في النقاط التسع التالية:
1 – اليقين بأن دوام الحال من المحال: فكم من محن رفعت، وكم من عقد فكت بإذن الله، قال تعالى:"وتلك الأيام نداولها بين الناس" (آل عمران 140) فالمريض سيشفى، والمظلوم سينصره الله، ولننظر إلى هدوء نبينا – صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد برده في ظل الكعبة عندما قال له الخباب: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا ؟ فيجيب النبي – صلى الله عليه وسلم – "كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض حفرة، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق نصفين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون".
2 – العمل على بث الأمل في النفوس مهما اشتدت الأزمات: في غزوة الأحزاب عند حفر الخندق يعطينا النبي – صلى الله عليه وسلم – درسا عظيما في رفع المعنويات وبث الأمل، فلما اعترضتهم صخرة عظيمة أخذ النبي المعول فقال "باسم الله" فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر وقال "الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا"، ثم قال "باسم الله" وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر وقال "الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر المدائن من مكاني هذا"، ثم قال "باسم الله" وضرب ضربة فقلع بقية الحجروقال "الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا" فهاهو نبينا يبث الأمل في النفوس ويقول ذلك وهم في حال عصيبة وصفها الله بقوله:"إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الطنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا" (الأحزاب 10-11).
3 – الدعاء في أوقات الشدة والرخاء: قال تعالى "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله"(آل عمران 139-140) ونتعلم من نبينا كيفية استخدام سلاح الدعاء في غزوة بدر، فهاهو يتضرع إلى الله رافعا يديه إلى السماء ويقول:"اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلن تعبد في الأرض" حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده أبو بكر وقال "يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك" فأنزل الله:"إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين" (الأنفال 9) فأمده الله بالملائكة.
4 – تطييب الخواطر وجمع الكلمة والمعالجة السريعة للنفوس: قال تعالى "ولا تنازعوا فتفشلوا" (الأنفال 46) أول ما قام به النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم هاجر إلى المدينة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وعقد معاهدة المدينة التى تحفظ للجميع الحق في المواطنة والحرية والمعارضة.
في يوم حنين وقف نبينا موقفا رائعا يطيب فيه خواطر الأنصار ويعالج نفوسهم بعدما وجد بعضهم على النبي أنه أعطى غيرهم من الغنائم أكثر منهم، فخطب فيهم:"يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي" كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن. فقال لهم:"ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله ؟ لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا، يا معشر الأنصار، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون أنتم برسول الله ؟ لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولوسلك الناس شعبا وواديا لسلكت شعب الأنصار وواديها".
5 – الإفادة من تجارب الآخرين في التعامل مع الأزمات: يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها" لقد استعان النبي – صلى الله عليه وسلم – بخبرة عبدالله بن أريقط بالطرق في حادثة الهجرة، وأفاد ليلة المعراج من خبرة نبي الله موسى – عليه السلام – عندما طلب من ربه التخفيف في فريضة الصلاة حتى صارت خمسا.
وأخذ النبي – صلى الله عليه وسلم – برأي سلمان الفارسي في حفر الخندق وهذا درس لاحترام القيادة للأفكار الجديدة وقت الأزمات ويسمى هذا في العلوم الإدارية بمبدأ "المبادأة والابتكار" وقد أخذ النبي بفكرة الخندق رغم كونها وسيلة لمجوس يعبدون النار.
6 – التربية على الصبر والثبات وقت الأزمات: قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" (آل عمران 200) فالفلاح مشروط بالصبر والمرابطة والتقوى. ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – "ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر".
7 – البحث عن بدائل وفرص جديدة: في كثير من الأوقات نكون بحاجة ماسة إلى التفكير خارج الصندوق، وتغيير استراتيجية أو (تكتيك) التعامل مع الأزمات.
لما تأزمت الأمور بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في المرحلة المكية بحث فرصة جديدة وفكر خارج الصندوق، فتوجه نحو الطائف، وأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وعقد بيعتي العقبة.
اشتدت الأزمة برسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم الأحزاب وأراد أن يعرف أخبار العدو، فأرسل حذيفة بن اليمان ؛ ليتحسس أخبار المشركين، وكان "استخدام العيون" وسيلة جديدة للتعامل مع العدو.
8 – العمل على الإصلاح والتغيير إلى آخر لحظة في العمر: يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".
9 – التعاون المشترك بين جميع أفراد المجتمع: وهو مايسمى حديثا في علوم الإدارة بالقيادة التشاركية، وقد ضرب النبي – صلى الله عليه وسلم – أروع الأمثلة في هذا الأمر عندما حمل الأحجار يوم بناء المسجد النبوي وعندما حمل فأسه الشريف يوم حفر الخندق، ولعلنا نذكر مقولته الخالدة لأصحابه " وأنا علي بجمع الحطب" فهذا منهجه القويم الذي أقام أمة بالعقيدة والحب والنظام والانضباط والعمل الجماعي الموحد. والله الكريم نسأل أن يعيد مجد أمتنا.