منال لاشين تكتب: أزمة التصالح مستمرة
البنوك هى مفتاح الحل الشامل بالتمويل العقارى
بعيدا عن أكاذيب الإخوان
2 مليون مواطن يبحثون عن حل للتمويل
تجربة الهند وهولندا وإيطاليا فى مواجهة الجريمة المجتمعية
الهدم للحفاظ على حرم النيل ضرورة
لكل مجتمع مخزن الثروة الخاص به.. إنه الاستثمار الذى يسرى فى دم المواطن وينتقل من الجد إلى الأب إلى الحفيد، علامة الثراء والنعمة التى شملت المواطن، ولاشك أن الأرض أو بالأحرى البيت التمليك هو مخزن الثروة وعلامة الفخر لدى المصريين جميعًا، لاحظ مثلا هرولة المغتربين من بحرى أو الصعيد لبناء بيت بالطوب الأحمر على الأرض الزراعية أو على السكة فور العودة من تغريبة العمل.
لاحظ أيضا كم الشقق المغلقة والتى تقدر احيانا بـ12 مليون وحدة مغلقة، وهذه ثروة تتجاوز عشرات المليارات من الجنيهات وربما مئات، وعلى الرغم من مرور أصحابها بأزمات، وعلى الرغم من عدم الحاجة لهذه الشقق، رغم هذا وذاك فالكل يستمسك بالشقق تحت شعار «الشقة لا بتاكل ولا بتشرب»، عُدْ بذاكرتك أيضا إلى المقولة التى نتناقلها عبر الأجيال «الحمد لله على الحيطان اللى سترانا» هذا مجتمع مدمن للعقار والشقق والأراضى، ويؤمن بأن الستر هو جدران بيت، والعزة هى امتلاك هذا البيت.ولكننا بالطبع لسنا المدمنون للعقار، وبالمثل لسنا الشعب الوحيد الذى أدمن جريمة ما، فكل شعب له شغفه وإدمانه، وهناك دول عديدة تورط المجتمع فيها فى جرائم متعددة منها العقارى ومنها المالى، وعندما يكون التطور فى الجريمة جماعيا ويشمل ملايين الأسر فى المجتمع، فإن الحل بالتأكيد يجب أن يكون فكرة خارج الصندوق، فكرة غير تقليدية تضم حلا جذريا للمشكلة، وهذه الشروط تنطبق تماما على ملف التعديات على الأراضى فى مصر، وهو الملف الذى صكت له الصحافة لقب «ملف التصالح» فلدينا أربعة ملايين حالة تعد، تقدم منها مليون حالة لطلب التصالح، وهناك أكثر من 2 مليونا حالة أو بالأحرى أسرة لاتزال تبحث عن حلول، ولهذا فنحن أمام جريمة تورط فيها الملايين من الشعب وجريمة متعمقة فى جذور الشعب.
1- تجارب رائدة
فى بعض الدول تمسك الجريمة بملايين المواطنين، حتى يصبح الخطأ متسيدا وشرسا ومتعمقا وممتدا، والأخطر من ذلك أن مثل هذه الجرائم مع انتشارها بين المواطنين وطول تواجدها فى المجتمع تتحصن إلى حد كبير، وتفقد الجريمة معناها ولا تصبح مداعاة للخجل أو تأنيب الضمير أو الخوف من الملاحقة، فى بعض الدول الأوروبية مثل هولندا أو إيطاليا فى مراحل مختلفة من التهرب الضريبى، كان معظم الشعب متطورا فى عمليات تهرب ضريبى، أثرياء وطبقة متوسطة، رجال المافيا أو رجال البنوك، كانت موارد الدولة تتدهور عاما بعد عام، وبالتالى تتدهور الخدمات، والظاهرة فى تزايد كأن مغناطيس التهرب الضريبى يجذب مواطنين جددًا كل عام، ولهذا لم يكن من المتوقع أو المنطقى أن تطبق هذه الدول القوانين الطبيعية فى مواجهة جريمة تورط فيها معظم أفراد الشعب، ولا يمكن أن تتعامل الحكومة بالتقسيط مع هذا الورم السرطانى، ولذلك كان الحل جذريًا وهو حملة لمرة واحدة للتصالح على أسس جديدة بقانون جديد، أسس تضمن اقتلاع الورم السرطانى من جذوره للأبد، وذلك دون أن يضغط على قدرة المواطنين على تنفيذ القانون، ونموذج هولندا وايطاليا كان التصالح النهائى لمرة واحدة، مع تقديم تسهيلات كبرى فى السداد، ففضلا على التقسيط المريح، فإن الدولة تخلت عن غرامات التأخير ونصف الفوائد المفروضة على الضرائب المتأخرة حتى تجذب المواطنين للسداد، أو بالأحرى تدخل المواطن فى دائرة القانون.
ومن بين التجارب المهمة فى نزع فتيل الجريمة انتشرت وتأصلت فى جذور المجتمع وهى تجربة الهند فى غسيل الأموال وتخزين الأموال خارج المؤسسات الرسمية وهى البنوك، لم تعد هذه الجريمة محصورة فى فئة واحدة أو على محيط ضيق يضم مهتمين قليلين، كان الأمر أو بالأحرى المواجهة يحتاج إلى حل جذرى وغير تقليدى لأن المواجهة متسعة ومتشعبة، كان الحل هو قنبلة من العيار الثقيل، قرار مفاجئ وصادم بتغيير العملة الهندية، ولذلك على جميع المواطنين فتح حسابات فى البنوك وتسليم العملات التى ستلغى، واستبدالها بالعملة الجديدة، على بلاطة إجبار الجميع على الكشف عن أموالهم المخبأة أو بالأحرى المهربة، وقد خاضت مصر هذه التجربة بعد ثورة يوليو حيث تم تغيير العملة، فاضطر الجميع للكشف عن أموالهم، وإلا ستصبح مجرد أوراق لا قيمة لها، وفى الهند تم إدخال الأموال المهربة أو على الأقل معظمها إلى داخل النظام المصرفى وتحت سيطرة القانون.
2- الحالة المصرية
فى ظل هذه التجارب وغيرها يمكن أن نرى أزمة التصالح من منظور جديد، منظور يجمع ما بين استعادة حق الدولة والمجتمع من ناحية، وضمان عدم تعجيز المواطن عن الحل أو مخالفة القانون، لأن الحق القانونى والأخلاقى للدولة والمجتمع فى تغريم المخالفين حق دستورى وثابت ولا جدال فيه، وإنهاء ملف سرقة ونهب أراضى الدولة والبناء المخالف هو فرض عين على الحكومة، ولا نزاع فى حق الدولة فى فرض غرامات وعقوبات على المخالفين دون تفرقة أو تقصير، ولكن التشعب الشديد للمشكلة أو الأزمة كان ولا يزال يتوجب حلولا غير تقليدية، وعلى الرغم من الحلول أو بالأحرى التسهيلات الكثيرة التى قدمتها الحكومة فى منتصف الطريق للمواطنين المخالفين، وعلى الرغم من وقف هدم المنازل رغم هذا وذاك فإن الحكومة لم تتوصل بعد إلى الحل الجذرى غير التقليدى الذى كان يجمع حق الدولة وراحة المواطن معا، فالتسهيلات التى قدمتها الحكومة فى منتصف الطريق كبدت الدولة مليارات من الجنيهات كان حقا لها، فقد وصلنا بالغرامات إلى حد اقصى فى الريف إلى 50 جنيهًا للمتر، وتبارى المحافظون فى مزاد التخفيضات بعد أن كانت المباراة حامية الوطيس بينهم على جمع أكبر الأموال من المواطنين، وكلا الحالتين هى خطأ أو بالأحرى خطيئة من الحكومة، فليس من المطلوب سلخ المواطن بالغرامات، ولا التهاون فى حق الدولة تحت ضغط الرفض أو العجز عن السداد.
3- الحل السحرى
ولذلك فإن التعامل مع حملة الإزالات أو ملف التصالح كان يجب أن يكون من خلال حل مختلف وغير تقليدى، وقبل أن أدخل فى تفاصيل هذا الحل، يجب أن أوضح أننى أقف تماما مؤيدة مع حق الدولة فى إزالة التعديات وفرض القانون وانهاء الاستهانة بالأرض الزراعية أو نهب أراضى الدولة، وأننى أرى أن دخول الحكومة أو الدولة فى عش الدبابير يحسب لها لا عليها، وأننا لن ننجو من التخلف إلا بالقضاء على كل أنواع وأشكال العشوائية والجريمة فى المجتمع، ولكن الدخول فى عش الدبابير يستلزم ألا يصاب كل من القبول الشعبى للقرار أو المواطن بطعنات وجروح يصعب شفاؤها، واعتقد أننا لا نزال قادرين على تقديم حلول غير تقليدية لمواجهة توابع وآثار ملف التصالح، يتطلب أحد هذه الحلول مجرد اجتماع للمجلس التنسيقى بين الحكومة والبنك المركزى، ومن خلال هذا الاجتماع يمكن دراسة ضم غرامات التصالح تحت مظلة التمويل العقارى الذى تقدمه البنوك للمواطنين، وقد خصص محافظ البنك المركزى طارق عامر بحسب تصريحاته 50 مليار جنيه للتمويل العقارى، ويخصص نسبة مهمة من هذه المليارات إلى الشباب والطبقة المتوسطة، وذلك من خلال فوائد منخفضة وغير مركبة حتى تقل تكلفة شراء الشقة، ويمنح التمويل العقارى فى حالتين أولهما شراء شقة والأخرى إصلاح أو ترميم أو تشطيب الشقة، وفى كلا الحالتين فإن الشقة هى الضمان الوحيد للقرض، وخلال الاجتماع يتم بحث ثم إقرار ضم الغرامات إلى الحصول على القروض العقارية بذات الشروط والضوابط، فصاحب الشقة المخالفة التى تنتمى إلى حدود الطبقة المتوسطة مثل مساحة الشقة وسعرها يحصل على قرض لتمويل الغرامات على سنوات طويلة وبنفس التسهيلات وبضمان الشقة، وإذا كانت مساحة الشقة كبيرة أو بالأحرى فيلا، يتم حساب الفائدة بنسبة أكبر وايضا بضمان الفيلا، وهذا الحل البسيط والمتاح يوفر للمواطن وسيلة دفع الغرامة وتنفيذ القانون من ناحية، ويضمن للدولة أن تحصل الغرامات الكاملة والحقيقية عن المخالفات، فلا يجب أن ننسى أن هذه الأموال سيعاد استخدامها فى مشروعات تفيد المواطن، وفى حالة الاستفادة من مبادرة التمويل العقارى فإن النسبة الأكبر من المخالفين سيتمكنون من تسديد الغرامات كاملة للحكومة من خلال قرض البنك، وبعد ذلك يتم تسديد الأقساط للبنك على سنوات قد تصل إلى عشرين عاما، ولذلك سيكون مبلغ القسط فى متناول معظم المخالفين.
يتبقى نوعان آخران من المخالفين، المخالف من محدودى الدخل، وفى هذه الحالة فإن إعفاءه من 90% من قيمة المخالفة هو واجب الدولة وليس الجمعيات الخيرية أو الأحزاب أو رجال الأعمال، ولكنه مسئولية الحكومة، أما النوع الآخر من المخالفين فهم المخالفون الذين يجب هدم منازلهم المخالفة، ومرة أخرى لست ضد هدم المنازل والمساجد المخالفة، ولكن فى حالة هدم المنزل لحماية حرم النيل أو الميادين، فإن الهدم يجب أن يسبقه دراسة اجتماعية جادة ودقيقة وعادلة للمواطن صاحب المخالفة، إذا كان من محدودى الدخل فيجب أن تمنحه الدولة شقة، وذلك قبل الإقدام على هدم المنزل، أما إذا كان المخالف ثريا أو لديه منزل آخر فلا يتم تعويضه، وبطريقة أخرى يضرب دماغه فى الحيط قبل ما يتهد على رأسه.
وجملة أخيرة.. ما اكتبه ليس له أدنى علاقة أو تقاطع مع أكاذيب الإخوان أو محاولات الشحن، لأننى لا أعانى من عقدة الإخوان، نحن أمام أزمة مصرية نبحث لها عن حلول تحقق الأهداف المروجة سواء كذب الإخوان أو سرقوا، لأنهم لا مسلمين ولا إخوان.