منال لاشين تكتب: 50 عامًا على رحيل الجسد (1) | الزعيم.. والإخوان الخونة
إخوانى لعبد الناصر: «تركت تنظيمكم علشان لا تملكون فلوس»
الإخوان تحالفوا مع الإنجليز ليعود الاحتلال مقابل المشاركة فى الحكم
مشروع جمال الاجتماعى قضى على نفوذهم
ذكرى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر هذا العام مختلفة عما سواها من السنوات السابقة، ليس لانها الذكرى الخمسون لرحيله فقط، بل لأن المشهد العربى والمصرى يمران بلحظات فارقة ومتقاطعة مع مشروع جمال عبدالناصر الوطنى اجتماعيا وسياسيا، ولاشك أن غياب الاحتفال الرسمى بالذكرى الخمسين عوضه الهجوم البشع والمكثف والمركز للإخوان على جمال عبد الناصر، فتنبه الدانى والقاصى الشباب والكهول إلى ذكراه وأعماله، وتساءل الكثيرون عن حق عن السر، لماذا يخشى الإخوان من ذكرى رجل رحل عن عالمنا منذ نصف قرن؟ لماذا تركز مدفعية الإخوان على تشويه ذكرى رجل لم يعد قادرا على إيذائهم أو البطش بهم؟ أم إن الإخوان يدركون أكثر من غيرهم خطورة ذكرى الرجل، وأنه لايزال حاضرا رغم الغياب، بل إن غيابه يفضح حضورهم الفج المذل القذر، لاشك أن تاريخ عبد الناصر مع الإخوان لايزال يطاردهم حتى اليوم ويوصمهم بالخيانة قبل أكثر من 60 عاما، ويؤكد الإخوان ويكررون خطاياهم بلا تغيير أو تجديد، وبالطبع دون خجل أو إحساس بالوطن أو المواطن.
1- مواجهة الضباط الأحرار
بدأت أولى مواجهات عبد الناصر مع الإخوان فى مرحلة تنظيم الضباط الأحرار، وقبل قيام ثورة 23 يوليو، كان المجلس يضم أعضاء من اليسار وعضوًا من الإخوان هو عبد المنعم عبد الرؤوف، وقد بدأت انتماءات الأعضاء تؤثر أو بالأحرى تتقاطع مع أهداف الضباط الأحرار، فكان قرار تنظيم الضباط الأحرار أن يترك الحرية لاعضائه إما أن يتركوا الجمعيات التى ينتمون إليها أو يغادورا التنظيم، واختار اليساريون الاستمرار مع الضباط الأحرار، أما عضو الإخوان فاختار العودة للجماعة، وسأله عبد الناصر عن سر اختياره للجماعة، فأجاب: لو ضبط التنظيم لم أجد من ينفق على أولادى أما لو بقيت فى الجماعة وقبض علىّ، فينفق الإخوان على أولادى، فابتسم عبد الناصر ورد: لو مت من أجل بلدى فاترك أولادى وديعة عند ربى،
ورغم خروج العضو الإخوانى فإن الجماعة أمسكت العصا من الوسط كعادتهم دوما، فلم يقطعوا علاقتهم بالتنظيم أو عبد الناصر، فإذا فشلت الثورة نجوا من العواقب والإعدام، وإذا نجحت الثورة استفادوا منها.
وبالفعل ما إن نجحت ثورة يوليو ورحل الملك وانهار النظام القديم حتى سارعت الجماعة تعرض على الضباط الاحرار الدعم والمساعدة، وهكذا نجت الجماعة من الحل الذى طال كل الأحزاب.
2- خيانة متوقعة
ولكن الإخوان استعجلوا الفوز بنتائج نجاح الثورة، وتصورا أنهم قادرون على تهديد عبد الناصر والثورة باعضائهم وخلاياهم السرية، وسرعان ما حاولت الجماعة فرض نفسها على الثورة وركوب الموجة، فطالبوا عبد الناصر بتطبيق الشرعية وإلزام النساء بالحجاب وفرض التعليم الدينى، فرفض عبد الناصر كل مطالبهم.
وعلم الإخوان أن عبد الناصر لم يخضع لشروطهم خاصة أنه حقق أول خطوة فى شعبيته بقانون الإصلاح الزراعى وتوزيع الأراضى على الفلاحين المعدمين، وانتظر الإخوان فرصة للقضاء على الثورة حتى لو كانت النتيجة عودة الاحتلال الإنجليزى لمصر، وجاءت الفرصة بأزمة مارس 54 أو الخلاف بين مجلس قيادة الثورة والرئيس الأول لمصر محمد نجيب، تصور الإخوان أن الوقت ملائم لتحقيق أهدافهم على حساب مصر كلها، بدأ الإخوان الاتصالات السرية بالبريطانيين ليساعدوهم على العودة لمصر مقابل مساندة نجيب والإطاحة بجمال عبد الناصر، ولذلك لا يصيبنى الدهشة إطلاقا فى لجوء أحفاد الإخوان الآن إلى قطر أو تركيا، فقد سبق أن خانوا الوطن ومدوا يد التحالف مع الاحتلال البريطانى، وكانت الاتصالات السرية بين الإخوان وبريطانيا سابقة على قيام الثورة، ولعل ذلك يفسر وقوف بريطانيا ضد قرار مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان والضبط على بعض قيادتها فى 26 يناير من عام 54، فالإنجليز كانوا على ثقة أن الجماعة حليف تاريخى لهم، وأنهم جاهزون كطابور خامس يخون بلده من داخلها، وقد وثقت الدكتورة هدى عبد الناصر اتصالات الإخوان السرية مع إنجلترا فى أزمة مارس 54، واستعدادهم لمساندة الاحتلال للحصول على مكاسب للإنجليز على حساب الاستقلال، ونشرت هذه الوثائق فى كتابها الرابع من أوراق ووثائق الزعيم.
وعندما فشلت خطتهم القذرة قرروا التخلص من العدو الأكبر بالاغتيال المباشر، فكانت محاولة اغتيال عبد الناصر فى أكتوبر 54 بالمنشية بالإسكندرية.
3- تهديد من القبر
وعلى الرغم من مرور السنوات والرؤساء والأنظمة على مصر والوطن العربى، إلا أن الإخوان ما زالوا يشعرون بالتهديد من ذكرى الرجل، ويحسبون ألف حساب لذكراه، الإخوان لم ولن ينسوا أن عبد الناصر هو الزعيم الوحيد الذى هزم شعبيتهم، وجردهم من ادعاءات السيطرة على الشارع المصرى، قد خاض الزعيم عبد الناصر معركة مع الإخوان علنا، فانحاز له الشعب، ولذلك يدرك الإخوان أن عبد الناصر لا يزال أكبر تهديد لهم حتى وهو فى القبر، لأن مشروع عبد الناصر الاجتماعى كان مفتاح تفتيت قوة الإخوان، لم يجد الإخوان مكانا فى هذا المشروع، فتح عبد الناصر بابا للتعليم الجامعى والصعود الاجتماعى أمام الملايين من الشعب المصرى، كان مشروعه يضمن أن تصبح الدولة هى السند للمواطن الفقير والمريض والمحتاج، فلم يعد للإخوان سوق لخداع المصريين، وذلك من خلال عيادات المساجد والمرتبات الشهرية للانفاق على الطلبة الفقراء، كان للشباب فى مشروع عبد الناصر مكان بارز، معسكرات لتلاميذ المدارس والجامعات مجانا أو بتكاليف رمزية، رعاية للمتفوقين، وتقديم خدمات العلاج والتعليم والإسكان الشعبى لملايين المصريين، فى مشروع عبد الناصر لم يستطع الإخوان خداع البسطاء بالحديث عن الظلم أو عدم العدالة أو تجاهل الدولة لمطالب الشعب فى الحياة الكريمة، فى مشروع عبد الناصر كانت الثقافة بكل مكوناتها من كتب أو أنشطة أو سينما هادفة وممتعة إلى حفلات غنائية ومسرح متاح للطبقة المتوسطة وللفقراء، الثقافة فى مشروع عبد الناصر كانت إحدى القوى الناعمة فى معركته مع كذب وخداع الإخوان، بناء مواطن مصرى قادر على تذوق الجمال ورفض القبح فى الصورة أو الصوت أو الفكر، فى مشروع عبد الناصر كانت القومية العربية بديلا عن مشروع الخلافة الإسلامية التى يستخدمها الإخوان كعباءة لطموحهم السياسى، فى مشروع عبد الناصر جامعة أزهر تجمع ما بين العلم والدين وتعيد لمؤسسة الأزهر الريادة الدينية، وعلى الرغم من موقفى من التعليم الدينى إلا أننى لا أستطيع أن أنكر أن مؤسسة الأزهر فى مشروع عبد الناصر كانت حائط صد لمحاولة الإخوان احتكار الدين، لان عبد الناصر من خلال دمج التعليم فى الأزهر أوجد الطبيب أو المهندس أو المحامى أو المحاسب الدارس للدين الإسلامى الوسطى، فى مشروع عبد الناصر المصريون الإقباط ليسوا مواطنين من الدرجة العاشرة أو حتى الثانية، لأن مشروع عبد الناصر يقوم على المواطنة، بناء الكنائس لم يكن منحة من الحاكم أو ديكور سياسى، ولكنه حق للمواطن المصرى القبطى، فى مشروع عبد الناصر الحدود بين الفقراء والأغنياء تضيق لصالح الفقراء، والمال مال الشعب وللشعب، فى مشروع عبد الناصر المواطن مسئولية الحكومة متى كان غير قادر أو مظلومًا، ولكل ذلك يكره الإخوان عبد الناصر ومشروعه، ويحاولون طمس الحقائق ونشر الأكاذيب حول الرجل ومشروعه، المشروع الذى انحاز له الشعب وحقق له الشعبية الكاسحة حيا أو ميتا، ونموذج للقضاء على الإخوان وأكاذبيهم وحرقهم فى الشارع المصرى والعربى، مشروع وزعيم يثير رعبهم من قبره، ويقلق نومه وهو عند ربه، ويؤرق قادتهم بعد غياب 50 عاما، ولكنه الغياب الذى يفضح وجودهم ومؤامراتهم وخيانتهم للوطن.