عبدالحفيظ سعد يكتب: السودان.. لحمنا ودمنا

مقالات الرأي



بدون شعارات، أحب السودان..

البلد الطيب أهله، أشعر تجاه كل سودانى أعرفه أنه «قريبى»، بمثابة أهلى وعشيرتى، تتفتح بينى وبينه مساحة للود، كأننا من دم واحد.

لم لا.. فمن بين مئات السودانيين الذين أعرفهم وتعاملت معهم، من النادر أن أجد منهم من ليس فى جذوره عرق مصرى.. سواء أمه مصرية، أو جده أو جدته، فلا تخلو أسرة، خاصة من شمال السودان أو شرقه وغربه، إلا فيها جذر مصري، لدرجة أننى اعتدت أنى أنادى على أى سودانى أعرفه باللهجة الصعيدية «أبو عمتو» «أبو خالو».

صحيح أن قصة التقارب بين السودانى والمصرى، تعمقت بشكل أكبر منذ سنوات الوحدة بين البلدين، وانتقال سودانيين لمصر، وعمل مصريين بالسودان عندما كنا شعبًا واحدًا، لكنى أعتقد أن طبيعة العلاقة، أكثر عمقا من سنوات الاتحاد رغم أنها تمتد لعقود.

لكن اعتقد أن من بين المصرى والسودانى تفاصيل وجينات مشتركة، بعيدة عن عوامل السياسة أو حتى الجغرافيا، بل بالعكس أجد أن السياسة فى أحيانا كثيرة، أثرت بالسلب فى علاقة مصر والسودان، خاصة تلك السنوات التى حكم فيها الإسلاميون بقيادة عمر البشير السودان، ونتج عنها الضرر فى علاقة الشعبين بإثارة المشاكل والخلافات، والتى لم تطل فقط علاقة الخرطوم بمصر، بل ساهمت فى تمزيق السودان شمالا وجنوبا.

فى أيام الغربة، والتى تفرز لك كل شخص على حقيقته بعيدا عن بلده أو ثقافته، بمجرد أنى أتعرف على شخص، وأدرك أنه سودانى سواء لبشرته، أو للهجته، أزيل كل الهواجس، والتحفظات التى أشعر بها لمعرفة شخص غريب، أشعر أنه منى، بل أحيانا تتجاوز مساحة الود بينى وبينه، أكثر من شخص أعرفه منذ سنوات، لأننى أدرك بفطرتى أن خلف هذا الوجه الأسمر قلبا طيبًا أتعامل معه، دون أية حسابات أو توجس، يسير على فطرته لأنهم أبناء النيل.

لذلك.. أحب السودان.. البشر قبل الأرض. ويصيبنى الألم، عندما يتعرض هذا البلد لمكروه، أشعر كأنه يمسنى، وهو الشعور الذى أصابنى أثناء متابعة ما يتعرض له السودان فى هذه الأيام من فيضانات وسيول، دمرت الكثير من خيرات هذا البلد الطيب، وألحقت بأهله السوء، بعد أن غابت التنمية لهذا البلد نتيجة حالة الفساد الذى عاشته طوال حكم البشير وأعوانه من الإسلاميين.

ولذلك أجد أن الوقوف مع السودان فى محنته، ليس لمجرد عوامل الإنسانية أو حتى الجيرة، بل لأنه واجب، فهم منا ونحن منهم، واعتقد أن الواجب لابد أن يتجاوز مجرد تقديم المساعدات، بل العمل على الوقوف مع السودان وتقديم الدعم الفنى واللوجيستى، لتلافى آثار أى فيضان قادم، أو حتى مخاطر محتملة من سد النهضة الإثيوبى، والذى أعطى ما حدث فى السودان مؤخرا من سيول، إنذارا.

وربما تتضاعف هذه المخاطر لو اكتملت عملية التخزين خلف السد، وضربت سيول مماثلة إثيوبيا، قد تدمر جسد السد نفسه المبنى على منطقة، بحسب العديد من الخبراء، معرضة للانهيار، ومن خلفها ما يتجاوز 80 مليار متر مكعب كما تنوى إثيوبيا تخزينه، وقتها لا قدر الله، سنبكى الدم على السودان، والتى ستتلقى الضربة.

ومن هنا أجد أن علامات السماء، تعطى لأبناء النيل إشارة بأنه الخطر الذى يطولهم واحد، ولا أجد تفسيرا فى أن تظل السودان ومصر، هكذا بلدين، قسمتهما السياسة، رغم أن الدم والطبيعة جمعتهما. وليس بالضرورة أن ينشأ اتحاد سياسى وإدارى بين البلدين، لكن لا بد أن نكون معا، بأى صيغة، يرتضيها رجال السياسة، لأن مصيرنا واحد، ومستقبلنا متطابق.. لأن ما بين السودان أعمق من أن تفرقه الحدود، وهو مصير لا يعبر عنه فقط مجرى النيل، بل لحم ودم.