د. نصار عبدالله يكتب: عن مستقبل الكورونا
آمل ألا يكون حديثى باعثا على الانقباض والتشاؤم حين أقول إن كافة الدلائل تشير إلى أن مستقبل الكورونا فى العالم لا يبشر بخير على الإطلاق، حتى وإن كان مستقبله فى بعض الدول مثل مصر على سبيل المثال يمكن وصفه بأنه يدعو إلى درجة من التفاؤل، أو على أضعف الإيمان فهو فى تلك المناطق (الآمنة نسبيا) ليس بنفس درجة التهديد ولا هو بدرجة القتامة التى سوف تسود أوروبا والقارتين الأمريكتيين ومناطق كثيرة من آسيا، ...ليس كلامى هذا مرتجلا ولا هو مفتقرا إلى السند فهو يستند أساسا إلى دراسة قام بها مجموعة من الباحثين المتخصصين فى جامعة مينيسوتا الأمريكية، وقد تطابقت نتائج تلك الدراسة مع ما انتهت إليه دراسات شتى فى الكثير من المراكز البحثية العالمية. ومن ناحية ثانية فهو يعتمد على النظر إلى السوابق التاريخية للأوبئة العالمية عموما، وخصوصا أوبئة الأنفلونزا الفتاكة التى يعد فيروس كوفيد 19واحدا منها، وأشهر تلك الأوبئة وأقربها فى نفس الوقت من حيث درجة الفتك بالأرواح البشرية هى الأنفلونزا التى أصابت العالم عام 1918والتى عرفت وقتها بالأنفلونزا الإسبانية رغم أنها كانت أمريكية المنشأ وقد انطلقت تحديدا من ولاية كانساس ومنها إلى باقى الولايات المتحدة ثم انتقلت بعد ذلك إلى أوروبا وبقية أرجاء العالم، أما سر تسميتها بالإسبانية رغم أنها أمريكية مائة فى المائة، فهو أن إسبانيا قد بقيت على الحياد فى الحرب العالمية الأولى، ونتيجة لكونها دولة غير مشاركة فى الحرب فإن صحافتها لم تخضع للرقابة التى خضعت لها الدول المتحاربة ومن ثم فإن الصحافة الإسبانية قد تمتعت فى تلك الفترة بقدر كبير من الحرية أتاح لها ألا تتكتم على أخبار الوباء، بل على العكس فقد وجدت فيها مادة خبرية تهم سائر القراء، فراحت تنشر أخبار الوباء بعد أن انتقل إلى إسبانيا أولا بأول مما جعل الأمريكيين والأوربيين يطلقون عليه: «الأنفلونزا الإسبانية» وهم لا يعلمون أنه قد تفشى فى بلادهم بدرجة أكبر مما هو فى إسبانيا، لكن صحافتهم هى التى تكتمت على أخباره، وقامت بإخفائها عنهم، وقد ظل الوباء متفشيا فى العالم لمدة ثلاث سنوات متتالية هى: 1918و1919و1920 حيث كان ينتشر خلال تلك السنوات على هيئة موجات متتالية من الارتفاع والانحسار، وكثيرا ما كان ينحسر إلى درجة قريبة من الانعدام بحيث يخيل إلى المتأمل أنه قد انتهى تماما إلى غير رجعة، لكنه سرعان ما يعود فجأة فى موجة ضارية جديدة تفوق سابقاتها فى الضراوة، وقد أصيب به فى نهاية المطاف نحو نصف سكان العالم تقريبا، أما عدد ضحاياه فقد بلغوا فى أكثر التقديرات تواضعا نحو خمسين مليون وفاة، وإن كانت بعض التقديرات تذهب إلى أن عدد الوفيات قد تجاوز المائة مليون، وأيا ما كان العدد الحقيقى، فإن النتيجة المؤكدة التى نخرج بها من هذا القياس التاريخى هى أن مدة انتشار هذا النوع من الأوبئة وأمثاله لا تقاس بالأسابيع ولا بالشهور ولكنها عادة ما تطول إلى سنوات، وهو ما يجعلنا نجرؤ على القول بأن كوفيد 19الحالى ما زال حتى الآن فى بدايته وأن هناك الملايين من البشر الذين سوف يحصد الوباء أرواحهم قبل أن ينحسر تماما بعد عامين أو ثلاثة على أقل تقدير، أما الجزء المشرق الوحيد فى هذه الدراما القاتمة، وهو ما يهمنا نحن كمصريين، فهو أن الشعب المصرى فى مجمله وبحكم الموقع الجغرافى لمصر من ناحية ونتيجة لعوامل أخرى عديدة كثيرا ما تعرض لموجات شتى من فيروسات الأنفلونزا منها ما ينتمى إلى العائلة التاجية التى ينتمى إليها كوفى 19 ومنها ما ينتمى إلى عائلة h1n1 التى كان ينتمى إليها فيروس الأنفلونزا الإسبانية، ونتيجة لهذه التعرضات المتنوعة التى أصابت أبناء الشعب المصرى فقد تكون لديه نوع من المناعة التى يمكن أن نطلق عليها تجاوزا: «المناعة الفيروسية الشاملة» التى وإن كانت لا تحمى صاحبها تماما من الإصابة بالفيروسات التى تصيب الجهاز التنفسى، إلا أنها تجعل هذه الإصابة إن حدثت طفيفة جدا، بل إنها فى بعض الحالات لا تكون ملحوظة على الإطلاق بحيث يمارس المصاب حياته اليومية بشكل طبيعى تماما دون أن يعرف أنه حامل للمرض، حتى وإن ظهرت أعراض وترتبت عليها مضاعفات أو لا قدر الله وفيات، فإن معدل تلك الوفيات سوف يكون فى الحدود الدنيا مقارنا بنظيره فى الدول الأوربية والأمريكية ...وهذا هو ما يجعل وصف مصر بأنها: « المحروسة» وصفا حقيقيا وليس مجرد تعبير إنشائى.