رامى رشدى يكتب: رحلة قانون «تنظيم الإفتاء» إلى «درج البرلمان»
الأزهر أعلن عن حضور «الطيب» الجلسة العامة للبرلمان ولم يرسل خطابا حسب الإجراءات المتبعة
«عبد العال» لم يلمح لحضور الطيب وغيابه وأعلن إحالة مشروع القانون للجنة الدينية لكتابة تقرير
الإخوان يحاولون استغلال الموقف والدفاع عن شيخ الأزهر وتناسوا محاولتهم النيل منه واقتحام مكتبه
خلال الـ٤٨ ساعة الماضية حدثت وقائع متعاقبة وسريعة من عقد الجلسة الختامية للدورة البرلمانية الخامسة، وصدور بيانين عن موقع الأزهر الشريف أحدهما عن طلب الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر حضور جلسة مجلس النواب، والثانى إشادة بقرار مجلس النواب بعدم مناقشة القانون.
ومع تجاهل الجلسة العامة للبرلمان مناقشة المشروع خرج الدكتور أسامة العبد، رئيس اللجنة الدينية، ومهندس المشروع ليحفظ ماء وجهه أمام الرأى العام بتصريحات بأن القانون تم تحويله للجنة لتقديم تقرير عنه بالتوازى مع نشاط لكتائب مرتزقة جماعة الإخوان للزج باسم شيخ الأزهر فى صراع وهمى اخترعوه وكأنهم المتحدثون باسم الشيخ رغم التاريخ القذر للجماعة فى الهجوم عليه ومحاولات النيل منه.. فما الذى حدث خلال الـ٤٨ ساعة الماضية وتفاصيل دخول مشروع قانون دار الإفتاء إلى ثلاجة البرلمان.
1- ماذا حدث؟
أعلن الموقع الإلكترونى للأزهر، أن الدكتور الطيب طلب حضور جلسة مجلس النواب للاعتراض على تمرير قانون الإفتاء قبل أن تناقش اللجنة العامة المشروع سرعان ما أعلن المجلس إحالة المشروع إلى لجنة لتقديم تقرير عنه وبعدها نشر الموقع الإلكترونى بيانا يشيد بهذه الخطوة.
«قانون دار الإفتاء فى الدرج»، هذا كان رد أحد النواب عندما سألته عن مصير القانون عقب الجدل الكبير الذى حدث بعدما نشر الموقع الرسمى للأزهر مساء الأحد الماضى، أن الدكتور الطيب طلب من الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، أن يحضر الجلسة العامة المقررة الاثنين الماضى، ليدافع عن استقلال الأزهر واختصاصات هيئاته، وشرح رؤية الأزهر فى رفض مشروع قانون الإفتاء.
ووفقا للبيان أرسل الدكتور الطيب، خطابا، لرئيس البرلمان مطالبا بحضور الجلسة العامة المنعقدة لمناقشة مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء -حال الإصرار على إقرار هذا المشروع رغم ما به من عوار دستورى - وذلك وفاءً بالأمانة التى أولاها الله تعالى له ولعرض رؤية الأزهر فى ذلك المشروع الذى من شأن إقراره أن يخلق كيانًا موازيًا لهيئات الأزهر، ويجتزئ رسالته، ويُقوِّض من اختصاصات هيئاته، مؤكدا أن الدستور جعل الأزهر -دون غيره- المرجع الأساس فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، والمسئول عن الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم، مؤكدا أنه من المسلَّم به أنَّ الفتوى الشرعية من الشئون الإسلامية وعلوم الدين التى يرجع الأمر فيها لرقابة الأزهر الشريف ومراجعته.
وأرفق شيخ الأزهر رأى هيئة كبار العلماء فى مشروع القانون، وكذلك صورة التقرير المتداوَل لقسم التشريع بمجلس الدولة، وذكر بالخطاب «اليوم أضع أمام بصر السادة نوَّاب الشعب -المؤتمنين على مؤسَّساته العريقة بعد أن أقسموا اليمينَ على احترام الدستور- صورةَ التقرير المتداوَل لقسم التشريع بمجلس الدولة، باعتباره الجهة المختصَّة بمراجعة مشروعات القوانين، والذى انتهى فيه -بعد دراسة موضوعية لمشروع القانون المحال من مجلس النواب- إلى مخالفته الصريحة لنصوص الدستور، وتعارضه مع الاختصاصات الدستورية والقانونية للأزهر، وجاءت أسباب هذا الرأى متفقةً مع رأى فقهاء القانون الدستورى وأساتذته، ومع الدراسة التى أجراها الأزهر لمشروع القانون والسابق موافاتكم بها أول مارس الماضى، لتوزيعها على النوَّاب قبل التصويت على المشروع».
انتهى البيان المنشور على موقع الأزهر قبل عقد جلسة البرلمان الختامية للفصل التشريعى للدورة البرلمانية الخامسة، الاثنين، الماضى.
وصباح نفس اليوم كان هناك توقع بحضور شيخ الأزهر إلى قاعة المجلس ولكن ذلك لم يحدث ولم يشر رئيس البرلمان من قريب أو بعيد لحضور الطيب، ووفقا لمصادر لم يصل إلى مجلس النواب خطاب رسمى بحضور شيخ الأزهر للجلسة الختامية، لأنه وفقا للوائح لو حدث ذلك يجب أن يعلن ذلك رئيس مجلس النواب على الجلسة العامة، وهو ما لم يحدث.
مساء الاثنين انتهت الجلسة الختامية لمجلس النواب بإقرار ١٢ قانونًا بشكل نهائى لم يذكر فيها قانون دار الإفتاء، نهائياً ووفقا لمصادرنا والأخبار المتواترة من مشيخة الأزهر ومجلس النواب أن القانون لن يناقش هذه الدورة البرلمانية، وتم تأجيله لحين إشعار آخر.
قبل منتصف ليل الاثنين نشر الموقع الرسمى للأزهر بيانا جاء نصه «يشيد الأزهر الشريف بالخطوة التى اتخذت اليوم، بسحب قانون تنظيم دار الإفتاء من التصويت فى مجلس النواب، بعد ثبوت مخالفته للدستور وتعارضه مع اختصاصات الأزهر الدستورية والقانونية.
ويوضح الأزهر أن هذه الخطوة تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن مصر ستبقى دائما دولة تحترم الدستور وتعلى سيادة القانون، وتقدر مؤسساتها الوطنية العريقة، ومن بينها مؤسسة الأزهر، الذى هو مظلة لكل المصريين، وتحرص على ضمان استقلاليته فى أداء رسالته العالمية بما يخدم الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء.
كما يؤكد الأزهر أن الدولة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، حريصة دائما على الحفاظ على مؤسسة الأزهر الشريف، وعلى تقديم كل الدعم والمساندة له لأداء رسالته فى نشر الوسطية والتسامح، كما أن المناقشات التى تمت حول مشروع قانون دار الإفتاء، مظهر صحى من مظاهر الحياة النيابية التى عرفت بها مصر من قبل، بمناقشة كل الآراء، وتفتح الباب أمام النقاش المجتمعى فى مختلف القضايا، وأثبتت أن مصر تعلى من قيمة أحكام الدستور، واحترام مؤسساتها، وهى ممارسات تثرى الحياة السياسية، وتسهم فى تطوير الأداء المؤسسى وبناء الوعى الديمقراطى».
2- الإخوان تحاول النفخ فى نار الأزمة
كعادتهم فى ركوب الموجة وتصوير الأمر على أن هناك أزمة بين مؤسسات الدولة حول قانون دار الإفتاء، وأن هناك نية مبيتة لتقليص صلاحيات شيخ الأزهر من قبل مؤسسة الرئاسة والحكومة ومجلس النواب؛ تصر جماعة الإخوان الإرهابية على اختلاق دفاع عن شيخ الأزهر وكأنها المتحدث الرسمى باسمه رغم سوابقهم فى الهجوم عليه ومحاولة النيل منه ورغم تأكيد شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء فى أكثر من موقف أن ما يحدث من مناقشات حول قانون دار الإفتاء هو مناخ صحى ودستورى وقانونى.
مرتزقة الإخوان فى تركيا وقطر دائما ما يزجون باسم الدكتور الطيب فى مواقف وأزمات لا علاقة للرجل بها لا من قريب ولا من بعيد، ودائما يصورون بأن هناك مؤامرة تحاك ضد شخصه، وتناسوا تماما تاريخهم معه، ومحاولاتهم النيل منه على مدار الـ10 سنوات الماضية وما حدث منهم فى العرض العسكرى الشهير لطلابها فى جامعة الأزهر عندما كان الطيب رئيسا لها، ومحاولاتهم اقتحام مكتبه بالقوة، عندما طبق القانون على الطلاب المشاركين.
التاريخ القذر للإخوان مع الطيب لم ولن ينتهى خصوصا أن الأمر وصل فى واقعة تسمم طلاب بالمدينة الجامعية للأزهر فى منتصف مايو 2013 حيث حاول طلاب الجماعة اقتحام مشيخة الأزهر فى الدارسة واقتحام مكتب شيخ الأزهر.
سبق تلك الواقعة بعشرة أشهر وتحديداً فى يوليو 2017 تعمد المعزول محمد مرسى تجاهل شيخ الأزهر أمام الكاميرات فى حفل تخريج الدفعة ٤١ بالمعهد الفنى للقوات المسلحة، حيث صافح مرسى الفريق سامى عنان وقيادة عسكرية أخرى كانت بجواره وتجاهل الطيب.
ولا يمكن للإخوان نسيان الموقف القوى والداعم من جانب الدكتور الطيب لثورة 30 يونيو ودوره الوطنى عندما انحاز للوطن وللشعب والقوى الوطنية، لذا تأتى محاولتهم اتخاذ موقف الدفاع عن الطيب كمناورة مفضوحة للمكايدة السياسية وبدافع من الحقد والكراهية لكل ما هو مصرى ووطنى والنيل من نموذج مصر الحديثة الكاشف لهم ولإرهابهم وخياناتهم.
3- رئيس اللجنة الدينية يحاول تجميل صورته
أسامة العبد رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب هو مقدم مشروع دار الإفتاء للبرلمان الذى دخل أدراج البرلمان بعد سجال ومناقشات عديدة شهدتها اللجنة والجلسه العامة، وسماع آراء مقدمى القانون، ورأى هيئة كبار العلماء بالأزهر.
ووفقا لمصادرنا فى مجلس النواب؛ فإن العبد كان مستميتا لآخر لحظة لمناقشة القانون وإقراره فى الجلسة العامة، وهو ما لم ينجح فيه رغم محاولاته حشد زملائه.
خرج العبد ليحفظ ماء وجهه أمام الرأى العام وصرح بأن رئيس مجلس النواب أحال القانون للجنة الدينية لإصدار تقرير عنه وهو مسار يخالف الإجراءات الطبيعة للقانون التشريعى فى مجلس النواب لإقراره نهائيًا فى الجلسة العامة، لا أن يعود مرة أخرى للجنة التى خرج منها بشكل نهائى.
وهنا كان سؤال واضح لماذا يقف الدكتور أسامة العبد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق هذا الموقف من أستاذه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر؟ إذ إن الأخير هو من رشحه لمنصب رئيس جامعة الأزهر عام 2011 خلفا للدكتور عبدالله الحسينى، كما سانده فى منصبة رغم محنته مع الإخوان فى حادثة تسمم 500 طالب فى جامعة الأزهر عام 2013، وتمسك ببقائه فى منصبه، رغم أن المجلس الأعلى للأزهر أصدر قرار بإقالة العبد من رئاسة جامعة الأزهر وقتئذ إلا أن القرار لم يطبق على أرض الواقع، وظل العبد فى منصبه حتى بلوغه سن المعاش فى 2014.
والعبد بصفته الحالية كرئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب، يرى من وجهة نظره أنه لا خلاف على قيمة الأزهر أبدا، لأنه القوة الناعمة الأهم لمصر أمام العالم، مشيرا إلى أنه لا يمكن لأحد أن ينتقص من هذه القيمة.
العبد قال أيضا خلال الجلسة العامة للبرلمان فى يوليو الماضى لمناقشة مشروع القانون إن الأزهر، أمن قومى لمصر، وهو المظلة التى يأتى تحتها دار الإفتاء ووزارة الأوقاف وكل مؤسسة دينية، لكنه يرى أن المشروع لم يمس الأزهر أبدا باعتباره المظلة لكل المؤسسات الدينية، لكنه يقنن واقعا موجوداً من سنوات سابقة وليس منشئا لهذا الواقع، مؤكدا العمل على الحفاظ على الأزهر الشريف وشيخه وعلمائه فى هذا القانون.
4- مواد خلافية فجرت الأزمة
أكدت هيئة كبار العلماء أن مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء به مواد مخالفة للدستور عددتها فيما يلى:
أن الدستور ينص على أن الأزهر هو المرجع الأساس فى كل الأمور الشرعية التى فى صدارتها الإفتاء، والبت فى كافة الأمور المتعلقة بالشريعة، والرد على الاستفسارات الشرعيَّة من أى جهة، وتقديم الآراء الشرعية فى شأن المعاملات المالية المعاصرة، وإجراء الأبحاث الشرعية المتعلقة بالفتوى، والرد على الشبهات المثارة، وغيرها من الأمور الشرعية التى تضمنها مشروع القانون، وإسناد تلك الأمور لهيئة تابعة لوزارة العدل، ولا تتبع الأزهر يخالف الدستور.