منال لاشين تكتب: أزمة المجاميع المرتفعة تضرب المجتمع
يجب على الدولة تقديم منح مجانية للحاصلين على أكثر من 90% بالجامعات الخاصة
قانون جديد يسمح للبنوك بإقراض الطالب مصروفات الجامعة والسداد بعد التخرج
زيادة عدد الأقسام المتميزة فى الجامعات الحكومية لانخفاض مصروفاتها
فى عام 1984 حصلت على شهادة الثانوية العامة، وكان مجموعى 83% وأضيف لها نص درجة للمستوى الرفيع، كنت شعبة رياضيات، وكان مجموعى يفتح أمام جميع الكليات باسثناء 2 من كليات الهندسة عين شمس والقاهرة وكان القانون يمنح الفتيات ميزة النقل الجغرافى إجباريا، فلو اخترت أيًا من كليات الهندسة بجامعات الأقاليم، سيتم نقلى إلى جامعة القاهرة، فرحت أسرتى ووزع أبى الكانز على زملائه، وأمى الشربات على الجيران، وجلست كالملكة وأنا اختار كليتى، أختى الكبرى التى التحقت بكلية الهندسة تقنعنى باللحاق بها وتعدنى بالمساعدة وأبى وشقيقى يريان أن مستقبلى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وأنا اخترت كلية الإعلام، فمجموعى كان يؤهلنى لكل الاختيارات، كانت الـ 90% نادرة وتعد درجة امتياز أما الـ80% فتعد جيد جدا، وفى كلتا الحالتين يحصل الطالب على مكافأة تميز من الدولة، وكنت آخر العنقود ولا أحب المذاكرة فأقدم والدى على سابقة خطيرة فى منزلنا، فقد حصلت على مجموعات تقوية فى أربع مواد بإحدى المدارس المجاورة لمنزلنا، وقبل الامتحان بشهرين حصلت على أعجوبة أخرى، وهى درس خصوصى فى اللغة الفرنسية، ومع كل هذه المجموعات فإن مجموع ما أنفقته أسرتى على طوال سنوات الدراسة لم يتجاوز ألف جنيه، الآن تغيرت الصورة أو بالأحرى حدث انقلابان فى منتهى الخطورة، الأولى ظاهرة المجاميع المرتفعة جدا، والثانية ظاهرة الجامعات الخاصة، فقد أصبح الحصول على 95% حدثًا متكررًا، خذ مثالا هذا العام لدينا أكثر من 33 ألف طالب فى علمى علوم حصلوا على أكثر من 95% و16 ألف طالب فى رياضة حصلوا على أكثر من 94%، وقد دفعت أسرهم دم قلبهم حرفيا فى الدروس والمجموعات، واعتبرتهم الدولة من المتفوقين، ولكنهم مع الأسف لم يلحقوا بقطار كليات القمة الحكومية، ومرة أخرى أصبح على أسرهم دفع كل ما يملكون أو لا يملكونه لإلحاق أبنائهم بكليات القمة فى الجامعات الخاصة وهذا الوضع المتناقض لم يعد للأسف يثير التفكير أو يدفع لإيجاد حلول على خطورة الوضع اجتماعيا وسياسيا.
1- جريمة الآباء
فى أيامى كان التفوق مسئولية الطالب فى الأساس، ومستقبله بيديه من خلال بوابة التنسيق فى الثانوية العامة وبمجموعه وجهده، لم يكن مطلوبا من الأسرة سوى توفير القليل والمتاح، أما الآن فقد انقلب الوضع وأصبح المستقبل فى يد الأب أو بالأحرى قدرته المالية وذلك لتوفير فرصة لابنه فى الجامعات الخاصة، فالطالب الذى تفوق وحصل على 97% ليس أمامه فى قطار الجامعات الحكومية إلا الدرجة الثالثة، هذا الطالب لم يغفر للمجتمع أو أسرته فى الغالب فقرها وفشلها فى ضمان فرصة له فى كليات الطب أو الهندسة بالجامعات الخاصة، بينما زميله الحاصل على درجات أقل منه فتحت أموال أسرته أمامه باب المستقبل، هذا الطالب سيخرج من هذه التجربة بمعتقدات خطيرة، بما يؤمن عن حق أن المال هو كل شىء فى الحياة، وربما يسخط على المجتمع الذى يرعى الظلم ويقسم مستقبل أبنائه بحساباتهم فى البنوك، وقدرتهم على جمع المال بصرف النظر عن مصدره، ربما يملأه السخط على أسرته وعجزها فى اللاشعور أو فى مستوى الوعى، فالتناقض هائل، الدولة تكرمه لتفوقه بينما لا يستطيع الالتحاق بالكلية التى يرغبها، أو الحلم الذى يريد تحقيقه ليس عن فشل أو إهمال إنما لفقره، وهذا وضع مثير للغضب وللاحباط والشعور بكراهية المجتمع، واعتقد أن هذه الصفات لا تقود صاحبها للمشاركة فى بناء المجتمع أو الحماس للمستقبل، بالمثل يشعر الأب والأم بحالة فظيعة من تأنيب الضمير لإحساسهم أنهم ارتكبوا جريمة فى حق الأبناء.
2- حلول ذكية
وأمام هذا الوضع الكارثى تقف الحكومة والدولة موقف المتفرج، وكأن الأمر لا يعنيها، وكأننا أمام مشكلة أسرية خاصة، لا نجد مسئولا واحدا يفكر فى حلول ذكية وعادلة لمنح هؤلاء المتفوقين فرصتهم أو بالأحرى حقهم فى تحقيق أحلامهم، خلافا لموقفنا فإن كل المجتمعات بحثت وأوجدت حلولا تناسب طبيعة اقتصادها وأهدافها وحقوق مواطنيها، ففى أمريكا رأس الأفعى الرأسمالية تقدم البنوك (وهى بنوك خاصة ) قروضا مخفضة للطلاب (وليس أسرهم) لمواصلة التعليم، ويدفع الطالب أقساط القرض بالفوائد المخفضة بعد تخرجه، وهذه القروض تقدم لكل الطلاب الراغبين فى دخول الجامعة، والشرط الوحيد إثبات قبول الجامعة للطالب، أما المتفوقون والمتميزون فيحصلون على منح مقدمة من الجامعات ورجال الأعمال الحقيقيين، وهم من ماركة أخرى غير ماركة رجال الأعمال الذين بلينا بهم.
أما فى فرنسا وألمانيا فالتعليم الجامعى بمصروفات فى متناول الأسر، والمتفوقين يتعلمون مجانا، وفى بريطانيا لا يختلف الوضع كثيرا وذلك على الرغم من أن الجامعات فى بريطانيا أغلى من فرنسا وألمانيا، فكل هذه الدول وغيرها لا تسمح لنفسها بإهدار حق الطالب فى تحقيق حلمه لمجرد أن أسرته فقيرة، وبالطبع هناك هدف آخر للمجتمع غير حقوق الإنسان، فالتعليم هو قضية أمن قومى واستثمار، عار أمريكا أن المتفوقين يأتون فى الغالب من خارجها، والمناقشات حول معضلة التعليم فى أمريكا لا تنقطع.
3- أكذوبة الدعم
وفى المقابل ينتشر عندنا أكاذيب حول فشل دعم التعليم وخاصة الجامعى، وانتشرت عن جهل أو عمد مقولات أن الجامعة ليست مهمة، وتلك مجرد أكاذيب، فالدول تقاس تقدمها بمعايير منها نسبة خريجى الجامعات، وكل الدول المتقدمة تقدم أشكالا من الدعم للتعليم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أو على مستوى الحكومات المركزية أو الأقاليم، ففى بريطانيا تذهب ثلث حصيلة الضرائب العقارية للمحليات، وتقوم المجالس المحلية بتقديم الدعم للمؤسسات التعليم، وإن كنا كدولة غير قادرة أو راغبة فى الدعم، فعلى الأقل من المفترض أن نقدم بعض الحلول الذكية والعادلة للتعليم الجامعى، يجب أن يقوم البنك المركزى بحث البنوك على تخصيص جزء من محافظها المالية لقروض للطلاب وتغيير القوانين لتتوافق مع هذه الآلية، ويجب أن تزيد الحكومة من الأقسام الخاصة فى الجامعات الحكومية، لأن مصروفات هذه الأقسام الخاصة المميزة تقل عن نصف المصروفات فى أقل الجامعات الخاصة، ويجب تقديم منح تفوق مباشرة للطلاب المتفوقين لمساعدتهم على الالتحاق بالكليات التى يرغبونها فى الجامعات الخاصة، ويجب استغلال الأرباح الخرافية لهذه الجامعات فى تحقيق العدالة، فمن الممكن النص فى قانون الجامعات الخاصة على نسبة محددة للمتفوقين بمصروفات رمزية أو من خلال منح كاملة، وبدون هذه الحلول وغيرها أبشركم بانقسام تام فى المجتمع وشباب لا يصلح للمستقبل ولا للبناء، ومخاطر اجتماعية وسياسية واقتصادية، أرجوكم بلاش مكابرة وواجهوا مخاطر ضياع حلم هؤلاء الشباب المتفوقين عاما وراء عام.