بطرس دانيال يكتب: اِعمل الخير وارميه البحر

مقالات الرأي




يقول السيد المسيح فى الموعظة على الجبل: «كذلِك كُلُّ شَجَرةٍ طَيّبةٍ تُثمرُ ثِماراً طيبة، والشّجَرَةُ الخبيثةُ تُثمِرُ ثِماراً خَبيثة» (متى 17:7). كم من المرات التى فيها ندين الآخرين ظلّماً دون تروّى معتمدين على المظاهر والأحكام السطحية؟ كم من الاتهامات التى نلصقها بالغير دون معرفة أو دراسة الحقيقة؟ كم من المرات التى اتهمنا فيها الذين قاموا بفعل الخير معنا معتبرين إياهم أشراراً يسلبون حقنا ومالنا؟ يُحكى أن ولداً يتيم الأب كان مشغول البال لا ينام الليل بطوله لرغبته فى شراء هدية قيمة لوالدته الفقيرة بمناسبة عيد الأم، وخطرت على باله فكرة غريبة نابعة من إيمانه وثقته فى أبوّة الله وحنانه له، وهى أن يكتب خطاباً موجّهاً لله طالباً منه أن يرسل له خمسمائة جنيه، ثم وضعه فى صندوق البريد، وعندما لاحظ أحد رجال البريد اسم المرسل إليه «الله»، دعا اثنين من زملائه وفتحوا الخطاب معاً لمعرفة المكتوب به، وبعد قراءته تحركت أحشاؤهم متأثرين من هذا الطلب، فاتفقوا أن يساهموا معاً فى تحقيق أمنية الطفل اليتيم، فوضع كل واحدٍ منهم مائة جنيه، ثم وضعوا المبلغ كله الذى صار ثلاثمائة جنيه فى مظروفٍ دون أى تعليق وأرسلوه على عنوان هذا الطفل. وبعد عدّة أيام وصل لرجال البريد خطاباً ثانياً موجهاً لله وكان مكتوب فيه: «أشكرك يا رب على المبلغ الذى أرسلته لى لتحقيق أمنيتى فى شراء هدية لوالدتى فى عيدها، وفعلتُ ذلك بالرغم من أن رجال البريد اللصوص سرقوا مائتين جنيه من المبلغ الذى أرسلته لى. شكراً لك يا رب على كل حال». هذا يدل على أن فاعلى الخير لا يَسلَموا من معاداة الناس وسوء ظنهم، فمن الأفضل لنا أن يظلمنا الآخرون ويعادوننا نتيجة أعمالنا الحسنة والخيّرة، من أن يحدث هذا بسبب شرّنا وفساد أخلاقنا. لذا لا نتخذ من سلوك هؤلاء ذريعة وحجّة للابتعاد عن فعل الخير. فهل يُعقل أن يبتعد الناس عن مزاولة أى مهنة لأن هناك البعض من غير الشرفاء يزاولونها؟ لنتعلّم من الطبيعة التى لا تبخل على الإنسان الذى يفسدها ويدمّرها، ولكنها تستمر فى عطائها وسخائها له. إذاً لنزرع كل ما هو خير ونافع وصالح مع مَنْ يستحق أو مَنْ لا يستحق، لنزرع أحسن ما فينا من أفكار ومبادئ وآمال. لذا يجب علينا ألا نترك وسيلة دون اللجوء إليها للقضاء على الشر الموجود فى محيطنا، ولا توجد قوة تستطيع أن تقاوم الشر وتقضى عليه، مثل الخير الذى نقوم به فى محيطنا. من المفروض أن نتجنب الشر؛ ولكن الامتناع عن عمل الخير هو جريمة فى حق المجتمع الذى نعيش فيه، كما أنه شر لا يمكن أن يرضى به إنسان خُلق على صورة الله ومثاله، لأن الله ينبوع ومصدر كل خير وصلاح، إذاً يجب على كل واحدٍ منّا أن يصير مصدراً للخير. متى نفهم أننا فى هذا العالم الغارق فى الشر والفساد، لا يكفينا الابتعاد عن الشر والامتناع عن الظلم طبقاً للوصايا المقدسة، وأن نكون مكتوفى الأيدى مبررين ذلك بأننا لم نؤذِ أى شخص؛ لكن لكل واحدٍ منّا رسالة مهمة يجب أن يقوم بها من أجل خير الآخرين، وفى هذه الحال سيتبدل العالم إلى الأفضل. كثيرون يبررون امتناعهم عن الخير والصلاح لسوء فهم الآخرين واتهامهم بالنوايا السيئة والمصالح الشخصية والأهداف غير النبيلة، لذلك يقول بولس الرسول: «لا تَدعَ الشَّرَ يَقهرْكَ، بل كُنْ بالخير للشَّرِّ قاهراً» (رومة 12: 21). إذاً لا نهتم برد فعل الناسَ تجاه ما نقوم به من خير، لأن كل واحد يُنفق ما عنده، فنسعى للتعامل بطريقةٍ حسنة مع الحاقدين والكارهين، ليس لأنهم يستحقون؛ بل لأننا أصحاب أصل ومبدأ، كما يجب أن نضع أمامنا أننا أخوة فى البشرية، إذاً لا نقيّم الأمور بأن هذا يستحق وذلك لا، فالزنبقة زنبقة بجمالها وعطرها، ولو كانت تنمو فى الوحل. فالمحبة الحقيقية تدعونا أن نكون لطفاء مع الجميع ونتصرف بُحبٍ إلى مَنْ يعاملنا بسوءٍ أو يخاطبنا باستخفاف. كما أن المحبة تدعونا إلى معاملة مَنْ جرح كبرياءنا بطريقة حسنة ولا نحقد عليه ولا نبدى له أى جفاء. فإذا جعلنا نصب أعيننا الله ووصاياه، فلن يوجد مستحيل أو صعب علينا، حتى محبة الذين ظلمونا أو تسببوا لنا بالشقاء. فالإنسان الصالح مثل الزهور كما يقول العظيم Ghika: «إنها تعطر حتى الأيدى التى تسحقها».