بعد 13عامًا من العزل.. صدام قبطي بين مؤيد ومعارض لقرار رفع الحرمان الكنسي عن جورج بباوي
أثار قرار رفع الحرمان الكنسي من الدكتور جورج حبيب بباوي، عقب سماح قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية بمناولته من الافخارستيا، وذلك لأول مرة منذ 13 عامًا من حرمانه بقرار المجمع المقدس برئاسة البابا الراحل شنودة الثالث في عام 2007، وذلك بعد صراعات معه بدأت من منذ عام1975، جدل واسع المدي في الأوساط القبطية.
وتسربت معلومات علي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، أنه هناك وسطاء من شخصيات عامة تم توسطهم بين جورج بباوي وبين كهنة اللذين طالبوا من قداسة البابا بالسماح له بمناولته لأنه طريح الفراش ويصارع الموت بسبب مرضه الذي تغلب علي شيخوخته التي بلغت العقد الثامن من العمر، حيث وافق البابا على الفور وطلب رقم هاتفه وعنوانه للتواصل معه، وكلف الأنبا سرافيم أحد الكهنة للتوجه الي منزل الدكتور جورج في أنديانا ليقرأ له الحل ويناوله من سر الافخارستيا المقدسة.
ويشار الى أن العديد من الأباء الكهنة الذين طرف وساطة في السماح بمناولة " بباوي" قد بعثوا إلى قداسة البابا تواضروس رسالة وجه خلالها الشكر لقداسته وقالوا فيها: " الأب الحنون الرحيم عظيم الشكر والامتنان لقد تهلل قلبه كالأطفال مرنما ومسبحا وشاكرًا لقداستكم وهو يقول لحنو أبوتكم، قد أرسلكم واختاركم الثالوث القدوس بحكمة سماوية وتواضع جم لتضميد جراحات الكنيسة بكل سكينة ".
فيما تواصلت بوابة الفجر مع القس بولس حليم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وبسؤاله عن حقيقة رفع الحرمان من بباوي إلا أنه لم يرد والإدلاء بأي تصريحات.
القرار رد اعتبار لتصحيح الخطأ:
وقال الباحث والمفكر القبطي، كمال زاخر، إننا ننتظر صدور بيان كنسي رسمي يكشف ملابسات قرار رد الاعتبار الذي يؤكد علي توجه الكنيسة لفتح باب المصالحات التي تتسق مع رسالة الكنيسة، ولعل البيان يكشف كيف ولماذا وظروف صدور قرار قطع وإبعاد د. جورج بباوي وقتها، وبطلان ذاك القرار لتغاضيه عن توفر اركان قانونية اساسية فيه بحسب ما نشره قداسة البابا شنودة نفسه حين كان اسقفًا للتعليم في مجلة الكرازة في اصدارها الأول (٦٦ - ٦٨) تحت عنوان "كيف يحاكم الأسقف خاطئًا" وما أورده الأب الأسقف وقتها - قداسة البابا شنودة - فيما بعد ينسحب بالضرورة الي حالتنا هذه.
وأضاف" زاخر" في تصريحات خاصة إلى بوابة الفجر، أننا نحن ازاء أستاذ لاهوت وليس من أحاد الناس، كان أبرز ما اورده أسقف التعليم، ولم يتوفر هنا، مؤكدًا أن المتهم له الحق في الدفاع عن نفسه بشخصه أو بمن ينيبه للدفاع عنه.
ولفت إلى أن هذا القرار المعيب لم يرد الحيثيات التي بني عليها والقوانين الكنسية التي استند إليها، ولا جلسات المحاكمة، ولا المداولات التي جرت قبل صدوره، فضلًا عن جمع التوقيعات عليه بطريقة التمرير، واستخدام الضغط الأدبي لقداسة البابا شنودة لجمع هذه التوقيعات، بحسب ما قال به بعض الموقعين عليه وقتها.
وأشار إلى أن الدكتور بباوي قد أقام دعوي بطلان بحق هذا القرار أمام القضاء الإداري حصل بمقتضاها على حكم يقضي بالبطلان، ولم تلتفت إليه الادارة الكنسية وقتها.
ونوه أن هذا القرار هو رد الاعتبار للدكتور جورج حبيب بباوي جاء لتصحيح خطأ الإدارة التي اصدرته في حق قامة علمية لاهوتية تقر كل المؤسسات العلمية اللاهوتية الأرثوذكسية في العالم بقيمته وصحة تعليمه وأرثوذوكسيته.
قرار رفع الحرمان مخالف للقانون الكنسي:
فيما قال كريم كمال الكاتب والباحث في الشأن السياسي والقبطي ورئيس الاتحاد العام لأقباط من اجل الوطن، إن القوانين الكنسية القديمة المعروفة قد وصعت منذ نشأة المسيحية، والمجامع المسكونية والمكانية حتى منتصف القرن الخامس الميلادي، وكانت الكنيسة وقتها حاسمة جدًا، وحازمة في معاملة المؤمنين وفى معاقبتهم على خطاياهم الثقيلة بعقوبات علنية.
واضاف "كمال" في تصريحات خاصة إلى بوابة الفجر، أن سلطان الكنيسة في العقوبة سلطان إلهي كما ذكر الكتاب المقدس" وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ؛ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ. 18 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ. " (مت 18: 17 – 18)، موضحًا أن هذا السلطان الكنسي قد مارسه بطرس الرسول في معاقبته لحنانيا وسفيرة (أع5) كما مارسه بولس الرسول في معاقبته لخاطئ كورنثوس (1كو5: 5) وفى لعنته التي صبها على عليم الساحر (أع13: 11)؛ كذلك عقوبة المحرم التى فرضها على كل من يخطئ فى التعليم.
وإستطرد: كان القصد الإلهى من العقوبة أن تحتفظ الكنيسة بقدسيتها ولأن يرتدع الخطاة وكذلك يكون عند الباقين خوف (1تى5: 20) (أع5: 11) والعقوبات الإلهية جذورها ممتدة فى العهد القديم منذ خطية آدم وحواء، كما مارس الاباء والأنبياء فرض هذه العقوبات أيضًا وتنفيذها بسلطان إلهي.
وأوضح أن عقوبات الكنسية تختلف باختلاف نوعية الخطية ومدى تكرارها فهي تقع على من يخطئ وعلى من يقصر في واجباته الروحية، وكل خطأ له وزنه وقدره، لافتًا إلى أن الأباء قد وضعوا قاعدة قانونية هامه وهي: "لا يجوز فرض عقوبتين على خطية واحدة " ويستثنى من هذه القاعدة الهرطقة والبدعة، وكل إنحراف عن الإيمان السليم فهناك خطية عقوبتها بالنسبة إلى العلماني الفرز، وأما بالنسبة للكاهن فتكون عقوبته عليها هي إسقاط درجته الكهنوتية مع عدم فرزه من جماعة المؤمنين، ولكن إذا وقع الكاهن في هرطقة تفرض عليه العقوبتان معًا فيسقط ليس فقط من درجته الكهنوتية، وإنما من كل درجات الكهنوت مهما بلغ علوه فيها، وكذلك يفرز من جماعة المؤمنين وهكذا حدث مع آريوس القس ومع كل من تبع هرطقته من الأساقفة والقسوس والشمامسة، وهكذا حدث مع نسطور بطريرك القسطنطينية ومن قبله مع مقدونيوس بطريرك القسطنطينية، ومع الراهب يمكن أن يسقط من كهنوته ورهبنته معًا إذا هرطق، ويفرز من جماعة المؤمنين، أي توقع عليه ثلاث عقوبات.
وتسائل كريم كمال: فماذا يحدث إذا تزوج شماس أو قس بعد ترمله؟، موضحًا أن فى هذه الحالة يسقط الشماس من درجة الشموسية ويسقط الكاهن من درجة القسسية ولكن يبقى كلاهما داخل جماعة المؤمنين وإذا تزوج قس راهب فإنه يسقط من درجة الكهنوت ويسقط من طقس الرهبنة؛ ولكن لا يفرز من جماعة المؤمنين بل يدخل فى قانون التوبة، ولا يتناول لأنه كسر نذر، حتى تنتهي مدة عقوبته.
وأوضح أن الطرد من جماعة المؤمنين Excommunication وهي كلمة مشتقة من جزئيين Ex بمعنى خارج أو خارجًا وCommunity بمعنى الجماعة، فيكون معنى العقوبة هو طرد المخطئين خارجًا من جامعة المؤمنين وهي غير الحرم Anathema التى توقع على الهراطقة ومن أمثلتها الـ 12 حرمًا التي أوقعها القديس كيرلس الكبير على نسطور وكل من يقع في هرطقته بالتفصيل.
وتابع: أن قانون الكنيسة القبطية الارثوذكسية واضح وصريح في اي عقوبات تصدر عن المجمع المقدس، حيث ينص قانون الكنيسة أن أي عقوبة تصدر عن المجمع المقدس لبد أن تحل عن بقرار أخر صادر عن المجمع ويكون القرار وفق قوانين الكنيسة الصادرة عن المجامع المسكونية التي تعترف بها الكنيسة بجانب قوانين المجامع المكانية ومن يخالف ذلك يقطع من الكنيسة حسب قانون الكنيسة ولابد أن نفرق بين حرمان صادر عن أسقف أو كان وبين حرمان أو قرار صادر عن المجمع المقدس لأن الاول يمكن أن يأخذ حِل من الرتبة الأعلى أو المماثلة.
من هو جورج بباوي:
هو باحث ومدرس لاهوتي، قام بالتدريس في بعض المعاهد اللاهوتية في الخارج بعيدًا عن الكنيسة، حيث كان من المقربين جدًّا من البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، حتى قبل توليه البابوية، وتمتع بثقة ومحبة كبيرة منه لدرجة أن البعض وصفه بأنه "الفتى المدلل" للبابا، حتى بدأ جورج يعلم بعض التعاليم المخالفة لفكر الكنيسة في ذلك الوقت أثناء تدريسه للاهوت، فمنعه أسقف البحث العلمي الراحل الأنبا غريغوريوس في العام 1978 عن تدريس اللاهوت وجعله مدرسًا للغة الإنجليزية فقط.
ونشرت مجلة "روز اليوسف"، مقال تحت عنوان "تكفير البابا شنودة"، كان ذلك المقال جزء من كتاب للدكتور جورج ردًّا على بعض كتابات البابا شنودة، وصف خلالها البابا بـ "الهرطوقي"، وبأنه "أول بطريرك بروتستانتي"، كما اتهمه بالأريوسية والنسطورية والأوطاخية"، والوقوع في بدعة سابليوس، وجميعها تعتبر في حكم الهرطقة بالنسبة للكنيسة.
ثم منعه البابا شنودة في العام 1983 من التعليم تمامًا في الكلية الإكليريكية، بعد أن نشر مقالًا في مجلة الهدى البروتستانتية، يصف فيه حركة مارتن لوثر، وأفكار جون كالفن، بأنهما عودة لتعاليم الآباء، فانتقل إلى التدريس في إكليريكية طنطا، قبل أن يمنعه أسقف الغربية الراحل، الأنبا يؤانس، عن التدريس بها، رغم علاقة المحبة التي كانت تربط الاثنين.
تكفير البابا وقرار الحرمان والعزل من الكنيسة:
" تكفير البابا شنودة" مقال التي نشرته مجلة روزا اليوسف لجورج بيباوي وصف خلاله البابا شنودة بـ " المهرطق" مما تسبب خلق جدل واسع بين الأقباط ورجال الكنيسة الأمر الذي دعا مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، الأنبا باخوميوس إلى الطلب من بعض الأساقفة عقد اجتماع عاجل لبحث أمر بباوي، وعرضوا الأمر على البابا شنودة، الذي اجتمع في المجمع المقدس معهم، في يوم 21 نوفمبر 2007 ليبحثوا أمر بباوي.
وقرر المجمع عزله من شركة الكنيسة القبطية، ولاسيما أنه انضم للكنيسة الروسية، ثم إلى الكنيسة الإنجليكانية، معتبرين أنه بذلك قطع نفسه بنفسه عن شركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كما أعلن المجمع حرمانه تعاليمه ومن يتبعها، وكان الأسقف العام الأنبا تواضروس (البابا تواضروس الثاني) أحد الموقعين على هذا القرار.