د. رشا سمير تكتب: لهذا يكرهون لبنان!
عروس نصيبها أن تترمل فى يوم عرسها.. طفلة قُدر لها أن ترتحل بعيدا عن بيتها الصغير.. زهرة لوز مصيرها أن تذبل فى نيسان عقب كل محنة.. وطن انطفأ بريقه وغابت شمسه فى عتمة ليل الإرهاب.. إنه لبنان.. بلاد الأرز، والفن والجمال.. الوطن الذى وقع فى غرامه كل من يمتلكون حاسة التذوق والقدرة على صناعة العشق.. إنه لبنان، الوطن الذى كرهه الحاقدون وأصحاب المصالح وتجار الدين ومن يتشدقون بالمحبة وهى لم تسكن يوما نفوسهم.. تعودت أن أرتحل إلى تلك الأرض المتوهجة بالعشق والروعة.. من الجبل فى جونيا ومسجد المنصورى فى طرابلس ومقبرة جبران فى بشرى والمعابد الرومانية فى بعلبك والسوق القديم فى جبيل.. فمن منا لم يقع فى غرام هذه الأرض التى خرج من رحمها فيروز ووديع الصافى وجبران وغيرهم؟ ومن منا لم يتابع ما حدث من انفجار مرفأ بيروت وتداعيات هذه الكارثة الإنسانية والمالية على الشعب الباسل؟ من منا لم يتمزق قلبه أمام المشاهد الصعبة؟ ومن منا لم يتعجب من تشبث الرئيس بمقعده وكأن شيئا لم يحدث؟ ومن منا لم يضحك على مشهد الوزراء والبرلمانيين الذين نزلوا إلى الشارع ليحتفظوا بمقاعدهم فكان مصيرهم القذف بالحجارة؟ ومن منا لم يتحسر على صورة المستعمر الفرنسى الذى أصبح هو الخلاص بالنسبة للشعب فبايعوه وكأنه طوق نجاة..
الأكيد أن الفساد فى بيروت سكن كل شىء وأصبح المصير فى يد تجار الدين من عصابة حزب الله وميليشياته المدعومة من إيران..
نعم إنهم يكرهون لبنان.. يكرهون ما مثلته بيروت خلال مائة عام.. مائة عام من الحُرية والثقافة والتنوع والانفتاح..
لم يظهر عمل روائى فى لبنان أو ديوان شعر إلا وكان لبيروت وذكرياتها وتاريخ صمودها جزء منه، كم تناولت الأقلام تاريخ الحروب والطائفية وصراعاتها، وكم هامت روايات بين صفحات هذا الوطن الذى قال عنه جبران خليل جبران يوماً: «لو لم يكن لبنان موطنى، لاخترت لبنان موطناً لى»..
من قلبى وقلب كل عربى ألف سلام للبنان.. ومن بين صفحات الأدب اللبنانى أصطحبكم فى جولة إلى هذه الأرض الصامدة.
شريد المنازل (جبور الدويهى):
هذه الرواية تأهلت للقائمة القصيرة للبوكر العربية عام 2012.. رواية حروفها الوجع وأوراقها ممزوجة بدم من سقطوا دفاعا عن الوطن الجميل، تدور الرواية فى الفترة الزمنية من 1952 وهو عام ولادة البطل الرئيسى (نظام العلمى) حتى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975.. وما بين هذين التاريخين يستعرض الكاتب العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية على صعيد الأمة، وخصوصاً لبنان، وما شهدته تلك الحقبة من تحولات بعد انهزام الحلم القومى، متمثلاً بمرحلة عبد الناصر.
يروى الكاتب بقلمه مشاهد الحرب فى بيروت، حيث المدينة المنكوبة بأبنائها، بعدما كانت منارة وحلماً للبطل نظام العلمى الذى يمثل اسمه محورا مهما هو فحوى الرواية، فهو يمثل جيلاً كاملاً عاش شبه محايد لكنه يرقص على أنغام الموسيقى ودقات طبول الحرب، جيل فرضت عليه الحرب واقعا مريرا، يُحاكى فيه نظام المسلم فى الولادة، والمسيحى فى الإقامة والرعاية.. هكذا يحلم بأن يحيا فى وطن لا تجنى فيه هوية وطائفة أبنائه على أحلامهم، إنه جيل يحلم بتخطى أزمة الطائفية ولا يستطيع تحقيق الحلم، جيل يرسم معالم العلمانية التى تحتاج إليها الأجيال القادمة، الأجيال التى ولدت وعاشت أزمات وتبعيات الحرب الأهلية التى دارت فوق أرض لبنان منذ عام 1860 وكل من جايله عمراً وأحلاماً..
إن الكاتب يدعو طول الوقت بقلمه أبناء لبنان لتخطى أزمة الطائفية وأخذ بعين الاعتبار ما حدث فى لبنان إبان الحرب الأهلية..
كتب الدويهى يقول:
«رفع مسعفان الشاب الصريع على محمل، كان ممددًا فوق بقعة الدم، نائمًا على دمه، حزّماه وحملاه إلى السيارة التى انطلقت بأقصى سرعة مطلقة بوق الخطر عن آخره مع أنّ الرجل شبع موتًا. انسحب رجال الأمن بدورهم ولم يعد هناك ما يراه الفضوليون سوى بقعة الدم التى ستمحوها أرجل العابرين لأن أحدًا لن يتطوّع لتنظيفها).
طُبع فى بيروت (جبور الدويهى):
تلك الرواية ليست فقط رواية السُلطة والنفوذ والعشق.. لكنها رواية تُعرى الجميع، الأحزاب والمذاهب والطبقة الحاكمة والمحكومة، والرأسماليين.. الكل فى بيروت تحت سيف السلطان الجائر.. الطائفية.
ينتقل فريد أبو شعر خريج اللغة العربيّة البائس الفقير إلى بيروت سعياً منه لنشر كتابه الذى لم ترضَ أى دار نشر أن تنشره، ولم يفهم منه أحد ممن قرأه شيئاً.. حيث تسوقه قدماه إلى مطبعة «آل كرم» حتى بعد أن يفشل فى نشر كتابه، يكافئه القدر بالحصول على وظيفة مصّحح لغة عربية فى المطبعة.
يغوص بنا الدويهى فى عوالم الأبطال وهمومهم.. نتعرف من خلال رحلة طويلة للكاتب بتاريخ المطبعة وكل ما يملكه آل كرم من ممتلكات بعد تعرضها لحريق كبير، يمحو آثار كل ما طُبع فيها على مر التاريخ، الذى امتد من عهد الأتراك وحتى اليوم، بدءا بالمجلات النسائية، والإعلانات، العهد القديم، صحاح اللغة، كتب الصّحابة، منشورات أرباب الحرب والميليشيات، بل حتى منشورات للملحدين أو لداعيى أديان جديدة.
الرواية تروى بواقعية شديدة حقيقة ما جرى فى لبنان من صراع طائفى وسياسيين لا يهمهم سوى الكرسى والسلطة لاهثين وراء المال.
لقد تنبأ جبور الدويهى بما يحدث اليوم فى أعقاب انفجار بيروت واحتراق المنازل، فمطبعة آل كرم التى بها مسلمين أكثر من المسيحيين، هى لبنان.. هى نموذج للتركيبة المختلفة والتجربة التى لم تمارسها دولة سوى لبنان، والتى يجب أن تترك كما هى وإلا احترقت كما احترق المرفأ وضاع معها الماضى والحاضر..
قاموس لبنان (إسكندر نجار):
القاموس هو كتاب لتعريف الأشياء والأشخاص.. أسماء وعناوين، لكن قاموس إسكندر نجار المحامى والكاتب الشاب ليس إلا صفحات من عشقه الشخصى لوطنه المحبب إلى نفسه.. لبنان.
هذا الوطن الذى يمتلك قدرة على الصمود والتحدى والعبور من الأزمات تلك التى لا تمتلكها أى دولة أخرى.. يحوى القاموس شرحاً ذاتياً وموضوعياً لنحو 200 كلمة ترتبط بالمجتمع اللبنانى تاريخه وحاضره الثقافى والاجتماعى.. الكتاب كُتب أصلاً باللغة الفرنسية، يوجهه الكاتب إلى القراء الفرنسيين ليعرفهم بوطنه كما يراه ويشعر به، فالعلاقة بين فرنسا وبيروت هى علاقة تاريخية طويلة، علاقة متناغمة حتى لو كانت استعمارية، وهو ما ظهر بوضوح عقب وصول ماكرون إلى بيروت بعد حادث تفجير المرفأ فارتمى اللبنانيون بين أحضانه يبحثون عن الآمان الذى فقدوه فى علاقاتهم بحاكم مستبد وحكومة فاسدة بلا شرعية فى قلوب هذا الشعب الجميل.
فى هذا القاموس وعكس كل ما قدمته الأقلام اللبنانية من الدخول فى زوارق الحرب الأهلية والوضع السياسى فى لبنان، يستعرض هذا الكتاب روح لبنان الجميل المشرق بعيداً عن السياسة والنزاعات الداخلية من أجل إبراز تاريخه منذ الفينيقيين وحتى اليوم.
يتناول الكاتب الشخصيات التاريخية المؤثرة فى تكوين الشخصية اللبنانية مثل (فخر الدين، الأمير بشير، يوسف بك كرم، الإمام الأوزاعى) كما يستعرض سيرة مختصرة لبعض الفنانين الكبار مثل (فيروز، صباح، وديع الصافى، نزار قبانى، محمود درويش) والأماكن التاريخية مثل (صيدا، صور بيروت، جبيل، طرابلس، بعلبك) والمواضيع الثقافية مثل (الأدب، السينما، المسرح، الرسّامون، العازفون، وكل من أثرى لبنان أو أضفى عليه لبنان بصمته الثقافية المتحضرة.
تانغو فى بيروت- جرائم حُب (بارعة الأحمر):
تدور أحداث هذه الرواية فى فترة ما بعد الانسحاب الأخير للعدو الإسرائيلى من لبنان، وما حدث عقب هذه المرحلة من أحداث كان لها تأثير مباشر أو غير مباشر لكنه واضح على المجتمع اللبنانى.. أحداث تبدأ من دور المخيّمات الفلسطينية، والمربّعات الأمنيّة، وحوادث نهر البارد..
أبطال هذه الرواية كما يبدو منها أنهم شخصيات حقيقية مروا بحياة الروائية، مثل دجو، وليد، ريم، رانيا، روبرت، والوالدة، أم جوزف وأبوه، والدبلوماسى.
تتناول مثل الكثير من الأقلام اللبنانية بارعة الأحمر مأساة لبنان الحقيقية وواقعها المذرى الذى يدور فى فلك الطائفية والفساد وما خلفته الحرب من دمار فى نفوس كثير من اللبنانيين.
كتبت الروائية تقول:
«رأيت البشر يغرقون فى نفوسهم الصغيرة، رأيتهم يدورون حول أنفسهم، يلعبون لعبة الكراسى، وتتوقف الموسيقى فيختنقون فى قلوبهم الضيقة، بحثت عن الله فى وجوه الناس فما رأيت وجوها.. وجدت أقنعة ملونة وصلبة تخبئ الشياطين وراءها».