د. نصار عبدالله يكتب: مراكز وزارة العدل لنشر الكورونا

مقالات الرأي




يوم الخميس الماضى 6/8 وقبيل حلول الساعة الثامنة صباحا بعشر دقائق تقريبا وصلت إلى المكتب (النموذجى) للشهر العقارى بسوهاج لعمل توكيل!! (لاحظ أن «النموذجى» هو فقط اسم المكتب.. مجرد اسم لا صلة له بالحقيقة من قريب أوبعيد).. وفى ساحة المكتب المتسعة التى تنتشر المقاعد والدكك الخشبية فى جوانبها المختلفة فوجئت بمشهد مروع وهو أنه لا أحد إطلاقا يجلس على تلك المقاعد حيث احتشد عدد من المواطنين يتراوح تعدادهم ما بين سبعمائة إلى ألف شحص بشكل متلاحم تماما على هيئة قوس سميك يبلغ محيطه نحو نصف أو ثلاثة أرباع دائرة ولا يقل سمك أية نقطة فيه عن تسعة أو عشرة أشخاص يقفون متلاحمين ومنضغطين ببعضهم البعض، وفى المركز كان هناك شخص نحيل يتلو بعض الأسماء، وقد سألت أحد الواقفين عن ماهية تلك الأسماء التى يتلوها فأجابنى بأنها أسماء أولئك الذين قاموا بتسجيل دورهم بعد صلاة الفجر.. أغلب المحتشدين الملتحمين لا يرتدون كمامات، والقليلون فقط منهم هم الذين يرتدونها، أى أن هذا المركز النموذجى لأعمال الشهر العقارى قد تحول فى الحقيقة إلى مركز نموذجى لنشر الكورونا.. وبالطبع سارعت بالفرار فورا دون أن أقوم بالتوكيل! لكننى سألت نفسى وقتها: لماذا لا تقوم إدارة المكتب بعد الرجوع إلى المسئولين بالطبع لماذا لا تقوم بتركيب سماعات موزعة على ساحة المكتب التى هى فسيحة جدا، حتى يتسنى للمواطنين أن يسمعوا أسماءهم بدون الحاجة إلى مثل هذا التلاحم.. هل عدم التفكير فى مثل هذا الحل راجع إلى عدم اللامبالاة من جانب المسئولين فى المكتب أم أنه راجع إلى غياب قدرتهم على التفكير خارج الصندوق؟ أو ربما غياب قدرتهم على التفكير أصلا؟.. أم أنه راجع إلى انعدام القدرة على التمويل ؟؟ أين إذن تذهب إيرادات الشهر العقارى ؟؟ وهل هناك أهم من صحة المواطنين وراحتهم لكى تذهب إليها هذه الإيرادات؟.. وإذا قيل إن الزحام راجع إلى العجز فى القدرة البشرية للمكاتب، فلماذا لا تقوم الوزارة بتعيين أعداد كافية من الموظفين فتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد حيث تسهم ولو بقدر محدود فى حل أزمة البطالة، وتسهم فى نفس الوقت فى التخفيف من حدة التكدس، وإذا قيل بأن الموظفين الجدد فى حاجة إلى تأهيل طويل، فهناك الكتبة العموميون الذين كانت تكتظ بهم المكاتب فيما مضى والذين كانوا يسهمون إسهاما ملموسا فى سرعة إنجاز الأعمال المطلوبة نظرا لخبرتهم الطويلة وإلمامهم بكافة النظم والإجراءات المطلوبة، ثم قامت الوزارة فجأة بإلغاء تراخيصهم لأسباب لا نعلم تفصيلاتها؟ربما كان بعضهم قد ارتكبوا أو ساهموا فى ارتكاب أخطاء ما، لكن الذى نعلمه أن أول مقتضيات العدالة هى معاقبة المخطئ وحده وليس إلغاء المهنة بأكملها!! لماذا لا تتسلح الوزارة بالشجاعة الأدبية وتعترف بخطئها الذى وقعت فيه وتقوم بإعادة الترخيص لهم بعد تزويدهم بأجهزة لاب توب لمواكبة التطور الذى حدث فى طريقة تحرير التوكيل واستخراجه؟؟ وأخيرا يبقى تساؤل مهم عن مصير تلك التصريحات التى دأب السادة الوزراء على إطلاقها وهو أنه لن تمضى سنوات معدودة حتى تتحول سائر الخدمات الحكومية إلى خدمات ذكية حيث سيستطيع المواطن وهو فى منزله أن يحصل عن طريق الإنترنت على كافة التراخيص والشهادات المطلوبة، ولقد مضت سنوات عديدة دون أن نرى شيئا من مثل هذه الحكومة (الذكية) أو التى يفترض منها أن تكون كذلك، ولو أنه كان قد تحقق ولو بشكل محدود لكان مثل هذا التحقق قد ساعد مساعدة ملموسة فى تحقيق التباعد الاجتماعى المطلوب فى المرحلة الراهنة، وأعود مرة أخرى إلى ما شاهدته فى مركز سوهاج النموذجى والذى مازال قائما ومتكررا إلى الآن، أعود إليه لكى أتساءل: لماذا لم يتم تطبيق الغرامات القانونية على الذين لم يلتزموا بالاحترازات المطلوبة، وقد كان من السهل جدا تطبيق تلك الغرامات بعد أن قام المكتب بجمع بطاقاتهم تمهيدا لعمل التوثيقات المطلوبة، فمن خلال البيانات المدونة على كل بطاقة كان يمكن عمل محضر بالغرامة للمخالفين وتحصيل قيمتها فوريا جنبا إلى جنب مع الرسوم المطلوبة للتوثيق، وأظن أن الأهمية الحقيقية لذلك لا تتمثل فى المبالغ التى كان يمكن أن يتم تحصيلها أيا ما كانت قيمتها، ولكن الأهمية الحقيقية تتمثل فى تعويد المواطن المصرى على أن يحترم القوانين ويأخذها مأخذ الجد، وهذا هو العامل الأول فى تقدم أية أمة من الأمم