هكذا احتفل المصريون بأعياد وفاء النيل عبر العصور
يوافق اليوم الخامس عشر من أغسطس، عيد هام بدأ أجدادنا المصريين القدماء الاحتفال به منذ عام ٤٢٤١ ق.م، وظل يحتفل بهذا العيد الهام طوال العصور، وإن اختلفت بعض مظاهره، وحتى الآن فهو عيد يوجد في الأجندة المصرية، وعبر التقرير التالي يلقي لنا الخبير الأثري مجدي شاكر، الضوء على هذا العيد وبدايته، وأسباب الاحتفال به ومظاهره عبر العصور حتى وقت قريب.
قال شاكر في تصريحات إلى الفجر، إن النيل كان وسيظل عنصر الحياة الأساسي لمصر وعندما قال هيردوت إن مصر هبة النيل رد عليه محمد شفيق غربال مصر هبة النيل والمصريين كيف لا وهم من روضوه وأقاموا عليه السدود، وحفروا الترع لنقل مائه وأقاموا حوله قراهم ومدنهم، بل وقدسوه وجعلوا له الآلهة فهذا حابى الذى صوروه على هيئة رجل ضخم له أرداف وأثداء كبيرة رمزا الخصوبة، ويجمع بين صفات الرجل والأنثى ويحمل خيرات النيل من أسماك وزهور وطيور، وفوق رأسه رمزي مصر البردى واللوتس وحابى هذا لم تكن له معابد ولا كهنة يقومون على خدمته فهو يعبد في كل مكان.
وقدسوا التمساح سوبك والكبش خنوم والضفدعة حقت والمياه الأزلية نون، وكانوا يسمونه في لغتهم أيتوروعا وكلمة النيل نسبة للكلمة اليونانية نيلوس وكان وذكر ديودور الصقلي أسموه إيجبيتوس نسبة لذكرى ملك مصر يدعى نيليوس وكان من شروط دخولهم الجنة أن يعترف أمام الآلهة أنه لم يلوث مياه النهر ولا يحبسه عن جاره وكان يرسل خطابات الأموات بأنه لم يصب لهم الماء لتهديدهم.
وتابع كانت مائه هي قربان التطهير الأساسي ويطهر به الملك والكهنة في أواني ذهبية قبل صلاتهم وأسمو الماء مو وأقاموا له عيدًا خاصًا به أسموه عيد وفاء النيل فما هو وكيف بدأ وهل كانت عروس النيل حقيقة أم أسطورة ؟
نعود لعام ٤٢٤١ق م ونشاهد الكهنة الفلكيين جالسين في مرصدهم في مدينة بر حعبي أي بيت الإله حابي وهي منطقة الروضة الآن وتقع بين مدينتي أون ومنف وهم ينظرون بأجهزتهم نحو السماء في اليوم الخامس عشر من بؤونه وذلك قبيل شروق الشمس مباشرة ونراهم يهللون لرؤية نجمة الشعرى اليمانية التي أسموها سوبدة أو سوتيس وهي تشبه في شكلها الجروة أي الكلبة الصغيرة أو في هيئة امرأة تحمل ريشتان تلمع، تحترق في السماء وهو ما يسمى بالاحتراق الشروقي وهذا يبشر بمجيئ الفيضان، وهذه العلامة "الاحتراق الشروقي" كانت تمثل بداية سنتهم الجديدة طبقًا لأول تقويم في العالم وهو التقويم النيلي وهو يسبق التقويم الشمسي والقمري.
وأضاف شاكر، وكانوا يحتفلون بعيد النقطة أي نقطة إيزيس ودموعها على زوجها أوزريس حيث اعتقدوا أن النيل ينبع من نزول دموعها ثم ينتظرون إلى أن تلون مياه نهرهم باللون الأحمر من الطمي في النصف الثاني من أغسطس ويبلغ ارتفاع مياهه ستة عشر ذراع وهو الحد الكافي الآمن من المياه يقيسون ذلك بمقاييس محمولة عبارة عن عود بوص مرقم كان يحفظ في المعبد أو مقياس حجري مرقم بجوار المعبد يسمى مقياس النيل عندها يخرج الفرعون أو نائبه وكل الكهنة وكبار رجال الدولة وكل الشعب عن بكرة أبيه يحتلفون ويرقصون وينشدون أناشيد تسمى أناشيد النيل ويقذفون الزهور ويذبحون عجل أبيض.
وتابع، وكانوا يقذفون أيضًا بتماثيل صغيرة ذهبية وطينية وخشبية للرب حابى إله النيل ليتزوج ويعود عليهم بالماء الوفير والخصب وكيف لا يفعلون ذلك له وهو عماد حياتهم وصانع حضارتهم ثم يتفرقون سريعًا فليس هناك وقت حيث يشيدون السدود والخزانات حتى لا يدمر حقولهم فهو إن زاد دمر وأن قل أمات لذا كان لزاما عليهم أن يشيدوا السدود والخزانات للحماية وحفر وتطهير الترع لتوصيل المياه.
وقال شاكر، وكانوا يستغلون فيضانه لنقل البضائع والمسلات والأحجار لبناء المعابد والمقابر فهو الذي ساعدهم في نقل ثقافتهم وأفكارهم وبضائعهم والتبادل التجاري مع جيرانهم وساعدت هدوء رياحه على انتقال المراكب من الشمال للجنوب والعكس فكان وسيلة المواصلات الرئيسية وعامل الربط بين الأقاليم.
في العصر الإسلامي
وأكد شاكر أن عادة الاحتفال بعيد وفاء النيل استمرت في العصر الإسلامي مع تغير الطقوس فبعد قياس النيل يوم ١٢بؤونه في العصر العباسي تعم الاحتفالات خاصة إذا زاد عن ١٦ذراع وفي العصر الفاطمي يجتمع المشايخ بجوار جامع مقياس النيل في الروضة لختم القرآن وصباحًا يركب الخليفة لهم ويعلن بدء العيد حيث تقام الأفراح في البلاد.
واستمر الاحتفال في العصر الأيوبي والمملوكي ووصفه المؤرخ بن أياس في العصر المملوكي حيث يخرج ذهبية السلطان من بولاق وهي متزينة بالزهور والأعلام حيث يستقبله الأمراء بالطبول واستمر حتى وقت قريب حيث تحتفل به في النصف الثاني من أغسطس وذلك على مراكب نيلية وفي حضور كبار رجال الدولة في القارب ذو الشكل الفرعوني ويسمى العقبة وكانت تدوى طلقات المدافع ويقوم مفتى الديار المصرية بعد إقرار شهادة كبار العاملين الرسميين بأن النيل قد وصل لمنسوب ٢٢ذراع وقيراطين وأنه القدر الكافي للزراعة والري تعلن حجة وفاء النيل لجمع الضرائب.