تقارير سرية تكشف بالأدلة تمويل الدوحة لحزب الله الإرهابي
عادة ما يتم إخفاء عالم الاستخبارات السري والوكلاء الخاصين والعقول المدبرة بعيداً عن الجمهور، ونادراً ما ترتفع الستارة لتكشف الخبايا عن كثب، إلا أن العكس حصل خلال الساعات الماضية في ألمانيا.
فقد كشف "مقاول" أمني أطلق عليه اسم
جيسون ج، عمل مع مختلف الأجهزة الأمنية ووكالات الاستخبارات وعبر شركته الصغيرة
الخاصة متجولاً حول العالم بما في ذلك الدوحة، معلومات خطيرة نشرتها صحيفة
"داي زايت" الألمانية. وأشار إلى معلومات تؤكد تمويل جمعية في الدوحة
لميليشيات حزب الله، بعلم بعض المسؤولين الحكوميين، وفقا للعربية.
كما أفادت المعلومات التي حصل عليها الرجل إلى
عقد صفقة أسلحة لذخائر حرب من أوروبا الشرقية كان من المفترض أن تصل إلى شركة في
قطر، كما كان هناك تدفقات مالية من العديد من القطريين الأغنياء واللبنانيين
المتواجدين في الدوحة إلى حزب الله.
وأكد الصحافيان المخضرمان: ياسين مشربش، وهولجر
ستارك اللذين اطلعا على المعلومات الواردة ضمن ملف كبير أن هذه التبرعات تمت
بمعرفة مسؤولين حكوميين مؤثرين من خلال منظمة خيرية في الدوحة.
كما اعتبرت الصحيفة أن من شأن تلك الأدلة على
تدفق الأموال من قطر إلى مجموعة إرهابية أن تزيد الضغط على الدوحة ولربما فرض
عقوبات عليها.
وبحسب الصحيفة الألمانية فقد عرضت قطر على جيسون مبلغ 750 ألف يورو لشراء صمته بشأن ما، لكن المفاوضات فشلت، مقدرة أن قيمة تلك المعلومات تزيد عن هذا الرقم بكثير.
يذكر أن الدوحة تعد لاعبًا نشطًا، بشكل مذهل في
عالم الظل لدى الاستخبارات، وقد تعرضت لانتقادات متكررة بسبب دعمها للجماعات
المتطرفة، بحسب ما أفاد التقرير.
وفي التفاصيل، بدأت القصة نهاية عام 2017، حين
التقى جيسون ج. بمحامٍ كان على اتصال بسياسيين ألمان، وقدمه بدوره إلى المستشار
السياسي في برلين، ميشائيل إيناكير.
وكان إيناكير يعمل في شركة يوروكوم
WMP الاستشارية منذ عام 2014، قبل أن يصبح رئيس
مجلس إدارتها عام 2015.
لفتتهما المعلومات الغنية التي حصلا عليها عن
الدوحة وحزب الله. فوضع جيسون جي، بالإضافة إلى المحامي مواد الإدانة التي تجرم
الدوحة، على طاولة التفاوض، ساعيَيْن إلى مقايضتها بالمال، في وقت قدرت قيمة الملف
السري الذي يحتوي على تلك المعلومات بعشرة ملايين يورو.
وكان السؤال اليتيم الذي يدور في ذهن العميل
الأمني ومحاميه يتمحور حول ثمن مقايضة ملف كهذا، بحسب ما قال إيناكير، لاسيما بعد
أن وجد المخبر أن المادة يحتمل أن تكون مهمة جدا لمكافحة تمويل الإرهاب، ولهذا سعى
إلى الاتصال بالسلطات الأمنية الألمانية من أجل تقييمها على أعلى مستوى، فكانت
النتيجة مثيرة للاهتمام.
وفي سياق التفاوض على الثمن هذا، رتبت شركة
يوروكوم اجتماعات مع دبلوماسيين قطريين، خاصة أن إيناكير معروف من قبل أحد كبار
الدبلوماسيين القطريين، وقد اعترف لاحقا بأنه "أعطى" معلومات إلى
"الوكلاء القطريين.
ففي بداية 2019 اجتمع إيناكير و جيسون جي
والدبلوماسي القطري وتناولوا الغداء في بروكسل من أجل مناقشة التفاصيل.
وبحسب جيسون فإن وساطة إيناكير فتحت الباب لعقد
6 اجتماعات لاحقة بينه والدبلوماسي القطري، الذي أعرب عن سعادته لأن جيسون جي أبدى
استعداده لمساعدة الدوحة، بمعنى استخدام المعلومات من الملف لإزالة "أسماء
الأشخاص القطريين المشتبه بهم.
إلا أن الدبلوماسي رفض لاحقا بعد كشف تلك
المعلومات الرد على استفسارات صحيفة "داي زايت" الألمانية.
إلى ذلك، قال جيسون جي إنه تلقى 10000 يورو
نقدًا عدة مرات خلال الاجتماعات المتعاقبة، لافتا إلى أن القطريين دفعوا 100 ألف
يورو أخرى، لكن دون وجود صك أو عقد أو أي دليل مكتوب على ذلك.
وفي بداية شهر يوليو من عام 2019، أبرم جيسون
جي والدبلوماسي القطري صفقة؛ حيث اطلعت "داي زايت" على مذكرة تفاهم جاء
فيها بأن جيسون تلقى 10.000 يورو شهريًا لمدة عام كمستشار، على أن يلتزم القطريون
بعدم ملاحقته بالتجسس وعدم مشاركة معلوماته مع دول أخرى.
إلى ذلك، قال جيسون جي: "إن لديه أسماء
مانحين ومؤيدين للقطريين، بما في ذلك لواء مؤثر كان على اتصال مع القوات المسلحة
القطرية والجيش القطري.
وفي أغسطس 2019، دخلت شركة جيسون جي في اتفاقية
رسمية مع يوروكوم أتمها الرئيس التنفيذي إيناكير، وأفادت وثيقة اطلعت عليها
الصحيفة بأن شركة جيسون جي مهتمة بتطوير العلاقات التجارية مع قطر".
كما نصت الوثيقة على أن جميع المعاملات التي
"تؤدي إلى صفقة"، تحصل جراءها يوروكوم على عمولة بنسبة 20%.
إلى ذلك، أفاد جيسون بأنه التقى إيناكير
بانتظام وأعطاه حصته من مدفوعات قطر نقدًا. وقد أظهرت بعض الإيصالات قيام عضو
عسكري قطري بتحويل 15000 يورو إلى جيسون في شهر مارس وحده.
في المقابل، نفى إيناكير الأمر قائلا إن
"جيسون جي"طرح عدة مرات شفهيا أفكارًا تتعلق بنسبة مئوية من عائدات بيع
معلومات معنية، ولكن لم يتم التوصل إلى عقد".
لكن هذا الادعاء ليس صحيحا على ما يبدو، بحسب
الصحيفة، فبعد أسابيع قليلة من الاتفاقية الأولى، أبرمت شركة جيسون جي وإيناكير
اتفاقية ثانية، وقد اطلعت عليها الصحيفة الألمانية، ونصت في حينه على أن لدى شركة
جيسون جي "اتصالات واسعة وعلاقات مع العملاء المحتملين" لشركة يوروكوم
"المهتمة في كسب عملاء جدد"، بينما تلتزم شركة جيسون جي بتمكين وتعزيز
"اتصالات وعقود العملاء المناسبة" على أن تحصل على 27.5% من مبيعاتها.
في المقابل، يحق لشركة يوروكوم أيضًا الحصول
على عمولة بنسبة 27.5% من قيمة الأعمال التي توسطت فيها شركة جيسون جي "في
مجال تحليل المخاطر"، وبعد طلبات متعددة اعترفت يوروكوم بوجود الاتفاقية
الثانية.
في المقابل، امتنعت كل من حكومة قطر والسفير في
برلين عن التعليق على تلك التفاصيل، وأكد متحدث باسم الحكومة بأن "قطر تلعب
دورًا مركزيًا في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرّف في الشرق الاوسط"؛
وأن لدى بلاده "قوانين صارمة لمنع تمويل الإرهاب من قِبَلْ الأفراد"،
ومن يقدُم على ذلك فسوف يُقبض عليه بقوة القانون الصارمة.
إلا أن جيسون جي كشف أنه طلب من محاميه الجديد
في برلين عدم التوقيع على اتفاقية عدم الإفصاح تحت أي ظرف من الظروف، مع المسؤولين
القطريين.
وقد حصلت الصحيفة الألمانية على البريد
الإلكتروني الذي يؤكد حصول هذا العرض مقابل عدم الإفصاح.
أما عن سبب دخوله في التفاوض من الأساس، فقال
جيسون إنه اعتقد أن القطريين جادون، لا سيما بعد أن وعدوه بأنهم سيتخلصون من أي
ممول لحزب الله في الداخل.
في بداية شهر مايو، التقى جيسون ج مرة أخرى
بإيناكير، مالك شركة العلاقات العامة ليتناقشوا، وقد تمحور الحديث، بالإضافة إلى
أمور عدة، العرض المقدم من قطر لإبرام اتفاقية عدم الإفصاح عن تمويل حزب الله، حسب
الإقرار القانوني لمحامي جيسون ج الجديد في برلين.
وردًا على سؤال "داي زايت" نكر إيناكير معرفته بمضمون "المفاوضات التي ربما تكون قد جرت بين المخبر والممثلين القطريين، لكنه أقر جرّاء الاستفسارات المتكررة بأنه كان على معرفة بعرض الالتزام بالسرية، لكن الأمر لم يكن أبدًا في رأيه يتعلق بالتستّر.