من مكتبة الإسكندرية.. حكايات الدراهم والدنانير المملوكية
قال الدكتور محمد حمدي خبير المسكوكات بمكتبة الإسكندرية، إن المماليك كانوا جنودًا شجعانًا تصدوا بكل حسم لجيوش المغول الذين كادوا أن يجتاحوا العالم شرقًا وغربًا، ولولا هؤلاء المماليك لقضى المغول علي الحضارة الإنسانية، فلم يكن ليقف في سبيلهم أي قوة أخري علي وجه الأرض، لو قدر لهم هزيمة المماليك في معركة عين جالوت.
وتابع: تميزت النقود في مصر بعصر المماليك بظهور أول إصدار نقدي لسيدة حاكمة تولت عرش مصر في العصر الإسلامي وهي الملكة "شجر الدر"، باعتبارها أول سلطانة في دولة المماليك، وظهور الرنوك الحيوانية كرنك "الأسد" شعار السلطان الظاهر بيبرس، والعبارات الدالة علي إعادة إحياء الخلافة العباسية.
وأضاف حمدي أن عودة الخلفاء العباسيين لسك النقود بأسمائهم بعد سنوات من قضاء المغول علي دولتهم، حين قام الخليفة العباسي بالقاهرة المستعين بالله بسك النقود باسمه في عصر المماليك الجراكسة، وقد استمر المماليك في سك النقود بأسمائهم حتي أخر سنة لحكمهم، حين سك طومان باي النقود باسمه قبل أيام من دخول العثمانيين إلي القاهرة
وأشار إلى أن النظام النقدي المملوكي كان نظامًا ثلاثي المعادن، بمعنى أن النقود الذهبية والفضية والنحاسية كانت موجودة وتداولت تلك النقود معًا، وكانت قيمتها متعلقة ببعضها، حيث كانت معتمدة علي بعضها ومتغيرة بشكل متكرر
وأضاف حمدي أنه علي الرغم من قيام سلاطين المماليك بإصدار فئات نقدية متنوعة ذهبية وفضية ونحاسية، فالفترة الأولي من حكم المماليك المعروفة لفترة حكم المماليك البحرية تميزت بسيادة النقود الفضية في التعامل النقدي استمرارًا للتقاليد الأيوبية، في حين تميزت الفترة الثانية المعروفة بفترة حكم المماليك الجراكسة بسيادة النقود النحاسية حتي عرفت لدي المتخصصين ب"عصر النحاس"
وشهدت نهاية العصر المملوكي البحري بداية ظهور الدوكات البندقية في أسواق التعامل في مصر لأول مرة، مما أدي إلي انتشارها وإقبال الناس علي تداولها، مما جدًا بالسلاطين المماليك إلي القيام بعدة محاولات لوقف سيطرة الدوكات علي سوق النقد في مصر.
وتابع حمدي أن الناصر فرج بن برقوق سنة 803 هجري 1400 ميلادي قام بسك الدينار السالمي نسبة إلي الأمير يلبغا السالمي المسئول عن دار السك، وأتبعها بمحاولة ثانية في سنة 810 هجري 1407 ميلادي بسك الدينار الناصري علي وزن الدوكية، وقام الأشرف برسباي في سنة 829 هجري 1425 ميلادي بسك الدينار الأشرفي الذي لاقي قبولا في سوق النقد في مصر.
أما الدراهم المملوكية، فقد شهد عهد الظاهر بيبرس تحررها من النمط الأيوبي، حيث تعد الطرز التي سكها بداية للطراز المملوكي، كما تمتعت بشكل ووزن وعيار مخالف للدراهم الكاملية الأيوبية، كما شهد عهد المؤيد شيخ في سنة 817 هجري1414 ميلادي سك الدراهم المؤيدية، بهدف إعادة النظام القديم إلي حساب نسب الإبدال بين الذهب والفضة
أما النقود المملوكية، فقد كانت في العصر المملوكي البحري نقودا رمزية لها قيمة محلية وتداولية محضة، وكانت القوة الشرائية للعملات النحاسية محدودة جدا وخدمت حصرا احتياجات الحياة اليومية غير أنها شاعت بكثرة في العصر المملوكي الجركسي، بسب قيام محمود بن علي الاستادار المتولي أمر الأموال السلطانية في سنة 794 هجري 1391 ميلادي بغمر الأسواق المصرية بأعداد كبيرة من النقود النحاسية التي ضربها من النحاس الأصفر الذي استورده من أوروبا مقابل بيع الفضة لها.
وختم حمدي كلماته قائلًا: قد ضرب بعدها بدار سك القاهرة، وبعضها بدار سك الإسكندرية التي كانت قد توقفت عن العمل حتي أعاد محمود بن علي فتحها لضرب الفلوس، وقد أدي ذلك إلي إنهيار النظام النقدي المملوكي والتسريع بانهيار الدولة.