"من الخرنفش".. "الفجر" تلتقي أقدم معاصري صناعة كسوة الكعبة بمصر (فيديو)
التقت بوابة الفجر الإلكترونية بـ"عم سيد"، أحد أكبر الموجودين حاليًا في شارع الخرنفش، وله أحد المحال التجارية؛ أمام مبنى صناعة كسوة الكعبة المشرفة، والذي بني في عهد محمد علي باشا.
وقال "عم سيد": "أنا مواليد عام 1957م، حيث شاهدت موكب أو خروج الكسوة المشرفة وكنت لازلت صغيرًا، ولا أتذكر الكثير من التفاصيل، ولكن أبي وجدي حكوا الكثير من الذكريات عن هذا الموكب العظيم"
وأضاف، "كانت كسوة الكعبة تصنع هنا في هذا المبنى، وقد عاصرته وهو لازال برونقه، ولم يصل إلى هذا الحال، حيث كان يحمل لافتة تفيد بتبعيته لوزارة الداخلية ثم بعد ذلك أصبح تابعًا للآثار"، مشيرا إلى أن الصناع كانوا يستغرقون عامًا، كاملًا في صناعة الكسوة المشرفة، ثم تخرج من دار صناعتها إلى موكب المحمل الذي يطوف القاهرة ثم ينطلق إلى الأراضي الحجازية"
وختم عم سيد كلماته قائلًا إن كسوة الكعبة المشرفة ظلت مصر ترسلها بشكل منتظم مئات السنين، منذ عهد شجر الدر، وحتى عام 1962م.
اقرأ أيضًا.. تاريخ الكسوة المشرفة
الكعبة المشرفة هي أقدس بقعة للمسلمين على وجه الأرض تهفو أفئدتهم إليها ويتمنون زيارتها والطواف حولها ولو مرة في العمر، بهيبتها وجلالها وجمال ثوبها الأسود وأحزمتها الذهبية، غير أننا لا نعرف كسوة الكعبة ذات اللون الأسود والأحزمة الذهبية المطرزة بآيات القرآن الكريم لم تستقر على هذا الوضع إلا منذ القرن السابع الهجري.
الكسوة أيام إبراهيم عليه السلام
كسوة الكعبة قبل القرن السابع الهجري كان يتغير لونها من عهد إلى آخر، ومنذ أن قام إبراهيم عليه السلام برفع القواعد من البيت وابنه إسماعيل قام بكسوة الكعبة المشرفة كما يذكر الطبري في تاريخ الأمم والملوك.
ثم جاء أسعد أبو كرب ملك حمير، حيث ثبت تاريخيًا أنه أول من ثبت تاريخيًا بأنه جعل للكعبة بابًا وكساها ثوبًا من الأديم (الجلد) البني الفاتح في القرن الرابع الميلادي تقريبًا.
الكسوة قبل البعثة
وحكت لنا النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت عن شكل كسوة الكعبة قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت "رأيت على الكعبة مطارف خز أخضر، وأصفر، وكرار، وأكسية من أكسية الأعراب وشِقاق شَعَر"، وقال عمر بن الحكم السلمي: نذرت أمي بدنة والنبي يومئذ بمكة لم يهاجر، وجاء في حديثه: "فنظرتُ إلى البيت يومئذ وعليه كسوة شتوية من وصائل "ثياب حمراء مخططة" وأنطاع "جلود"، وكرار، وخز، ونمارق عراقية، كل هذا قد رأيته عليه".
الكسوة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
وسبب كسوة الكعبة بنسيج متعدد الأشكال أن الأغنياء كانوا يهدون لها الأكسية تغطي بعضًا منها، فيوضع عليها أكثر من كساء، وعندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أبقى على كسوة قريش لها حتى جاءت امرأة تطوف بالبيت وتبخّره فاحترقت كسوة قريش فكساها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية وهي ثياب مخططة بيضاء وحمراء.
الكسوة في عهد أبوبكر وعمر
وألبس الخليفتان أبو بكر ومن بعده عمر رضي الله عنهما، الكعبة المشرفة ثيابًا بيضاء تسمى القباطي، وهي أثواب بيضاء رقيقة تصنع في مصر.
الكسوة في الخلافة العباسية
عبد الله بن الزبير كسا الكعبة عام 64هـ683 م بالديباج الأحمر، وفي أيام الخلافة العباسية كُسيت باللون الأبيض، قال الفاكهي (ت 272هـ885 م): "رأيت كسوة لهارون الرشيد من قباطي مصر (أبيض رقيق) مكتوب عليها (بسم الله بركة من الله للخليفة الرشيد عبدالله هارون أمير المؤمنين -أكرمه الله - مما أمر به الفضل بن الربيع أن يعمل في طراز تونة سنة تسعين ومائة"، وفي سنة 200هـ815 م قدم مكة حسين بن حسن الأفطسي الطالبي وملكها، وكسا الكعبة ثوبين رقيقين من حرير أحدهما أصفر، والآخر أبيض، ثم في عهد المأمون سنة 206هـ822م صار يكسوها ثلاث مرات في السنة، فيكسوها الديباج الأحمر يوم التروية، والقباطي (أبيض رقيق) يوم هلال رجب، والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان.
الكسوة الفاطمية
لما تملك الفاطميون مكة ثبَّتوا الكسوة البيضاء وفي سنة 456هـ1064 م بعث ملك شاه سلطان السلاجقة كسوة للكعبة من الديباج الأصفر، ثم استمرت كسوة الفاطميين البيضاء مدة حكمهم للحجاز، وفي خلافة الفاطميين حج الداعي الإسماعيلي ناصر خسرو سنة442هـ1051م ووصف كسوة الكعبة في كتابه "سفر نامة" بقوله: "وَالكسوة التي تغطى بها الكعبة بيضاء، وقد طرزت في موضِعين عرض كل منهما ذراع، وبينهما عشر أذرع تقريبا، ومن فوقهما وتحتهما عشر أذرع أيضا بحيث ينقسم ارتفاع الكعبة إِلى ثلاثة أقسام كل منها عشر أذرع بواسطة طرازي الكسوة ".
وبعد سقوط الدولة الفاطمية كساها الخلفاء العباسيون الديباج الأبيض، وغيَّر الخليفة الناصر قبل سنة 614هـ 1218م لون الكسوة إلى اللون الأخضر، حيث كساها أول حكمه بالديباج الأخضر، وقد شاهدها باللون الأخضر ابن جبير في رحلته سنة 614هـ 1218 م حيث قال في وصفها: "وكسوة الكعبة المقدسة من الحرير الأخضر".
كسوة الكعبة تستقر على الأسود
ثم غيَّر الخليفة الناصر العباسي، (ت622هـ 1225 م) كسوتها إلى الديباج الأسود وهو شعار العباسيين، وقد ثبت لونها الأسود منذ ذلك الحين إلى اليوم، وقد شاهدها الرحالة الذين زاروا مكة في القرون التي تلت القرن السابع بهذا اللون كالرحالة ابن بطوطة سنة 728 هـ،،والمرة الوحيدة التي تغير لونها منذ ذلك الحين كانت في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز من أئمة الدولة السعودية الأولى فقد كساها سنة 1221هـ 1807 م الخز الأحمر "قماش من صوف ناعم وحرير"، ثم عاد إلى كسوتها باللون الأسود.