محمد مسعود يكتب: أساطير الدراما 6.. "أرابيسك" أيام حسن النعمانى
عادل إمام اعتذر عن بطولة المسلسل بسبب رفض أسامة أنور عكاشة إجراء تعديلات.. والمؤلف: «أنا مش ترزى»
محمود عبد العزيز حدد موعدا لتوقيع العقود وخبر صحفى يؤكد أنه بديل لعادل إمام للمرة الثانية دفعه للاعتذار
أحمد زكى وافق على بطولة المسلسل بدون تعديلات بشرط انتظار انتهاء تصوير فيلم «ناصر 56» فبحثوا عن بديل لاقتراب رمضان
ارتباط الفخرانى بمسلسل «لا» ونور الشريف بـ«عمر بن عبدالعزيز» يهدى دور البطولة لصلاح السعدنى
محمود الجندى أول المرشحين لدور الأسطى «عمارة» وأبو بكر عزت بديلا
إسماعيل عبدالحافظ المرشح الأول لإخراج المسلسل.. وسهرة درامية تهدى جمال عبد الحميد مهمة إخراجه
لوسى تسترجع حكايات «أنوار» من شارع فيصل إلى ستوديو الأهرام
ترشيح فردوس عبدالحميد وهالة فاخر لدور «عدولة».. وسهير المرشدى اختيار توافقى بين المؤلف والمخرج
فى مسلسل «الراية البيضاء» الذى كتبه عميد الأدب التليفزيونى أسامة أنور عكاشة وأخرجه المخرج الكبير محمد فاضل عام 1988، لم يكن صراع «فضة المعداوى» مع السفير السابق «أبو الغار»، على قطعة أرض أو فيللا، بل كان صراعا بين الأصل والزيف.. بين جذور الثقافة.. ومحصول الجهل.. كانت الفيللا مجرد رمز لصراع تحول تدريجيا إلى حرب ضروس.. بين قمة المجتمع وقاعه.
وبعد نحو 6 سنوات، وبالتحديد فى عام 1994 قدم الكاتب الراحل الفذ صراعا من نوع آخر.. صراع الهوية والثقافة من خلال فيللا الدكتور برهان، وزوجته الدكتورة ممتاز التى كانت تحلم بجمع الحضارات المختلفة داخل فيللا واحدة.. وأوكلت الأمر إلى «حسن» فنان الأرابيسك الأصيل.. الذى رفض عمل «كوكتيل الحضارات» وقرر هدم الفيللا لتبنى من جديد.. فى محاولة للبحث عن أصل الهوية المصرية.. مع جملة حوارية مهمة: «لما نعرف إحنا مين.. هنعرف عايزين إيه».
وقبل عرض المسلسل بعام واحد، سألت المذيعة الكبيرة سهير شلبى ضيفها فى برنامج «دردشة»، الكاتب الفذ أسامة أنور عكاشة عن الجديد الذى سيقدمه للتليفزيون فى رمضان القادم الموافق 1994، فقال: «فى عمل للتليفزيون هيكون بطولة الأستاذ عادل إمام».
1- الزعيم.. والعميد
الأستاذ أسامة رحمه الله كان يتحدث عن رائعته الخالدة «أرابيسك».. وفى هذه الفترة كان الزعيم عادل إمام يصور فيلمه «الإرهاب والكباب» للكاتب الكبير وحيد حامد والمخرج شريف عرفة، وكانت الحلقات تصل إليه عن طريق وسطاء أو أصدقاء المؤلف الراحل وهما المخرج الكبير جمال عبد الحميد والفنان شوقى شامخ، وأثناء إحدى زياراتهما إليه سألهما عادل إمام عن المخرج الذى رشحه أسامة لإخراج العمل قال جمال عبد الحميد: «الأستاذ أسامة مرشح المخرج إسماعيل عبد الحافظ»، وأثنى عادل إمام على الترشيح.. لكنه طالب الكاتب الكبير بعمل بعض التعديلات.. فرفض أسامة تماما.. ونهائيا.. وقال كما أخبرنى المخرج الكبير جمال عبد الحميد: «أنا مش ترزى»، وتبخر حلم الجمع بين عادل إمام زعيم الفن المصرى، وأسامة أنور عكاشة عميد الأدب التليفزيونى، وما زاد الطين بلة هو الخلاف الذى نشب بين شريكى نجاح الملاحم الدرامية (أسامة وإسماعيل).. فاعتذر المخرج أيضا عن العمل.
وقتها.. كان المخرج جمال عبدالحميد يبحث عن فرصة حقيقية فى الدراما التليفزيونية، بعدما أثبت نجاحه وجدارته فى إخراج فوازير «عالم ورق» للفنانة نيللى، الأمر الذى دفع ممدوح الليثى رئيس قطاع الإنتاج بمطالبته بعمل فوازير العام التالى للفنانة شريهان «حاجات ومحتاجات».. لكن جمال رفض، فطرده الليثى من قطاع الإنتاج مؤكدا أنه لن يعمل معهم مرة أخرى، وكان سر موقف جمال عبد الحميد بخلاف بحثه عن فرصة لإخراج مسلسل تليفزيونى هو رفضه أن يكون بديلا للمخرج العظيم الراحل فهمى عبدالحميد لحبه الشديد له.
2- مخرج على الطريق
كان جمال يتمتع بعلاقة طيبة مع أسامة أنور عكاشة.. لكن لم يكن الأخير يثق فى قدراته كمخرج يستطيع إخراج ملاحم درامية كالتى يكتبها أسامة.. لكنه أعطاه سهرة درامية بعنوان «تحت الملاحظة» لإخراجها.. وذهب جمال عبدالحميد بالسهرة لجميع المنتجين الذين رفضوا إنتاج عمل لمخرج إعلانات وكليبات وفوازير.. حتى استدعاه الليثى لقطاع الإنتاج مرة أخرى ليعرض عليه بشكل نهائى إخراج فوازير «حاجات ومحتاجات لشريهان» ووافق جمال بشرط أن ينتج قطاع الإنتاج سهرة «تحت الملاحظة» ووافق ممدوح الليثى وأخرج جمال عبد الحميد السهرة التى أدهشت أسامة أنور عكاشة الذى لم يكن يتوقع أن يكون جمال عبد الحميد بهذه القدرات الإخراجية والإبداعية.
وما إن أنهى جمال عبدالحميد تصوير ومونتاج الفوازير ذهب للاستجمام فى الغردقة، لكنه فوجئ باتصال من شوقى شامخ يطلب منه السفر لأسامة أنور عكاشة إلى مدينة الإسكندرية بناء على طلب الأخير.. وسافر جمال بالفعل وقابل المؤلف الذى أعطاه خمس حلقات من مسلسل «أرابيسك» قائلا: «أنت اللى هتخرجه»، والحقيقة «كانت مسئولية مرعبة واتخضيت لما كلم ممدوح الليثى وقال له خلى جمال يخرج أرابيسك».
3- الإمبراطور والساحر
بعد ذلك جلس المؤلف الكبير والمخرج الطموح، وقال له جمال عبد الحميد: (أقرب واحد للشخصية أحمد زكى) ووافق أسامة، (وفضلت رايح جاى على هيلتون رمسيس مقر إقامة أحمد زكى الذى قرأ الحلقات الأولى وكان معجبا بالعمل تمام الإعجاب لكنه كان يصور فيلم «ناصر 56» مع المخرج محمد فاضل وقال هخلص الفيلم وأعمل المسلسل.. لكن كان شهر رمضان قد اقترب ومعنى الانتظار أن العمل لن يلحق بالشهر الكريم.. بعدها رشح الأستاذ أسامة الفنان الكبير محمود عبدالعزيز الذى حدد موعدا بالفعل لتوقيع عقود المسلسل.. لكن قبل ذلك فوجئ بعنوان صحفى يقول محمود عبدالعزيز بديلا لعادل إمام فى أرابيسك، فاعتذر عن الدور، كونها المرة الثانية بعد رأفت الهجان).
المخرج جمال عبدالحميد أخبرنى أنه كان يرى أن صلاح السعدنى مناسبا للدور، لكن الأستاذ أسامة رشح الفنان يحيى الفخرانى وقابله بالفعل وعرض عليه الدور لكنه كان مرتبطا بمسلسل «لا» مع المخرج الكبير يحيى العلمى.. فرشح نور الشريف الذى كان مرتبطا أيضا بمسلسل «عمربن عبدالعزيز» مع المخرج القدير أحمد توفيق.. فرشح جمال صلاح السعدنى فقال أسامة بحسب قول المخرج: «صلاح مبيسمعش الكلام وهيتعبنا»، فرد جمال عبد الحميد هذه مسئوليتى كمخرج (كنت صديقا لصلاح لكونى من التابعين لعم محمود السعدنى).
4- عدولة والأسطى عمارة
رشح المخرج جمال عبد الحميد لدور «عدولة» الفنانة الكبيرة فردوس عبدالحميد، لكن الكاتب الكبير رفض الترشيح لوجود بعض الخلافات بينهما، فتم ترشيح هالة فاخر للعب الدور، لكنها اعتذرت بسبب ارتباطها بعمل مسرحى.. وتم ترشيح الفنانة القديرة سهير المرشدى التى قال عنها المخرج (فنانة عظيمة وعملت الدور بمنتهى الاقتدار والتمكن وكانت قمة فى الالتزام والاحترافية والرقى).
وعندما كان من المقرر أن تلعب فردوس عبد الحميد أو هالة فاخر دور «عدولة» تم ترشيح الفنان محمود الجندى لدور الأسطى «عمارة»، لكن مع اعتذارهما وجد المخرج جمال عبد الحميد أن الجندى لن يكون مناسبا للشخصية كونه يقع فى غرام سهير المرشدى.. فتم استبعاد الترشيح على الفور والاستقرار على الفنان الكبير أبو بكر عزت الذى لازم المخرج جمال عبد الحميد والفنان صلاح السعدنى وصديقهم الدكتور عرفة زكى، كعب داير على ورش النجارة بخان الخليلى والموسكى وخلال إحدى الجولات سمعوا جملة «فتح انطلاقة» واتصلوا بالكاتب الذى وافق على إضافتها للنص الدرامى.
5- توحيدة ورمضان
رغم أن السهرة الدرامية التى أخرجها جمال عبدالحميد وحاز من خلالها على ثقة أسامة أنور عكاشة كانت تشارك فى بطولتها الفنانة هالة صدقى، لكن عندما رشحها جمال عبدالحميد لدور «توحيدة» لم تلق قبولا لدى الكاتب الكبير وقال: «هتحول الشخصية لكوميدية» لكن جمال عبد الحميد قال جملته الشهيرة: «أنا المسئول يا أستاذ».. أما عن دور «رمضان» الذى قدمه الفنان المنتصر بالله، فقد كان من ترشيح المخرج جمال عبد الحميد ولم يوافق أسامة أنور عكاشة على الترشيح وطلب إسناد الدور إلى سيد عبدالكريم الذى حقق معه النجاح فى ليالى الحلمية والشهد والدموع.. ووافق جمال عبدالحميد وتم بناء ديكور شخصية «رمضان» ودخل الفنان سيد عبدالكريم للتصوير وصور بالفعل مشهدا واحدا قبل أن يطلب تأجيل تصوير بقية مشاهده كونه تلقى سيناريو فيلم مع المخرج العالمى يوسف شاهين، وسيبدأ تصويره على الفور.
غضب جمال عبد الحميد وقال له «أجل شغلك فى الفيلم.. أنا مش هقدر أأجل مشاهدك فى المسلسل»، فقال سيد عبد الكريم: «أنا مش هسيب فيلم مع يوسف شاهين علشان المسلسل»، وهنا غضب أسامة أنور عكاشة أيضا وعاد الدور مرة أخرى إلى المنتصر بالله !!.
6- مفاجأة أنوار
قال لى المخرج الكبير جمال عبدالحميد إن الفنانة الكبيرة لوسى هى الترشيح الأول والأخير لدور «أنوار» والحقيقة أن ثمة أخبارا أكدت ترشيح آثار الحكيم للدور الذى رفضته كونها كانت ابنة لصلاح السعدنى فى ليالى الحلمية فلا يجوز أن تجمعهما علاقة حب حتى وإن كانت من طرف واحد.. والحقيقة أن لوسى فى دور أنوار كانت مدهشة.. أداء عبقرى ولوك مناسب وتعبير صوتى رائع.. حكاية لوسى مع المسلسل كما قالت لى بدأت بمكالمة هاتفية على تليفونها الأرضى.. وعندما ردت وجدته الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة الذى أخبرها أنه يريد مشاركتها فى مسلسل مهم جدا.. ودور مختلف تماما وأنا راهنت على نجاحك فيه وعلى ثقة تامة أنك ستؤدينه بجدارة وأخبرها بأن تذهب إلى ستوديو الأهرام وسيكون متواجدا لأن ذلك اليوم يوافق عيد ميلاد الفنانة الكبيرة هدى سلطان.
وبعد أن شرح الكاتب الكبير للنجمة الكبيرة لوسى تفاصيل الشخصية، اشترت صبغة لـ«تغميق» لون شعرها، ونزلت على الفور إلى شارع فيصل واشترت نظارة طبية وفستان «دريل» أصفر، ووضعت فوق رأسها باندانا.. وذهبت إلى ستوديو الأهرام بعد أن قامت بشراء تورتة للاحتفال بعيد ميلاد الحاجة هدى سلطان.. ودخلت إلى البلاتوه فوجدت – كما أخبرتنى – المخرج جمال عبد الحميد بجوار الكاتب أسامة أنور عكاشة وهو يقول مندهشا «دى أنوار!!».. (قلت له أنوار مين يا أستاذ أنا لوسى.. قال لى لأ أنت أنوار.. وكان الأستاذ أسامة بيضحك.. سلمت عليهما ودخلت عند ماما هدى).
وتواصل الفنانة الكبيرة: (وبعد عيد الميلاد، الأستاذ أسامة قال لى عندنا شخصية حلوة قوى هنبعتهالك.. قلت له تبعتهالى فين يا أستاذ ما أنتوا شغالين أهو ومحدش بعتلى حاجة.. فقال لها هنبعتهالك أمضى العقد علشان نشتغل على طول.. فقلت له أنا تحت أمرك يا أستاذ أسامة لكن أنا طالبة رفع أجرى لأن ما حصلت عليه فى ليالى الحلمية صرفت أكثر منه على ملابس شخصية حمدية.. وبالفعل تم رفع أجرى وبدأت العمل).
7- جرأة لوسى
كان هناك مشهد يجمع بين لوسى أو أنوار وبين ابنة شقيقتها التى توفاها الله وكانت الطفلة تقول بحسب الحوار الذى كتبه الأستاذ أسامة (نايمين مع بعض).. فقلت بدلا من ذلك (نايمين فى وقت واحد).. وهنا تدخل المخرج جمال عبد الحميد مطالبا لوسى بقول الجملة الحوارية كما جاءت فى النص.. فقلت له «ممكن حضرتك يا أستاذ جمال تتصل بالأستاذ أسامة وتقول له الجملتين.. وبالفعل اتصل به ووافق الكاتب الكبير علىَّ الجملة التى قلتها.. وبعدها جاء إلى الاستوديو وداعب لوسى قائلا: «إيه يا لوسلوس هنبتدى نألف وللا إيه!!».
تقول لوسى: أنا بعتبر الأستاذ أسامة صاحب فضل كبير عليا بعد ربنا هو أبويا الروحى ومواقفى معاه مالهاش عدد، وذكرت أنها فى مشهد يجمعها بالفنان صلاح السعدنى على سلم العمارة وقفت فى البروفة بشكل طبيعى وفوجئت بالأستاذ أسامة يقول لها «شفايفك بتلمع ليه.. أنوار مش بتحط ماكياج.. فقالت له إنها زبدة كاكاو وعند بداية تصوير المشهد ستمسحها.. وأثناء تصوير المشهد تعرقلت لوسى على السلم ووقعت وتعرضت لكسر ساقها.. فذهبوا بها على الفور إلى مستشفى الهرم ووضعوا قدمها فى الجبس.. وعادت واشترت شراباً وارتدته فوق الجبس واستكملت التصوير. ولم تنس لوسى حينما طالبوها بإحضار صورة بدون النظارة لوضعها فى برواز على اعتبار أنها صورة لشخصية «أنهار» شقيقتها التوأم التى توفيت.. قالت لوسى بصيت للون عين عم حسن حسنى واشتريت عدسة نفس لون عينه وغيرت لون الشعر واتصورت وعندما شاهد الأستاذ أسامة هذه الصورة قال: «كان من المفترض أن أكتب مشاهد لأنهار».
8- حلم جمال عبدالحميد
قال لى الأستاذ عادل الشاذلى الذى كان يعمل مساعدا للإنتاج فى المسلسل أنه بحث عن شقة بجوار ستوديو الأهرام ليسكن بها المخرج جمال عبد الحميد.. حتى يكون قريبا من الاستوديو، فهو كان يخرج من الاستوديو إلى الشقة لتحضير المشاهد التى ستصور فى اليوم التالى، وقال إن أجر صلاح السعدنى آنذاك كان يتراوح بين 8 و9 آلاف جنيه فى الحلقة الواحدة وكان سقف الأجور فى قطاع الإنتاج 10 آلاف جنيه للحلقة الواحدة.
وبمناسبة الأجور سألت المخرج الكبير جمال عبد الحميد عن أجره فقال لى: «كلام فارغ.. 350» .. فقلت له (350 ألفا فى 1994 مبلغ كبير وليس كلاما فارغا).. فضحك وقال 350 جنيهاً فى الحلقة.. ولو كان ببلاش مكنتش هسيبه لأنى حلمت بإخراجه من يوم ما سمعته من الأستاذ أسامة وهو بيقرأ لنا المعالجة الدرامية.. وكنت مرعوبا وقلت للممثلين لو نجح سينجح بكم ولو فشل سأكون أنا السبب.
نجح المسلسل، ولا يزال يحقق النجاح، وارتبط الناس حتى بأغنية التيتر التى غناها حسن فؤاد وهو بالمناسبة ترشيح عمار الشريعى الذى قال.. لا الحلو ولا الحجار عندى شاب صغير هيكسر الدنيا.. وكانت أغنية التيتر من كلمات العظيم الراحل سيد حجاب.