بطرس دانيال يكتب: يا أخى لا تمل بوجهك عنى
نقرأ فى سفر ملاخى: «أَمَا لنا كُلّنا أبٌ واحدٌ؟ أَمَا إلهٌ واحدٌ خَلَقنا؟ فلماذا يغدُرُ الواحدُ بالآخر مُدَنّساً عهد الله مع آبائنا؟» (10:2). نحن نعيش فى عالمٍ يغرق فى البغض واحتقار الآخر والعنف والقتل، لِما كل هذا؟ يُحكى أن أسداً كان يسير فى وسط الغابة، وإذ به يرى جميع الحيوانات تهرب من أمامه وترتعب منه لأنه ملك الغابة، فزأر بشدّةٍ فدوى صوته فى أرجاء المكان، بناءً على ذلك خرجت عشرات الأسود والأشبال مسرعةً نحوه. وعندما شاهدوه واقفاً فى صمت، قال أحدهم: «سمعنا زئيرك فأتينا جميعاً لنتعاون معك أو ننقذك إن كنت فى خطرٍ!» فقال الأسد: «أشكركم على الاهتمام، أنا لستُ فى خطرٍ لأننى ملكٌ تخاف منى جميع الحيوانات وتهرب من أمام وجهى، لكن دَعَوتكم للمجىء لأن هناك فكرة خطرت على بالى أردتُ أن أقترحها عليكم». – «ما هى؟» – «لماذا لا نعيش كسائر البشر؟» – «ماذا ينقصنا لكى تشتهى أن تكون مثلهم؟ من حيث الجسم نحن أقوى، ومن جهة الحرية، نسير وننطلق فى الغابات بمنتهى الحرية». – «ينقصنا أن نتشاجر معاً، وينهش بعضنا لحم بعض، فهذه سمة من سمات البشر». – «كيف يكون هذا ونحن نعمل معاً فى كل حين... إن افترسنا حيواناً نتقاسمه جميعاً، ونعطى منه كبار السن والمرضى والأشبال نصيبها حتى وإن لم تشق معنا؟» – «تعالوا نختلف فيما بيننا فى الرأى وننقسم إلى فرق مختلفة، يحارب كلّ منّا الآخر ونأكل بعضنا بعضاً». – «مستحيل، فإذا أكلنا بعضنا بعضاً سنفنى، لأن أجسامنا ليست هزيلة كسائر البشر وأنيابنا ليست فى ضعف أسنانهم!» – «لنحاول، ونجرّب خبرة البشر». – «كيف نختلف فيما بيننا ونحن بالفطرة نعمل معاً؟» هذه الأمثولة هى جهاز إنذار لنا، لأنه للأسف كثيرٌ من البشر وصل بهم الحال إلى مستوى أدنى من باقى المخلوقات، لذا يجب أن نتعلم العمل الجماعى والتعاون من الحيوانات المفترسة كالأسود وغيرها، فإنها وإن كانت مفترسة بالفطرة؛ لكنها لا تأكل بعضها البعض بل تعمل معاً، لكن الإنسان يختلف ويتحارب مع أقرب الناس إليه. وكما نعلم من الكتب المقدسة أن أول جريمة قتل وقعت فى التاريخ، أخ يقتل أخاه وهى أقدم تحيّة للصداقة أيضاً، فقتل قابيل أخاه هابيل، ومما لا شك فيه أننا كنّا نتوقع ثمرة اللقاء الأول بين الأخوة العناق والقبلات وكل علامات الحُب المتبادل؛ ولكن للأسف كانت جريمة قتل، كنّا نتخيل المحبة؛ لكننا وجدنا العنف، مما يؤسفنا أنه لم يكن قتلاً لعدوٍ، ولكن لأخٍ. كم من جرائم قتل تحدث كل لحظةٍ ونقرأ عنها وتكون بسبب أو بدون؟ كم من أرواحٍ زُهقت دون مبرر أو سبب؟ مما لا شك فيه أن منبع الحروب يصدر من حُب التملك والاستحواذ، حتى إن الإنسان يرى الآخر عدواً له، لذا يجب التخلّص من وجوده فى أسرع وقت! كما أننا نلمس هذا بسبب العقيدة والإيمان عندما يدّعى البعض بأنهم هم الوحيدون الذين يمتلكون الحقيقة دون غيرهم، أو أنهم يتبعون الدين الصحيح وليس سواهم، أو أنهم يعتبرون الله مِلكاً لهم فقط، كل هذه الأمور تقود الإنسان إلى عدم قبول الآخر والشروع فى التخلّص منه. وفى هذا الصدد يقول الأديب نجيب محفوظ: «إذا فهمتَ عدوّك درجة أحسنت محاربته، وإذا فهمته درجتين أحسنتَ مسالمته». الله خالق جميع البشر يرى كل شىء ويعلم بهم، ومهما تجاهلنا الله، فهو شاهدٌ على جميع الأحداث التى نصنعها وسيوجّه لكل فردٍ منّا نفس السؤال الذى طرحه على قابيل: «أين هابيل أخوك؟» مما لا شك فيه أن قابيل قد تاب عن فعلته هذه، فهل سنجد نحن الفرصة لنتوب عمّا اقترفناه فى حق الآخرين من ظلمٍ وعدوانٍ وقتلٍ وتدميرٍ وتخريب؟ إن العنف والحرب واحتقار الآخر يهدم اللوحة الفنية الرائعة التى صنعها الله لخليقته والمبنية على الحُب. ولا ننسى أن العنف لا تصنعه الأيادى فقط أو نتيجة كلمات جارحة؛ ولكن هناك عنفاً لم يولد خارج الإنسان، بينما كامن فى الفكر وينمو فى داخل الإنسان ويتغذّى بالانفعال والحقد والكراهية. إذاً نحن بحاجةٍ إلى تطهير دائم للقلب والفكر والذهن والحواس. ونختم بالكلمات البسيطة الصادرة من القلب، ولكن لها معانى جوهرية للبطل الهندى Vardhamana مؤسس إحدى الديانات الهندية عام 400 ق.م: «أطلبُ العفو والغفران عن العنف الذى ارتكبته بفكرى، والعنف الذى اقترفته بأقوالى، والعنف الذى قمت به بأعمالى».