ارتفاع الإقراض المصرفي في الصين إلى 1.72 تريليون دولار

الاقتصاد

بوابة الفجر


في شهر (يونيو) الماضي قدمت البنوك الصينية 259 مليار دولار من القروض الجديدة، مقابل 212 مليار دولار في شهر (مايو).


ووفقا لبيانات بنك الشعب الصيني "البنك المركزي الصيني" ارتفع الإقراض المصرفي الجديد خلال الشهر الماضي 22.3 في المائة، ليبلغ مستوى قياسيا قدره بـ1.72 تريليون دولار في النصف الأول من العام الجاري، أي ما يعادل تقريبا الناتج المحلي الإجمالي لكندا، وسط توقعات أن تبلغ القروض للعام نحو 2.857 تريليون دولار.


وفيما يشار إلى أن البنوك الصينية قاطرة حكومية لدفع اقتصاد ما بعد كورونا، تكشف المؤشرات رغبة صناع القرار الاقتصادي في الصين الحفاظ على نمو ائتماني قوي، حتى يعود الاقتصاد إلى وضع صلب في أعقاب الأضرار، التي مني بها نتيجة جائحة كورونا.


كما تكشف المؤشرات أن النظام المصرفي الصيني قناة أساسية ترتكن عليها السياسة المالية لضمان ضخ تلك الأرصدة النقدية الضخمة وغير المألوفة في المنظومة الاقتصادية، وبما يحقق النتائج المستهدفة.


تلك الوضعية المميزة للنظام المصرفي الصيني، لا تنفي إقرار سلطات البنك المركزي بجوانب القصور الكامنة في البنوك الصينية، والتي يجب التغلب عليها، على أمل أن يسهم ذلك في تحقيق وثبة قوية للنظام المصرفي، تمكنه من مساعدة الاقتصاد الكلي على العودة إلى معدلات النمو المرتفعة، التي اعتاد تحقيقها قبل تفشي وباء كورونا، والتصدي إلى ما تعده الصين حربا تجارية تشنها مجموعة من الدول بقيادة الولايات المتحدة عليها.


الخبير المصرفي هاريس كولين يرصد ما يعده نقطة الضعف الرئيسة في النظام المصرفي الصيني، ويقول لـ"الاقتصادية": القروض المعدومة تعد نقطة الضعف في عديد من المنظومات المصرفية في العالم، وإيطاليا نموذجا شديد الوضوح في هذا المجال، الصين أيضا كانت تعاني وقبل جائحة كورونا تدهور جودة عديد من الأصول، خاصة في المصارف الصغيرة ومتوسط الحجم، إلا أن تفشي الفيروس وأشهر من الإغلاق الاقتصادي أدى إلى تفاقم المشكلة، ويلاحظ أن هناك مخاوف ملموسة من تباطؤ نمو الأرباح البنكية بشكل حاد في عديد من البنوك الصينية، بينما بعضهم الآخر سيواجه انخفاضا في الأرباح.


ربما تتفق تلك الرؤية من بعض التقديرات الصينية الرسمية، التي تتوقع ارتفاع الديون البنكية المتعثرة إلى نحو 515 مليار دولار، ما سيضغط على أرباح البنوك المحلية ويؤدي إلى تراجعها بنحو 50 مليار دولار، مقابل أرباح محققة في العام الماضي بلغت 285 مليار دولار بزيادة 8.9 في المائة عن 2018.


الوضعية الراهنة للبنوك الصينية وتزايد الديون المتعثرة، لم يمنع الحكومة من أن تضغط على المؤسسات البنكية، للتضحية والسماح للشركات الصغيرة بتأخير دفع القروض والفوائد للمساعدة في مواجهة التأثير الاقتصادي لفيروس كورونا.


وحول تفسير هذا السلوك يقول الدكتور ستانلي روبن، نائب رئيس اللجنة المالية في بنك إنجلترا من عام 2000 إلى 2003، "هذا يعكس ثقة قوية من قبل البنك المركزي الصيني بقدرة البنوك المحلية على تحمل الخسائر أو خفض الأرباح لبعض الوقت، من أجل إنقاذ المشاريع الخاصة الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل العصب الرئيس للصادرات الصينية".


ويؤكد أن وقف التدفقات المالية غير المشروعة إلى سوق العقارات وسوق الأوراق المالية يعد الأولوية الراهنة لدى السلطات المالية، للحد من المخاطر، التي يمكن أن تنجم عما يعرف بمصارف الظل، التي ستمثل مؤسسات مالية موازية خارجة عن السيطرة، ومع امتلاكها لسيولة مالية ضخمة، فإنها يمكن أن توجد فقاعات اقتصادية في الأصول، بما يهدد قدرة الحكومة على تنظيم تدفقات رأس المال أو قمع المضاربة في القطاع المالي.


إلا أن بعضهم ينظر إلى هيكل النظام المصرفي الصيني من زاوية أخرى، متهما التركيبة المصرفية الصينية بالانحياز إلى البنوك الكبيرة، التي ستخرج من أزمة وباء كورونا، أكثر قوة وتماسكا، بينما ستقف البنوك الصغيرة على حافة الهاوية.


البنوك الكبيرة في وضع جيد يمكنها من تحمل انتكاسات المستهلكين، واستيعاب الخسائر نتيجة تمتعها برأسمال جيد، وقدرة أفضل في الحصول على التمويل، ومن ثم قدرة أعلى أيضا في تحمل القروض المعدومة، فهي بطبيعة قدرتها التمويلية تميل إلى إقراض كبار المستثمرين المحليين أو الوطنيين، الذين يتمتعون بدعم جيد نتيجة شبكة من العلاقات والاتصالات الضخمة، إضافة إلى تمويل جيد، وقدرة أفضل على تحمل الانكماش الاقتصادي، مقارنة بصغار المستثمرين.


في المقابل، فإن الحكومة الصينية وخلال فترة جائحة كورونا، شجعت البنوك على إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة قروضا منخفضة التكلفة، ولأن تلك الشركات تعد العميل الأساسي للبنوك الصغيرة، فإن تعرض صغار المستثمرين للضغط الاقتصادي سينتقل تلقائيا إلى البنوك الصغيرة وسيزيد من تعثرها.


لكن أوضاع البنوك الصينية لا تعد في نظر الدكتور روبرتس لورنس أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة شيفيلد أزمة داخلية، رغم الطبيعة المحلية للأزمة والطبيعة المحلية أيضا للبنوك الصينية.


ويرى روبرتس أنه على الرغم من الجهود الصينية الحثيثة لإضفاء طابع عالمي على نظامها المصرفي، عبر التوسع دوليا في عمليات الإقراض، التي تقوم بها، خاصة للاقتصادات الإفريقية وعدد من الاقتصادات الناشئة، إلا أن المظهر الرئيس للبنوك الصينية لا يزال محليا، مقارنة بالنظم المصرفية الأوروبية أو الأمريكية، وعلى الرغم من إقرار الحكومة بأزمة الديون المتعثرة والمعدومة، إلا أن الرقم الفعلي لتلك الديون ربما يتجاوز التقديرات الحكومية بكثير، فبنوك الظل تقوم بدور كبير في الاقتصاد الصيني، سواء لدعم المشاريع الصغيرة أو في الاستثمارات في القطاع الزراعي، حيث تنعدم الثقة بالأنشطة البنكية في الريف.


ويشير الدكتور روبرتس إلى أن تلك المشكلات لا تنفي أن العمود الفقري للنظام المصرفي الصيني سليم بشكل مقبول، مع أن جائحة كورونا رفعت الغطاء عن عديد من البنوك الصغيرة ذات الطابع المحلي، التي يمكن أن يؤدي فقدان الثقة بأدائها إلى أزمة بنكية حقيقية.


الحديث عن أزمة بنكية في الصين على غرار ما حدث في الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور عام 2008 يبدو سيناريو مستبعدا، فالنظام الصيني وربما نتيجة طابعه الوطني أو المحلي وافتقاده البعد العالمي، يجعل في قدرة السلطات المالية تجنب الأزمة عن طريق عملية إعادة هيكلة المستحقات المالية عند موعد السداد، وهذا يضمن حل المشكلة على مدى أعوام أكبر، ولكن بتكلفة أعلى، ودون ضجة أو انهيار مركزي، وبالتالي تتحمل ميزانيات الحكومات المحلية التكلفة النهائية لعملية الإصلاح.


يرى الدكتور روبرتس لورنس أن المعيار الأساسي لدخول النظام المصرفي الصيني في أزمة من عدمه، يكمن في استمرار القدرة على توليد الائتمان ومقدار النشاط الاقتصادي الناتج عن ديون المشاريع والاستثمارات المحلية، فالسياسة الحكومية القائمة تعرب عن ثقتها بأن زيادة الضخ المالي في القنوات الاقتصادية، عن طريق المؤسسات المالية، وتحديدا البنوك، سيسرع من النشاط الاقتصادي وسيسمح للنظام المصرفي بالحفاظ على حيويته على الرغم مما يواجه من تحديات.


قد يظل هذا المنطق صامدا أمام التحديات، ويجنب في الوقت ذاته البنوك الصينية خطر الأزمة، ولكن إذا ما تطلبت عملية الخلاص من الديون المعدومة والمتعثرة، تحميل ذلك للنظام المصرفي فقط، فربما لن تفلح البنوك الصينية في القيام بذلك من تلقاء نفسها، لأن إجمالي حجم الخسائر قد يفوق إجمالي رأس المال المتاح.


وفي هذا الوقت لن يكون هناك من بديل حقيقي غير استيعاب البنوك الصغيرة ضمن المؤسسات المالية الكبرى، وبمقدار ما سيكون ذلك إيجابيا لتلك البنوك العملاقة، إذ ستزداد قوتها المالية بشكل كبير للغاية عبر زيادة حصتها الائتمانية داخل النظام الاقتصادي الصيني، إلا أن تلك البنوك العملاقة ستكون المؤسسة الأكثر حرصا على عدم فتح بكين لقطاعها المالي أمام المستثمرين الخارجيين، لأنها ستفضل الاحتفاظ بوضعها المميز دون أن ينافسها أحد، أو يقتطع جزءا من كعكة الأرباح، ولتواصل هيمنتها على النظام المالي لثاني أكبر اقتصاد في العالم.