طارق الشناوي يكتب: من بمبي إلى كحلي

الفجر الفني

بوابة الفجر


سألنى أحد مقدمى البرامج عن التوافق بين عبدالحليم وعبدالوهاب، بينما فى المقابل كان الصراع على أشده بين أم كلثوم وعبدالحليم.

أجبته التنافس بين أى قمتين فى كل عصر أمر طبيعى، إنه القاعدة، بينما التوافق يظل الاستثناء شوقى وحافظ فى الشعر، طه حسين وعباس محمود العقاد فى الأدب، يوسف شاهين وصلاح أبوسيف فى السينما، وغيرها الأقطاب عادة تتنافر.

إلا أنه تاريخيا مع بزوغ نجم عبدالحليم فى منتصف الخمسينيات كان عبدالوهاب قد بدأ اعتزال الغناء فى الحفلات التى هى الملعب الحقيقى للتنافس بين القمم الغنائية، عبدالحليم أصبح هو مشروع عبدالوهاب، كما أن تاريخ عبدالوهاب صار ملكا لعبدالحليم من خلال الشراكة التى جمعت بينهما فى شركة «صوت الفن»، هما الاثنان صاحباها، وبالتالى كل الأفلام والأغنيات التى يقدمها عبدالحليم يقاسمه فى أرباحها عبدالوهاب، بينما ألحان عبدالوهاب حتى للآخرين يشاركه فى مردودها التجارى حليم، إنها صفقة تجارية مهما حاول البعض أن يضفى عليها أبعادًا أخرى، بينما بين أم كلثوم وعبدالحليم كان الأمر يسفر عن صراع لا يعرف هوادة.

كل منهما كان الصوت الأقرب للنظام وللشعب، أم كلثوم لم تغادر الساحة الغنائية وظلت تشكل رقمًا فى التوزيع والاقتراب الجماهيرى لا يمكن لعبدالحليم أن يتخطاشه، إلا أن هذا لم يمنعه من التطلع للقمة، بل التطاول على أم كلثوم عندما تتاح له الفرصة.

ورغم ذلك، فإننا مع مرور الزمن ندرك أن الاثنين كان وجودهما يحقق سندًا للآخر، الإبداع الفنى يشع على الآخرين، والتنافس يلعب دوره فى الصراع على الأجمل.

قبل يومين استمعت إلى أغنيتين متتاليتين على محطة الأغانى: الأولى «الفوازير» المعروفة باسم «قولى ولا تخبيش يا زين إيش تجول العين للعين».. والثانية «أول مرة تحب يا قلبى».. الأولى كتبها بيرم التونسى ولحنها الشيخ زكريا أحمد تقول «قولى ولا تخشاش ملام، حلال القبلة ولا حرام».. ترد أم كلثوم «القبلة القبلة القبلة.. القبلة إن كانت من ملهوف اللى على ورد الخد يطوف ياخدها بدال الواحدة ألوف ولا يسمع للناس كلام ولا يخشى للناس ملام».. الأغنية الثانية «أول مرة تحب يا قلبى» كتبها «إسماعيل الحبروك» ولحنها «منير مراد»، به هذه الشطرة الشعرية «لسه شفايفى شايلة سلامك.. شايلة أمارة حبك ليا».. لو أننا طبقنا معيارًا أخلاقيًا مباشرًا على أغنية «أم كلثوم» سوف نجد أن «أم كلثوم» تتحدث عن آلاف من القبلات، بينما «عبدالحليم» لم يتجاوز ما غنى له سوى عدد محدود جدًا من القبلات، لو أننا قررنا أن نبحث عن التصريح المباشر بالقبل سنلاحظ أن «عبدالحليم حافظ» كان يغنى للقبلة بإيحاء وعلى استحياء، بينما «أم كلثوم» فتحتها على البحرى- ياخدها بدال الواحدة ألوف - ولم تشترط سوى أن يكون ملهوفًا فقط وبعدها مسموحًا له بجحيم من القبل.. ولم يحتفظ التاريخ بين ثومة وحليم سوى بقبلة واحدة على يدها عندما حاول عبدالحليم الصلح معها.

ما بين أم كلثوم وعبدالحليم من صراع فى الحياة التى كان لونها بمبى أراه الآن سرًا للنجاح، إنه الجرأة الفنية التى نتوق إليها كثيرا، بينما فى هذه الأيام يريد عدد من أهل الفن بتزمتهم أن يحيلوا البمبى إلى كحلى!!.


t