في مثل هذا اليوم.. تدخل العالم لإنقاذ الدولة العثمانية من الجيش المصري
لنا في حوادث التاريخ عظات وعبر ومصر التي اقتحمها سليم الأول، وأنهى العصر المملوكي، تحولت بعد تولي محمد علي مقاليد الحكم لدولة حديثة وأخذت جيوشها تجوب العالم حتى هددت الدولة العثمانية في عقر دارها.
وقال الدكتور ولاء الدين بدوي مدير عام قصر المنيل، اليوم تمر الذكرى 180 على توقيع "معاهدة لندن" والتي تم توقيعها في 15 يوليو 1840 بين بريطانيا والإمبراطورية النمساوية وبروسيا والإمبراطورية الروسية من جانب، والدولة العثمانية من جانب آخر، وذلك للحد من توسعات محمد علي باشا حاكم مصر على حساب أراضي الدولة العثمانية.
وأشار بدوي إلى أن المعاهدة جاءت كنتيجة حتمية لمعاهدة بلطة ليمان ١٨٣٨ والتي قضت نهائيًا على الاحتكار الذي كان العمود الفقري لقوة ونفوذ محمد علي، وأقرت المعاهدة بتوريث حكم مصر لأبناء محمد علي كما قلصت من صلاحيته.
وأضاف، كما تم توقيع المعاهدة في العاصمة البريطانية لندن في 15 يوليو 1840، ووقع عليها اللورد بالمرستون، الإمبراطورية النمساوية البارون نومان السفير النمساوي في انجلترا، ومن بروسيا البارون بيلوف، الإمبراطورية الروسية البارون برينوف، ومن الدولة العثمانية شكيب أفندي وزير تركيا المفوض في لندن.
وقال بدوي، هنا تدخلت الدول الأوروبية لمنع مصر من دخول الدولة العثمانية واحتلالها ومن ثم فرض هيمنتها على وحدة من الإمبراطوريات الكبرى في العالم آنذاك، وخافت أوروبا على مصالحها ونفوذها، من زيادة نفوذ محمد على عليهم، وفتح الانتصار في معركة نصيبين الطريق أمام جيش محمد على إلى العاصمة العثمانية، وأصبح الخيار أمام القائد إبراهيم باشا في أن يسير بجيشه نحو القسطنطينية.
وتابع، إبراهيم باشا لم يهنأ بذلك النصر بسبب التدخل الدبلوماسي الفرنسي لإنقاذ الدولة العثمانية إذ وصل إليه المسيو كابى الفرنسى عقب المعركة مباشرة إلى إبراهيم باشا حاملا تعليمات محمد على باشا بعدم المضي قدمًا في دخول الأناضول.
وتشير أغلب المصادر، إلى أن معاهدة لندن كانت محصلة تدخل الدول الأوروبية منذ وقت طويل في شئون الخلافة العثمانية فقد كانت تهدف إلى تحجيم دور محمد على وتقليص قوته والتي استطاع تحقيقها تحت مظلة الخلافة العثمانية وبمساعدة الدول الأوربية وخاصة الاستعمارية الحديثة منها، إضافة لروسيا.
وأكد بدوي، أن هدف تلك الدول كان هو إضعاف الخلافة العثمانية أكثر دون خلق وريث لها والذى كان من الممكن أن يمثله محمد على كما هدفت إلى حفظ التوازن الدولي بين الدول الأوروبية أنفسها بما فيها الدول القائمة على الإتفاقية.
وأبقت معاهدة 1840 على مصر "مستقلة" نوعًا ما داخل حدودها الطبيعية، وهذا يعنى إضعافها، وفي المقابل، أعطت نفسها الحق في التدخل المستقبلي لحماية استقلال هذا الكيان الحديث مستقبلًا من أي تدخلات عثمانية، وهو ما يعنى ضرورة اعتماد خلفاء محمد علي على الدعم الغربي الكامل للحفاظ على استقلال كيانهم السياسي المصطنع.
وعن نصوص المعاهدة قال بدوي إنها جاءت كالتالي:
أولا: أن يخول لمحمد علي وخلفاؤه حكم مصر الوراثي، ويكون له مدة حياته حكم المنطقة الجنوبية من سورية المعروفة بولاية عكا (فلسطين) بما فيها مدينة عكا ذاتها وقلعتها، بشرط ان يقبل ذلك في مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ تبليغه هذا القرار، وأن يشفع قبوله بإخلاء جنوده جزيرة كريت وبلاد العرب وإقليم أضنة وسائر البلاد العثمانية عدا ولاية عكا، وأن يعيد إلى تركيا أسطولها.
ثانيا: اذا لم يقبل هذا القرار في مدة عشرة أيام يحرم الحكم على ولاية عكا، ويمهل عشرة أيام اخرى لقبول الحكم الوراثي لمصر وسحب جنوده من جميع البلاد العثمانية وإرجاع الأسطول العثماني، فإذا انقضت هذه المهلة دون قبول تلك الشروط كان السلطان في حل من حرمانه من ولاية مصر.
ثالثا: يدفع محمد علي باشا جزية سنوية للباب العالي تتبع في نسبتها البلاد التي تعهد إليه إدارتها.
رابعا: تسري في مصر ولاية عكا المعاهدة التي أبرمتها السلطنة العثمانية وقوانينها الأساسية، ويتولى محمد علي وخلفاؤه جباية الضرائب باسم السلطان على أن يؤدوا الجزية، ويتولون الإنفاق على الإدارة العسكرية والمدنية في البلاد التي يحكمونها.
خامسا: تعد قوات مصر البرية والبحرية جزءً من قوات السلطنة العثمانية، ومعدة لخدمتها.
سادسا: يتكفل الخلفاء في حالة رفض محمد علي باشا لتلك الشروط أن يلجأوا إلى وسائل القوة لتنفيذها، وتتعهد إنجلترا والنمسا في خلال ذلك أن تتخذ باسم الحلفاء بناء على طلب السلطان كل الوسائل لقطع المواصلات بين مصر وسورية ومنها وصول المدد من إحداهما للأخرى، وتعضيد الرعايا العثمانيين الذين يريدون خلع طاعة الحكومة المصرية والرجوع الى الحكم العثماني وإمدادهم بكل ما لديهم من المساعدات.
سابعًا: اذا لم يذعن محمد علي للشروط المتقدمة وجرد قواته البرية والبحرية على الأستانة فيتعهد الحلفاء بان يتخذوا بناء على طلب السلطان كل الوسائل لحماية عرشه وجعل الأستانة والبواغيز بمأمن من كل اعتداء.
وقال بدوي إن إبرام هذه المعاهدة تم بأن وقع عليها كل من اللورد بالمرستون عن إنجلترا، والبارون نومان السفير النمساوي في إنجلترا عن النمسا، والبارون بيلوف عن بروسيا، والبارون برينوف عن الروسيا، وشكيب أفندي وزير تركيا المفوض في لندره عن الباب العالي.
وأضاف أن المعاهدة أبرمت بغير علم مصر ولا فرنسا، حيث فوجئت الحكومة الفرنسية بخبرها وأدرك المسيو تييرس ما في هذا العمل من التحدي لفرنسا، وكان من نتائجها أن هجات الخواطر فيها وتوترت العلاقات بينها وبين إنجلترا، وكادت تقع الحرب، فأرغت فرنسا وأزبدت، واخذت تستعد وتحرض محمد علي باشا على نبذ قرارات الدول.
وتابع بدوي: أدركت فرنسا آخر الأمر أن استعداداتها لن تغير من موقف الدول المؤتمرة، وأنها لا قبل لها بأن تخوض غمار حرب أوروبية، فتراجعت وتركت مصر وحدها أمام الدول المؤتمرة، فاحتملت مصر نتائج سياسة فرنسا الخرقاء.
وقضت معاهدة لندرة بجعل حكم مصر وراثيًا في أسرة محمد علي، أي باستقلال مصر الداخلي التام، وإرجاع مصر إلى حدودها الأصلية قبل حروبها الأخيرة، وحرمانها حكم جزيرة العرب وسورية وكريت وإقليم أدنه، وتخويل محمد علي مدة حياته حكم سورية الجنوبية.
وختم ولاء الدين بدوي كلماته قائلًا، لعلك تلاحظ في هذه المعاهدة تعهد الدول باتخاذ وسائل العنف والقوة بتنفيذ شروطها في حالة رفض محمد علي قبولها، وتلاحظ ايضا تعهدها بحماية عرش آل عثمان والدفاع عن السلطنة العثمانية والبواغيز في حالة مهاجمة قوات محمد علي البرية والبحرية لها، وهذا يصور لك ما بلغته مصر من قوة عسكرية وتأثير في القوى العالمية.