ولاء الدين بدوي يكتب: "الله حي.. عباس جاي" في ذكرى ميلاد أبو المتحفيين المصريين

مقالات الرأي

بوابة الفجر


عباس حلمى الثانى 146 عاما على ميلاد اخر من لقب بخديو مصر، بقلم ولاء الدين بدوي مدير عام متحف قصر المنيل. 

هو أكبر أبناء الخديوي محمد توفيق بن الخديوي إسماعيل، ولد في غرة جمادى الآخرة سنة 1291 هـ، 14 يوليو 1874م، والتحق في يناير 1881 بالمدرسة العلية التي كان أبوه قد أنشأها في عابدين، وفي سنة 1884م، التحق وأخوه الأمير محمد علي توفيق بمدرسة هكسوس بسويسرا، ثم انتقلا سنة 1888م إلى مدرسة ترزيانوم بالنمسا لدراسة العلوم السياسية والعسكرية.

عند بلوغه الثامنة عشرة مُنح رتبة الباشوية لكونه ولي عهد البلاد، وفي يوم الجمعة 8 يناير 1892م وردت إليه في مدينة فيينا برقية من رئيس مجلس النظار تبلغه بوفاة أبيهالخديوى توفيق فاستعد للعودة إلى مصر، وفي اليوم التالي وصلت إلى رئيس مجلس النظار المصري برقية من الصدر الأعظم للدولة العثمانية بتولية عباس حلمي باشا خديوية مصر، وفقًا لفرمان وراثة الخديوية المصرية، ولذلك لكونه أكبر أبناء الخديو المتوفى، وكلف الصدر الأعظم رئيس مجلس النظار ـ بالاشتراك مع هيئة نظاره ـ بإدارة شؤون البلاد لحين وصول عباس حلمي إلى مصر.

وصل عباس حلمي الثاني إلى الإسكندرية صباح السبت 16 يناير، ثم توجه من فوره بالقطار إلى القاهرة فوصلها في الثانية بعد ظهر اليوم ذاته، وفي يوم الإثنين 18 يناير تولى عباس حلمي شؤون منصبه رسميًاوكان يبلغ من العمر 20 عاما.

عُرف عن الخديوي حسه الوطني العالي، فبعد عام من توليه الحكم أقال وزارة مصطفى فهمي باشا، فوقعت أزمة مع إنجلترا، وتحدى المندوب السامي البريطاني لورد كرومر فأدى ذلك إلى زيادة شعبيته.

سافر الخديوي للأستانة ليشكر السلطان عبد المجيدعلى الثقة التي أولاها له ولينال تأيدة على الخطوات العودة المصريةلحضن الخلافة، وقد ذكر الخديوي في مذكراته أن السلطان عبد الحميد الثاني شجعه على معارضة إنجلترا. وعندما عاد الخديوي واصل سياسة التحدى للاحتلال، وبإيعاز منه قررت لجنة مجلس شورى القوانين رفض زيادة الاعتماد المخصص للجيش البريطاني وتخفيض ضرائب الأطيان وتعميم التعليم، فاتهمه الإنجليز بأنه نسق مع نظارة مصطفى رياض باشا ولجنة المجلس، ولهذا اضطرت نظارة مصطفى رياض باشا للرضوخ لرغبة الإنجليز وزيادة الاعتمادات.

حاول عباس حلمي الثاني أن ينتهج سياسة إصلاحية ويتقرب إلى المصريين ويقاوم الاحتلال البريطاني، فانتهز الإنجليز فرصة بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى1914م وكان وقتها خارج مصر، فخلعوه من الحكم وطلبوا منه عدم العودة ونصبوا عمه حسين كامل سلطانًا على مصر بدلًا من أن يكون خديوي. وفرضوا على مصر الحماية رسميًا.

كانت كل الجهات في إنجلترا عدا الخارجية تطالب بخلعه، وفي 19 ديسمبر 1914 صدر القرار بعزله وجاء فيه "يعلن وزير الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر لإقدام سمو عباس حلمي باشا خديوي مصر السابق على الانضمام لأعداء جلالة الملك رأت حكومة جلالته خلعه من منصب الخديوي". 

ويوجد في القاهرة كوبري باسمه وهو كوبري عباس الذي يربط بين جزيرة منيل الروضة والجيزة، ويعد الخديوي عباس سابع حاكم حكم مصر من أسرة محمد علي وآخر خديوي لمصر والسودان.

تزوج الخديوى عباس حلمى الثاني مرتينالأولى من إقبال هانم وتزوجها في 19 فبراير 1895، وأنجبا 6 أبناء هم:الأمير محمد عبد المنعم (الوصي على العرش بعد ثورة يوليوووالد البرنس محمد عباس حلمى الملقب بالثالث)؛ الأمير محمد عبد القادر؛ الأميرة أمينة؛ الأميرة عطية الله؛ الأميرة فتحية؛الأميرة لطيفة شوكت؛أما زوجته الثانية فهى جاويدان هانم وتزوجها في مارس 1910 وطلقها في 1913 ولم ينجب منها

توفى الخديوى عباس حلمى الثاني في منفاه في سويسرا في 19 ديسمبر 1944 أثناء حكم الملك فاروق لمصر ومن الصدف أن تاريخ وفاة الخديوى عباس حلمى الثاني يوافق نفس تاريخ خلعه عن الحكم بعد 30 عاما
ونظرا لظروف الحرب العالمية الثانية وقت وفاة الخديوى عباس حلمى الثاني عاد جثمانه إلى مصر في 26 أكتوبر 1945 وتم دفنه في "تربة قبة أفندينا" وهى مقابر أسرة الخديوى توفيق بالقاهرة.

يدين بالفضل كل المتحفيين فى مصر ودارسى الآثار المصرية بمختلف حقبها التاريخية "القديمة - اليونانية الرومانية - الاسلامية - العصر الحديث" إلى الخديوي عباس حلمي الثاني الذى نحتفل اليوم بذكرى ميلاده 143، حيث أنشأ وافتتح المتاحف المصرية الكبرى، حيث كان من أهل الثقافة والعلم وحب لأبناء الشعب المصري الذي ولد وتربى بين ابناءه وكان غرضه الأساسي حفظ آثار وتراث مصر في متاحف تدل على عظمتها وتحميها من السرقات التى كانت منتشرة من الاجانب وغيرهم لينقلوها الى متاحفهم فى الخارج.
فكان باكورة المتاحف فى مصر هو المتحف اليونانى الرومانى بالاسكندرية وتحديدا فى 17 اكتوبر 1892م ثم المتحف المصرى فى التحرير فى نوفمبر 1902م ؛ثم المتحف الإسلامي والمبنى الجديد للكتبخانة فى باب الخلق 1903م ثم المتحف القبطى بمنطقة مصر القديمة 1910م، فهذا الرجل يرجع إليه الفضل في تأسيس المتاحف المصرية فهو إذًا أبو المتحفيين المصريين الحقيقي.

وطد الخديوِ عباس حلمي الثاني صلته بالجيش، وأمر بترقية الكثير من الضباط المصريين، وكان يشهد المناورات العسكرية بنفسه، ويقوم بالتفتيش على الثكنات، مما أدى إلى حنق اللورد كتشنر سردار الجيش المصري (القائد العام)، فأبدى تبرمه من هذا لدى للورد كرومر المعتمد البريطاني، واستقر الأمر على انتهاز أول فرصة للنيل من هيبة الخديوي أمام الجيش، وكان الضباط المصريون قد قدموا شكوى إلى الخديوي من سوء معاملة قائدهم الإنجليزي.
أثناء زيارة الخديوي لوادي حلفا، وكان يرافقه محمد ماهر وكيل وزارة الحربية، استعرض فرقة من الجيش المصري كان يتولى قيادتها ضابط بريطاني، فأبدى عدم رضاه عن تدريبها ونظامها، واعتبر كتشنر (قائد عام الجيش المصري)، هذا النقد قذفًا في حقه وإهانة لإنجلترا، فقدم استقالته، وطلبت إنجلترا من الخديوي إصدار أمره بشكر السردار والثناء على الضباط الإنجليز، وإبعاد محمد ماهر من منصبه، وهذا ما حدث بالفعل إذ اضطر عباس إلى إصدار أمر بهذا المعنى نشر بالجريدة الرسمية، وسحب كتشنر استقالته، في حين عزل محمد ماهر من منصبه، وكان كرومر قد هدد بخلع عباس حلمي إذا لم يعتذر ويسحب انتقاداته.

زار الخديوِ عباس حلمي الثاني تركيا ثلاث مرات (1893، 1894، 1895) وكان يعتقد أن السلطان العثماني يمكنه بمساعدة فرنسا وروسيا أن يجبر الإنجليز على الانسحاب من مصر، ولكن خاب ظنه عندما أخطره السلطان "أن يفوض أمره إلى الله، ويرضى بما قسم له".