مدرب غوص يروي لـ "الفجر" لحظات انتشال الغرقى بشاطئ الموت (فيديو)
اختارهم القدر ليكونوا "طوق النجاة" لإنقاذ حياة الأخرين من الموت، أو انتشال ضحايا غرقوا تحت أمواج البحر، "فالغواصون" على أتم الاستعداد للتضحية بأنفسهم في ظل مساعدة الإخرين، بالرغم من خطورة الشاطئ وارتفاع أمواج البحر المتلاطمة، إلا أنهم يحملون أراوحهم على كتفهم لأنتشال الغرقى، وتسليمها لأهلهم.
(12) ضحية لقو مصرعهم غرقًا، فجر يوم الجمعة، بشاطئ "النخيل"، بعد تسللهم إلى الشاطئ ضاربين عرض الحائط بقرارات مجلس الوزراء بمنع النزول للبحر والتواجد على الشواطئ في ظل جائحة كورونا واتخاذ إجراءات وقائية مشددة.
وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة لخطورة الشاطئ، وقرار إغلاقه وعدم السماح للمواطنين بالنزول فيه من قبل محافظة الإسكندرية ومجلس الوزراء، إلا أن الشاطئ كان مزدحمًا برغم من وجود 12 جثمان، ولم يكترثوا لهذه الفاجئعة.
ويقول الكابتن "إيهاب المالحي" مدرب غوص معتمد بالإتحاد الدولي ورئيس لجنة الانقاذ وحماية البيئة في إسكندرية ومطروح في حديثه إلى "الفجر": "عرفت بخبر غرق (12) شخص بشاطئ النخيل يوم الجمعة بعد الظهيرة، وذهبت مسرعًأ إلى هناك، وقمت بأستدعاء غطاسين يسكنون بالقرب من الشاطئ، عند علمي بوجود الغرقى كتبت بيانتهم عندي، وتابعت من خلال الهاتف مع الغطاسين حتى وصلت لمكان الحادث في وقت العصر، لأنه يبعد عن مكان سكني، وعادة أنزل بنفسي لإنتشال الجثمان، وبعض الاوقات برفقة الغواصين، وايضا أذهب للمحافظات الأخرى كالبحيرة، ودمياط وادكو، ومركز بدر".
ظهور سبعة جثامين على سطح البحر
وتابع عند وصولي المكان كان قد ظهر (7) من الجثامين على سطح الماء، وكان سبب الغرق هو أن البحر كان مرتفعًا جدا، والأشخاص لا يجيدون السباحة، ووجدت أن معظمهم من "أبو المطامير، العوايد، كوم حمادة"، فغرقوا جميعًا، وتضاربت الأراء حول غرق أحد الصبيان وذهب الجميع لإنقاذه فغرقوا معه ولكني لا اعتقد أن هذا الكلام صحيح، لأن الغرقى من أماكن مختلفة.
لحظات ما قبل انتشال الجثامين
وتابع "المالحي" كان معي معداتي ووجدت سيدات تصرخ وتبكي بحرقه على ذويهم المتوفين ولم يظهروا حتى الآن، فنزلت إلى البحر برغم من انه كان عالي جدًا، وكان معي 2 من زملائي الغطاسين نزلوا معي، واتصلت بقائد الانقاذ النهري المقدم محمود تحسين قبل نزولي، وقال لي أن الموضوع صعب جدا وكان خائفًا على الغطاسين لعلو البحر، وقال لي استأذن من "الحكم دار" قبل النزول، ونزلت إلى البحر وطلعت ولكني لم أعثر وقتها على المفقودين، وفي اليوم التالي، ارسلت اثنين من الغطاسين منهم "محمد القرموطي ومحمد منصور"، وظلوا هناك لمدة يومين، وتابعوا معي الحالات ولله الحمد تم استخراج جثمانين أخرين، ظهروا على سطح البحر، وبعدها خلال الساعة الخامسة، عند الحاجز الثالث ظهر جثمان اخر فأصبح الاجمالي 10 جثامين.
خروج جثمان أيمن من أبو المطامير
وصباح يوم الأحد اتصل بي "محمد القرموطي" أخبرني بخروج جثمان مساء السبت وهو "لأيمن" من ابو المطامير، وهو من انتشل جثمانه، فأصبح العدد (11) وتسلمه أهله وعادوا به لدفنه.
جثمان شادي لم يظهر بعد
وأشار إلى وجود اهالي من كوم حماده توفي لهم ثلاثة من عائلة واحدة، (2) اخوات وواحد ابن عمهم اسمه "شادي" ولكنه لم يظهر حتى هذه اللحظة فاصبح العدد (12) غريق.
وقال "المالحي" لم نستطيع العثور على شادي حتى الآن وهو الغريق رقم (١٢)، لأن البحر عالي جدًا، والمياه غامقة وسأرسل غطاسين آخرين، وانا اتوقع ظهور جثمانه خلال اليوم الثالث من وقت حدث الحادثة، على سطح المياه، لأنه غرق فجر الجمعة، والغريق بعد 3 ايام ينتفخ جثمانه، ويظهر على السطح، فمن المتوقع ظهوره قريبًا وتابع ناشدت الغطاسين للبحث عنه وهم (12) غطاس جمعتهم عند "كوبري ستانلي" للذهاب إلى هناك، ونحن نعمل بشكل تطوعي، بدون أجر ولوجه الله معنا سيارتنا ومعداتنا الخاصة، ولا نطلب المال من أهل الغريق، وكنت أتابع معهم بعد وصولهم إلى شاطئ النخيل، واشرح لهم ما يجب عليهم فعله.
كان الغطاسين يبحثون في الـ 7 حواجز للشاطئ، ويعتبر من الشاطئ للحاجز 110 متر، والحاجز 90 متر عرض، وبين الحاجز والحاجز 60 مترا.
فراغات الحواجز سببًا للغرق تحت الصخور
وتابع أن الناس الذين يغرقون عادة يكون البحر عالي وينجذب تحت الحواجز، لأن تحتها فراغ فتسحب الناس، عندما يكونوا قريبين من الحاجز الثاني وتبلغ فتحته (60) مترا فتؤدي إلى غرقهم، لأنه لا يوجد طول لهم، لذلك نحتاج لمنطقة آمنة، ونحتاج صيانة للحواجز، يجب إزالتها ووضع الرملة والطوب أسفل منها، لأن تحتها فراغ حتى لا يحسب أحد تحتها.
وبجانب ذلك يجب اغلاق الـ 60 متر ببلوكات على سطح البحر ولا تكون عالية عنه حتى تمر المياه من عليه ولا تحجز وتكوم كأنها حمام للسباحة، مثل شاطئ البروفياج، وأتمنى أن يتم ذلك في شاطئ النخيل وهي أمنية حياتي.
دعاء الأهل..يدعمني وهو أفضل شعور على الإطلاق
وأضاف ان أفضل شعور يحدث لي عندما انتشل جثمان غريق، أو انقذ غريق من الموت، فأسمع دعوات الأهل لي وللفريق، هذا الشعور جميل جدًا، ومهم بالنسبة لي ويشعرني بالسعادة لأنني اساعد أب، او أم، او أخ في العثور على ذويهم، كما أنني أستأذن من مكان عملي الاساسي لأنني أعمل موظفًا في شركة البترول، فأجهز العدة وأسافر بسيارتي لأي مكان لأرى هذه اللحظة، وهي فرحة الناس بظهور الجثمان لإستلامه ودفنه.
مواقف وذكريات على هامش الواقعة
وعلى هامش ذلك ذكر "المالحي" أحد المواقف التي حدثت معه في الماضي، ففي مركز بدر بالبحيرة منذ سبعة أشهر غرق طفل عمره 7 سنوات، وكانت كلمات والده مؤثرة في نفسي كثيرًا لذلك لن أنسى عندما قال لي «كنت عايز أربي ابني وأحفظه القرآن، ويكبر وأجوزه، بس أنا ابني داخل الجنة، أنا عايز إبني يدعيلي، ارجوك طلعه من البحر نفسي أدفنه، نفسي اشوف أي حاجة منه، حتى لو كان حتة صغيره من جسمه» وهذه أكثر كلمات أثرت في ولم أتمالك نفسي بعدها حتى أخرجت له إبنه من بين الصخور، وأثناء ذلك كانت كلماته في أذني وانا تحت الماء.
وذكر موقف آخر، في واقعتي غرق "حسام توتو في ادكو، ومحمد حسن في ستانلي بالاسكندرية"، فعند غرق "حسام توتو" كانت المياه غامقة والبحر عالي جدًا، والشاب كان بين الصخور وكان هناك صعوبة كبيرة في إخراجه، وكنت انا في البحر وحيدًا، وزملائي الغطاسين كانوا خائفين من النزول للبحر، برغم أمها كانت مجازفة كبيرة لخطورة الأمواج، إلا أنني نزلت من أجل الأهالي، كان اكثر م 10 الاف شخص على الشاطئ، ويتمنون فقط دفنه، وقال لي والده في صوت مقهور« انا لو هفضل شهر على البحر مش همشي غير لما ابني يخرج»، ونزلت لانتشال الجثمان من بين الصخور، ولكن سعادتي كانت عندما سمعت دعواتهم في أذني، وشعرت بالراحة من أجلهم.
المناشدة بعمل بلوكات لمنع حوادث الغرق المتكررة
وتابع أهم شئ أتمناه هو عمل "البلوكات"في الـ 60 متر، وهو مكلف حاليًا، فقد تصل لـ 3 ملايين جنيه كما قال المحافظ، وأرى انه يجب منع أي شخص من نزول الشاطئ، خاصة في ظل الكورونا، فشاطئ النخيل يوجد به (37) بوابة على (37) شارع من البحر، أي حوالي 2 كيلو، يجب أن يكون هناك أفراد أمن على كل بوابة تساعد الشرطة وتمنع الناس من النزول إلى البحر.
ونحتاج أيضًا "شامندورات" وهي عبارة عن كورة عائمة بها حبل، تكون مع الغطاس تحت المياه فيها حبل، وزميلة فوق السطح يمسك من الناحية الأخرى، حفاظا على سلامتهم، فمن الممكن الغطاس يتعثر بين الصخور، وقبل نزولهم للبحث عن الضحايا، أكتب اسماء الغطاسين وارقام هواتفهم، حتى أكون محافظًا عليهم.
ويجب أن يكون هناك منطقة آمنة بعد فتح الشواطئ، من الشاطئ إلى الحاجز، وتعيين أكثر من 24 غطاس، وأن يكون معهم دورة في الانقاذ والإسعافات الأولية، لكي ينقذوا الغرقى، كما يجب عمل شمندورات عائمة، لانقاذ الارواح، واستعمال القوة مع المصطافين عند خروجهم عن الاطار واحضار الشرطة لهم، وأن نضع في كل قرية سياحية منقذين، مُدربين وعلى مستوى عالي من الخبرة.
معدات فريق الإنقاذ النهري.. والعمل تطوعي
وأضاف"المالحي" إلى الفجر: بالنسبة للمعدات التي نستعملها تكون على حسابنا الشخصي وبشكل تطوعي، نحتاج إلى نظارة غطس، الزعانف، النفس، تانك الاسطوانة، ال بي سي الذي يعلق عليها التانج، ومنظم النفس، وكالومة بحبل، لأنني أُنزل اثنين من الغطاسين، أحدهم يرتدي عدة الغطس تحت المياه، والآخر يتابعه.
وتابع "المالحي" أنا في الغطس منذ صغري، لكن ميزت نفسي عن طريق الدورات التدريبية من سنة 1993، ومعي شهادات وانتهيت من الكليةو الجيش، وعملت في شركة البترول، في (2008) وتدربت، وأصبحت مدرب غوص معتمد للاتحاد الدولي، لكن كأحتراف بدأت فيه من (2010)، وكنت أعمل منقذًا منذ أن كنت في الجامعة على شاطئ الزهراء، واصبحت الآن المدير المالي والإداري بشركة خدمات بترولية، ولا انتمي لأي جمعيات وأعمل في انتشال الجثامين بدون مقابل مادي، ومعي فريق كبير جدًا، ومن يريد المساعدة منهم تطوعيًا يأتي للمساعدة بمعداته الخاصة.