في مئوية الإمبراطورة أوجيني.. "الإسبانية التي جلست على عرش فرنسا وهامت بمصر عشقًا"

أخبار مصر

الدكتور ولاء الدين
الدكتور ولاء الدين بدوي


يحل علينا في هذا العام ذكرى مرور مائة عام على وفاة الإمبراطورة أوجيني والتي خلبت لب الكثيرين، وكان لها مع مصر قصص وحكايات تداولتها المصادر التاريخية، وعن أوجيني يحدثنا الدكتور ولاء الدين بدوي مدير عام قصر الأمير محمد علي توفيق في المنيل. 

وأضاف بدوي في تصريحات خاصة إلى الفجر، أنها أوجيني دي مونيتو كوتيسه، ولدت في 5 مايو 1826 بإقليم غرناطة في أسبانيا، وتلقت علومها في فرنسا، وكانت تجيد الأسبانية والإنجليزية والفرنسية، وإلى جانب ذكائها الحاد كانت بالغة الجمال، وقد أعجب بجمالها وذكائها الإمبراطور نابليون الثالث وتزوجها في شهر يناير عام 1853 وأقامت في قصر التويلري.

امرأة بالغة الجمال
ثم روى قصتها مع مصر قائلًا: "أوجيني لم تكن مجرد امرأة بالغة الجمال، بل كانت صاحبة شخصية آسرة جذابة، وآثرت أن تدخل التاريخ وأن يكون لها أدوار سياسية، واستطاعت بالفعل أن تقرب المسافة السياسية بين إنجلترا وفرنسا بعد أن زارت إنجلترا مع زوجها وكانت موضع الحفاوة من الملكة فيكتوريا وزوجها الأمير ألبيرت. وكان من الطبيعي أن ترد ملكة إنجلترا وزوجها الزيارة إلي باريس. أحس الشعب الفرنسي بالدور السياسي التي تلعبه الإمبراطورة. وحظيت بشعبية كبيرة، حتي أطلقوا علي ابنها الذي وضعته (ابن فرنسا).

حسدها البعض لجمالها وذكائها واستغلال كل الفرص لتكسب مزيدا من النجاح، خاصة بعد أن ازداد نفوذها، وحبكت لها مؤامرة للتخلص منها. فقد حدث أن استقلت عربة مع الإمبراطور للذهاب إلي دار الأوبرا في أحد ليالي شهر يناير عام 1858، وإذا بثلاث قنابل حارقة تلقي علي العربة التي يستقلانها، وكان الهدف اغتيالها واغتيال الإمبراطور، ولكن القنابل انفجرت تحت عجلات المركبة، وقتل عدد من الحرس وإفراد من الحاشية.

وفي اليوم التالي وقف الإمبراطور في البرلمان وخطب خطبة قال فيها: "أشكر الله الذي منح الإمبراطورة ومنحني حمايته ورعايته، وإن كنت في حزن شديد لأن المؤامرة التي قصد بها اغيتال اثنين، انتهت بإزهاق أرواح أبرياء كثيرة. إن هذه الوسائل الوضيعة تدل علي ضعف وحقارة مدبريها، ولو راجعوا التاريخ لوجدوا أن الجريمة لا تفيد مرتكبيها، فلا من قتلوا القيصر، ولا من ذبحوا هنري الرابع أستفادوا شيئا.. إن الله يميت العادلين والصالحين، ولكنه لا ينصر الأشرار ولا الظالمين.

لذلك أري في هذه الاعتداءات شيئا خفيا يزعج حاضرنا ومستقبلنا، إن سلامتي هذه، هي سلامة الشعب والإمبراطورية.. فلنواجه المستقبل، ولنتحد لما فيه مصلحة الوطن وهيبة فرنسا بين شعوب أوروبا والعالم المتحضر.

نفوذ الإمبراطورة
بمرور الأيام ازداد نفوذ الإمبراطورة على حساب نفوذ الإمبراطور، فقد تمرست في أمور الحكم والسياسة، وزادت في نفوذها وسطوتها، وآثرت أن تستمتع بهذا النفوذ وتلك السطوة.

وجاءت مصر بدعوة من الخديوي إسماعيل بمناسبة افتتاح قناة السويس (16 نوفمبر 1869). جاءت وحدها دون الإمبراطور الذي كان مشغولا بالظروف السياسية التي تمر بها فرنسا، وبالغ إسماعيل في الاحتفاء بها، وكانت هي في الثالثة والأربعين من عمرها، ولكنها بالغة الأنوثة والتألق والجمال، وجاءت إلي مصر قبل ثلاثة أسابيع من الاحتفال زارت خلالها الآثار المصرية في الأقصر، وقد عبرت الإمبراطورة نفسها عن البذخ والترف في احتفالات افتتاح قناة السويس بقولها: لم أر في حياتي أجمل ولا أروع من هذا الحفل الشرفي العظيم.

عودتها إلي فرنسا
وبعد أن عادت الإمبراطورة أوجيني إلي فرنسا، قامت الحرب السبعينية بين روسيا وفرنسا، والتي غرق فيها الإمبراطور في الصراعات والهزائم، وكانت أصابع الاتهام تشير إلي أن وراء هذه المأساة هي أوجيني، وثار الشعب الفرنسي عليها، حتي أن خدمها سرقوا ملابسها وجواهرها وهربوا من القصر.

ونصحها (السنيور نيجر) سفير إيطاليا في باريس أن تخرج من أحد أبواب القصر الخلفية وتهرب إلي إنجلترا، وخرجت هاربة إلي إنجلترا، ولحق بها زوجها وأبنها لويس نابليون بعد ذلك. ولكن توالت عليها الكوارث، فقد لقي ابنها لويس حتفه بعد سنوات كئيبة وهو في ريعان الشباب، فقبعت في منفاها تجتر آلامها دون أن تتدخل في أمور السياسة من قريب أو بعيد.

وفي عام 1905، حنت الإمبراطورة العجوز إلي أرض الذكريات، إلي السويس. وأتت الي مصر متنكرة، ونزلت لعدة أيام في فندق (سافوي) في بورسعيد. وما أن علم شعراء مصر بهذا الحادث الدرامي المثير، حتي تبادورا في التعبير اللاذع عن مفارقات الأمس واليوم.

ذكرت جاويدان هانم أنه: أثناء حكم الخديوي عباس حلمي الثاني، بعد موت الخديوي إسماعيل، والخديوي توفيق كان هناك امرأة كهلة موشحة بالسواد تزور مصر سنويا وتبدأ مقامها في القاهرة بزياره أرامل إسماعيل، هذه المرأة الكهله كانت أوجيني إمبراطوره فرنسا السابقة. 

وختم بدوي كلماته قائلًا إنه في عام 1920 بلغت أوجيني الرابعة والتسعين من عمرها، ففكرت أن تنهي حياتها بزيارة أسبانيا مسقط رأسها، وكانت تربطها بملكتها أواصر صداقة قديمة، وما أن وصلت إلي مدريد حتي اشتد عليها المرض، فقضت نحبها في 11 يوليو من نفس العام بسبب الضعف والشيخوخة.