بطرس دانيال يكتب: كُنْ متواضعاً... تكن جميلاً
كتب القديس بطرس الرسول فى رسالته الأولى ليحث المؤمنين قائلاً: «وكذلك أنتمُ الشُبّان اخضَعوا للشيوخ والبَسوا كُلُّكم ثَوبَ التواضُع فى مُعامَلةِ بَعضكم لبعض، لأن الله يُكابرُ المُتَكبِّرين ويُنعِمُ على المُتواضِعين» (1 بطرس 5:5). مما لا شك فيه أن الكبرياء رذيلة ممقوتة من الجميع، ولكن للأسف يقع فيها الكثيرون عن عَمْدٍ أو دون قصد، كما أنها تُدمّر حياة صاحبها. لا ننكر أن بذرة هذه الرذيلة التى يحملها كل شخصٍ فى قلبه تصطحبه منذ الطفولة، لذلك يحتاج الإنسان وقفة مع ذاته متسائلاً فيها: «لماذا أنا أتعالى على الغير وأحتقره حتى ولو كانت لى كثير من المزايا والحسنات والقدرات؟ هل يستطيع أى شخص منّا أن يتفاخر بعلمه وذكائه وماله متناسياً احتمالية فقدان وفناء كل هذه الأشياء؟ يُحكى أن رجلاً وابنه كانا يسيران معاً على الأقدام، وعندما وصلا إلى أحد الحقول قال الابن لوالده: «انظر يا أبى لتلك السنابل الشامخة التى تتمايل مع النسيم فى العلاء، مما لا شك فيه أنها تتميز بكثرة ثمارها وتفتخر بجمال عيدانها، فى حين أن هناك سنابل منحنية تميل بفروعها نحو الأرض كأنها فى شدّة الخجل من ندرة ثمارها!» ولكن بعد لحظة صمت وبابتسامة أجابه والده قائلاً: «يختلف الأمر تماماً عمّا تعتقد فيه، لأن السنابل الشامخة لم ترتفع للعلاء نتيجة الثمار التى تحملها؛ ولكن لأنها خفيفة وفارغة وجوفاء لا ثمر فيها، بينما تلك المنحنية نحو الأرض مثقّلة بالحنطة الكثيرة». هنا نستطيع أن نتعلم الدرس بأن قيمة الإنسان ليست فى إعجابه بذاته أو مديح الناس له بالتملّق والنفاق؛ بينما تزداد قيمته من الأعمال الصالحة والخيّرة والفاضلة التى يقوم بها. لذلك يجب أن نضع فى الاعتبار أن الكبرياء أصل كل شر وبلاء وشقاء لأنه يدفع صاحبه إلى ارتكاب الشرور؛ بينما التواضع أساس ومصدر كل الفضائل، كما يجب أن نعى دائماً ونفهم أن بقاء الحال من المُحال، فالصحة يعتريها المرض ويضعفها، وصاحب المال يجب أن يتذكّر بأنه من الممكن فقدانه فى لحظةٍ ما، والجمال يزول مع الوقت أو لسببٍ ما. نقرأ جميعاً عن أشياء تحدث كل يومٍ وكل لحظة تعلمنا أن الإنسان ضعيف مهما كان يملك كل شيء، مرض بلا شفاء، خسارة مالية لا تُعَوَّض، حُب مخدوع، جمال تلاشى نتيجة مرض أو حادث وغيرها. لذلك يجب على كل واحدٍ منّا أن يتواضع ويعرف حدوده وضعفه وهشاشته، لأن الإنسان المتعالى فارغ يُحدِث ضجيجاً كالإناء الخاوى من أى شيء، كما أنه يُحيط نفسه بهالةٍ كاذبة متخيلاً ذاته الآمر والناهى، ولا يعلو عليه أحدٌ، متناسياً تماماً أن كل حياتنا بيد الله خالقها وواهبها وحارسها. والمتكبّرون يظنون أن العالم سيخسر الكثير إن لم يسمع نظرياتهم أو يقدّر أعمالهم، والويل لمن يعترضهم أو لم يُظهر إعجابه بقدراتهم وإمكانياتهم، لذلك يعلّمنا السيد المسيح قائلاً: «فمَن رفعَ نفسه وُضِعَ، ومَن وَضَعَ نفسه رُفِعَ» (متى 12:23). كم هو مثير للضحك والسخرية تصرّف المتكبّر الذى يتعالى على الآخرين! نجده نافشاً ريشه كالطاووس، ورافعاً رأسه فوق الجميع ناظراً إليهم بتهكّم وسخرية. علاوة على ذلك تظهر عيوب المتكبّر المتنوعة الذى لا يصدّق إلا ذاته فقط ويتأثر بكلام الناس من مدح أو ذم، ويعتبر قيمته فى أفواههم وليست من أعماله إن كانت حسنة، ويُبالغ فى تقدير ذاته بدافع الغرور أو الغيرة من الآخرين، كما أنه ينسب لذاته ما يفعله الناس وما يستحقونه من مديح، ونحن نعلم أن الإعجاب بالنفس مرض الإنسان الذى لا يجد ما يملكه أو يعمله لينال رضا الآخرين فيسعى إلى تعويض ذلك بنفسه نتيجة إهمال الناس له، ويلجأ إلى الزهو والافتخار والتعالى. بينما الإنسان العظيم حقاً يتحلى بفضيلة التواضع ولا يتعالى على أحدٍ ولا يفتخر بشخصه، ولكنه ينصت للآخرين باحترام وتقدير لشخصهم، لأن التواضع والبساطة هما الحد الفاصل الذى يمهّد لسمو الإنسان، ويستطيع أن يرفع من قدر ذاته ويسمو أكثر عندما يتواضع أمام الجميع عارفاً حدود ذاته، ويعترف بأن كل شخصٍ منّا منحه الله صفات ومواهب وقدرات فريدة تختلف عن الآخر، لذلك يجب عليه أن يستثمرها للخير ويرى أنه يكتمل بالله أولاً ثم بالآخرين. ونختم بكلمات الكاتب الإنجليزى جورج أليوت: «إن المغرور مثل الديك الذى يعتقد أن الشمس لا تشرق إلا لكى تسمع لصياحه فى الصباح».