محمد الباز يكتب: خطة أبو بكر الصديق لفض اعتصام رابعة العدوية

أخبار مصر

محمد الباز يكتب:
محمد الباز يكتب: خطة أبو بكر الصديق لفض اعتصام رابعة العدوي


كانت دماء الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم لم تبرد بعد، عندما أعلنت غالبية العرب ارتدادها عن الإسلام... نظر أبو بكر الصديق رضى الله عنه حوله، فلم يجد مواليا لحكمه سوى أهل المدينة والقبائل القليلة المحيطة بها.

لم يكن الذين أعلنوا ردتهم عن الإسلام على قلب رجل واحد، كان لكل فصيل مبرره ودافعه.

منهم من رفض دفع الزكاة التى فرضها الإسلام.. اعتبروها ضريبة دفعوها للنبى، أما وقد مات فلا حاجة لدفعها.. والذى كان فى تصورهم لونا من الخضوع المهين.

ومنهم من اعتقد أن ولاءهم السياسى كان للنبى محمد شخصيا يتعلق باتصاله بالسماء.. ولأنه مات فلا أحد يستحق أن يكون له هذا الولاء الشخصى، حتى لو كان خليفته وصديقه أبو بكر الصديق.

ومنهم من رفض الخضوع لحكم أبى بكر الصديق بسبب العصبية القبلية وليس أكثر من ذلك.. فقد رأت القبائل أنه إذا كان ولابد أن يكون هناك خليفة لمحمد.. فليكن منهم وليس من غيرهم.

نظر أبو بكر الصديق حوله فوجد أن المسلمين الذين تمسكوا بدينهم قلة، لكنه لم يتردد فى قراره بمقاتلة المرتدين.. أعلن أنه ماض إلى القتال.

الذين امتنعوا عن دفع الزكاة، ولأنهم اعتقدوا أنهم لم يخطئوا، فهم على العهد باقون، وعندما علموا أن أبا بكر ماض إلى قتالهم، أرسلوا وفدا إلى المدينة المنورة مقر الحكم لمفاوضة الخليفة، ولما سمع عدد من كبار الصحابة وجهة نظرهم – فهم لم يتركوا الإسلام – ناقشوا أبا بكر فى قرار الحرب.. إلا أنه قطع الطريق عليهم تماما، قال: والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لجاهدتهم عليه .

اعترض عمر بن الخطاب رضى الله عنه طريق أبى بكر، سأله: كيف تقاتلهم وقد قال رسول الله: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها عصم منى نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله، فرد أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.. فإن الزكاة حق المال، ووالله لو منعونى عقالا لقاتلتهم عليه.

على الضفة الأخرى رأى الصحابة أن الأخذ باللين أفضل إذا زلزلت الأرض بالردة والنفاق.. وكان عمر واضحا جدا، قال: يا خليفة رسول الله تألف الناس وأرفق بهم، فأجابه أبو بكر: رجوت نصرتك وجئتنى بخذلانك.. أجبار فى الجاهلية وخوار فى الإسلام.. لقد انقطع الوحى وتم الدين، فهل ينقص وأنا حى، وأليس قد قال رسول الله بحقها، ومن حقها الصلاة وإيتاء الزكاة، والله لو خذلنى الناس كلهم لجاهدتهم بنفسى.

هل يمكن أن تتأملوا موقف أبو بكر الصديق رضى الله عنه قليلا؟

هذا الرجل الرقيق الذى كان خفيض الصوت يتحول فجأة إلى وحش كاسر فى الحق، تضاءل أمام إصراره على القتال عمر بن الخطاب جبار الإسلام.. أبو بكر واجهه بها، أجبار فى الجاهلية وخوار فى الإسلام، اعتبر الصديق أبو بكر أى حديث عن اللين مع من ارتدوا عن الإسلام خوارا.. ولو كان القاموس السياسى الذى نعمل به الآن موجودا أمام الصديق لما تراجع عن اتهام عمر بالخيانة العظمى.

لم يكن أبو بكر الصديق يحارب حربا دينية بالمناسبة.. كانت الحرب سياسية من الدرجة الأولى، إنه يعلم بقربه من الرسول صلى الله عليه وسلم أن الدين الذى تعهد الله بحفظه لا يمكن أن يزول لمجرد أن بعض معتنقيه تراجعوا عنه.. لكنه كان يهتم بهيبة الدولة.. الدولة الوليدة التى كادت أن تنهار وتتبدد.

لم تكن المسألة مسألة امتناع بعض القبائل عن دفع الزكاة أو إحساس بأن صاحب الدين المتصل بالسماء مات، وعليه فلا ولاء لمن يأتى بعده يتحدث باسم الإسلام، ولكن الأزمة لدى أبى بكر الصديق أن هناك من لم يعترف به، من لم يقدم له الولاء لأسباب تتعلق بالعصبية الجاهلية.

دافع أبو بكر الصديق باستماتة عن المدينة المنورة، وأرسل جيوشه إلى القبائل العربية، وكانت درة التاج فى معارك حروب الردة هى معركة اليمامة، التى قيل إن سبعين من حفظة القرآن الكريم ماتوا فيها، لكن الواقع يقول إن المسلمين قتلوا ما يقرب من 21 ألفا ممن خرجوا على طاعة أبى بكر الصديق.. بعض الروايات أشارت إلى أن القتلى لم يتجاوزا أربعة عشر ألفا.. وحتى لو كانت هذه الرواية صحيحة، فإن خليفة رسول الله بارك قتل كل هؤلاء من أجل تثبيت دولته وبسط هيبته.

والآن.. هل يختلف المعتصمون فى رابعة العدوية وميدان نهضة مصر عن الذين ارتدوا عن الإسلام فى فجر الدولة الإسلامية؟

يمكن أن يرتفع ضغط بالطبع.. لأن المعتصمين فى رابعة هم الذين يتحدثون عن الإسلام ويعتبرون أنفسهم وكلاءه فى الأرض، وأنهم ما خرجوا إلا من أجله.. بل يعتبرون من يعارضون الإخوان الآن أعداء الله الكفرة الذين لابد من قتالهم وقتلهم.

سأقول لك أن هؤلاء هم المرتدون الجدد.. ليسوا مرتدين عن الإسلام.. فلسنا من نقول بذلك، فالدين سر بين الله وبين عباده لا يمكن أن نتدخل فيه أبدا، لكنهم مرتدون عن الوطن.. أخرجتهم عصبيتهم لجماعتهم التى يريدون أن يضعوها فوق مصر.. ومن أجل رئيسهم الفاشل الذى كان يريد أن يرتد بالوطن إلى الوراء مئات السنين ببلاهته وسطحيته وسذاجته.

الآن لدينا دولة جديدة.. الشعب الذى خرج بالملايين هو الذى حدد شكلها وملامحها، وأعطى تفويضا لمن سانده بأن يواجه إرهاب المرتدين عن الوطن.. وأعتقد أن القائمين على الدولة لو أخذوا من أبى بكر الصديق قدوة لهم.. ما جلسنا مترديين ننتظر ما تسفر عنه الأحداث.

كنا نفتقد أيام محمد مرسى رجال الدولة.. وأخشى أن أقول إننا الآن نفتقد إلى الرجال الذين يحسمون أمرهم.. ويفرضون هيبة الدولة.. ويؤكدون للجميع أن مصر أكبر من الجماعات والعصبيات والخرافات التى يرددها المعتصمون فى رابعة العدوية.

المعركة التى يخوضها الإخوان المسلمون الآن هى معركة حياة أو موت.. والحلول السياسية العرجاء التى يحاول البعض أن يتشدق بها الآن ستكون خطرا على الأجيال القادمة، فما الذى سنفعله بأبنائنا، ونحن نسمح للفكر الإخوانى وللأفكار السياسية المبنية على أساس دينى أن تعتلى المسرح السياسى مرة أخرى.

يمكن أن يخضع الإخوان ومن يوالونهم فى النهاية.. يقبلون بحلول سياسية أقل بكثير من التى يتحدثون عنها، لكنهم سرعان ما سيتجمعون مرة أخرى، ويستردون عافيتهم مرة أخرى، وعندما يعودون لن يكون ثأرهم مع الجيش فقط ولا مع الشرطة فقط، ولكن مع الشعب المصرى كله، وقد جربنا هذه الجماعة فلم نجد لها أخلاقا لا فى المعارضة ولا فى السلطة.

لا أطالب بإقصاء مواطنين مصريين رغم كل ما فعلوه، ولكننى أطالب بتنحية أفكار ثبت أنها ضد الحياة والحضارة والناس.. أفكار يروج لها أصحابها على أنها إلهية ولابد أن تسود.. رغم أن الله برىء منها ومن أصحابها.. يعمل الإخوان جاهدين على أن يحافظوا على تنظيمهم وجماعتهم، فيلحون على عدم الاقتراب من أموالهم فى البنوك.. ويعملون جاهدين كذلك على ألا يتم تفكيك حزب الحرية والعدالة.. وذلك حتى يعيدوا الطريق من جديد.

إنقاذ الوطن، هذا إذا كان هناك من يريدون إنقاذه بشكل حقيقى لن يأتى إلا بتفكيك جماعة الإخوان المسلمين إلى الأبد وإعدام حزبها.. والنص فى الدستور الجديد بشكل كامل على عدم تأسيس أى أحزاب على أساس دينى.. الحلول الوسط لن تجدى.. وعفوا إذا قلت إن المرقعة السياسية لن توردنا إلا موارد التهلكة.

قد يكون عند محمد البرداعى الذى قال باستخدام العنف لفض اعتصام رابعة والنهضة فى إطار القانون كل الحق، لكنه فى النهاية الآن فى دائرة صنع القرار، وبدلا من أن يتحدث عليه أن يفعل الآن وليس غدا، يبحث عن الصيغة القانونية التى يريدها ليخلص الناس من هذا الكابوس.

إننى لا أتاجر بالدين.. ولم أستند إلى تجربة أبى بكر الصديق فى حروب الردة من أجل البحث عن تبرير دينى، فالأمر بالنسبة لى كله سياسة، فعندما أراد الصديق وهو ثانى اثنين إذ هما فى الغار – ولا يمكن لأحد من الإسلاميين أن يطعن فيه أو يزايد عليه – لم يتردد فى استخدام القوة.. فهل تأخذون من خليفة الرسول قدوة لكم.. أم تنتظرون حتى يخرج المصريون ليتخلصوا من الإخوان بأيديهم؟

أمامكم الخيار.. وليس عليكم إلا أن تختاروا..