جوزيف بشارة يكتب: اختزال القضية في مرسي يعيد مصر لما قبل 30 يونيو

مقالات الرأي

جوزيف بشارة يكتب:
جوزيف بشارة يكتب: اختزال القضية في مرسي يعيد مصر لما قبل 30

في مؤتمره الصحفي الذي عقده بعد لقائه بمنسقة الشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، أعلن نائب الرئيس الجمهورية المصري محمد البرادعي أن عودة محمد مرسي لرئاسة الجمهورية غير واردة. وقال البرادعي أن تظاهرات الثلاثين من يونيو جاءت لتضع ثورة يناير على الطريق السليم ولتصحح الأخطاء التي ارتكبها محمد مرسي. غير أن البرادعي أكد على أن الإخوان المسلمين فصيل وطني له مكانه في الحياة السياسية في المستقبل في إطار خريطة الطريق الشاملة التي تضم الجميع كافة الأحزاب والطوائف والجماعات المصرية. لم يكن البرادعيهو السياسي الوحيد الذي يستبعد مرسي ويقبل بعودة الإخوان المسلمين إلى الساحة السياسية، فالكثيرون ممن لعبوا دور المحلل في وصول الجماعة إلى سدة الحكم في مصر فعلوا الأمر نفسه، وكأن القضية هي شخصية محمد مرسي وليست سياسات الإخوان .

من المؤكد أنه من المهم أن تكون خريطة الطريق شاملة وتضم كل الفصائل الوطنية في مصر. من المهم أن يشارك الوطنيون من اليساريين واليمينيين والوسطيين والمتدينين واللادينيين وغيرهم في رسم خريطة مستقبل مصر. ولكن السؤال الذي يحيرني هو هل تعتبر جماعة الإخوان المسلمين، بعد كل ما ارتكبته من جرائم بحق الوطن، جماعة وطنية بحق بحيث يحق لها الجلوس على طاولة واحدة مع الأطياف الوطنية المصرية لتحديد معالم المستقبل؟

أدركت عند قراءتي لكتب قادة ورموز الجماعة، قبل سنوات طويلة، أن منهج جماعة الإخوان المسلمين لا يعترف بالانتماء الوطني على الإطلاق. وادركت أيضاً أن الانتماء الوحيد الذي تعرفه الجماعة هو الانتماء للأيديولوجية الإخوانية كما رسمها منظروها الأوائل كحسن البنا وسيد قطب. تقوم أيديولوجية الإخوان على عدم الاعتراف بالوطن ولا بحدوده الجغرافية. مصر بالنسبة للجماعة هي مجرد قطر من أقطار عديدة تضم أناساً يجمعهم رباط العقيدة الإسلامية. يؤكد مؤسس الجماعة حسن البنا على هذا المفهوم في رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان الإخوان والقومية والعروبة الإسلام. يقول البنا فالإسلام والحالة هذه لا يعترف بالحدود الجغرافية ولا يعتبر الفروق الجنسية والدموية، ويعتبر المسلمين جميعا أمة واحدة، ويعتبر الوطن الإسلامي وطنا واحدا مهما تباعدت أقطاره وتناءت حدوده. وكذلك الإخوان المسلمون يقدسون هذه الوحدة ويؤمنون بهذه الجامعة، ويعملون لجمع كلمة المسلمين وإعزاز أخوان الإسلام وينادون بأن وطنهم هو كل شبر أرض فيه مسلم يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله)...

كذلك لا يعتقد الإخوان برباط الوطنية الذي يجمع بين المسلمين وغيرهم في مساحة جغرافية واحدة. يقول حسن البنا في إحدى رسائله تحت عنوان رباط العقيدة ويقول الناس بالنسبة الإخوان المسلمين ينقسمون إلي قسمين: القسم الأول هو قسم اعتقد ما اعتقدوه من دين الله و كتابه وآمن ببعثه ورسوله وما جاء به، وهؤلاء تربطنا بهم أقدس الروابط، رابطة العقيدة وهي عندنا أقدس من رابطة الدم ورابطة الأرض، فهؤلاء هم قومنا الأقربون الذين نحنّ إليهم ونعمل في سبيلهم ونذود عن حماهم ونفتديهم بالنفس والمال، في أي أرض كانوا ومن أية سلالة انحدروا. والقسم الثاني هو قوم ليسوا كذلك ولم نرتبط معهم بعد بهذا الرباط فهؤلاء نسالمهم ما سالمونا ونحب لهم الخير ما كفوا عدوانهم عنا، و نعتقد أن بيننا وبينهم رابطة هي رابطة الدعوة، علينا أن ندعوهم إلى ما نحن عليه لأنه خير الإنسانية كلها، و أن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدد لها الدين نفسه من سبل و وسائل، فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يرد به عنوان المعتدين.

ويمضي حسن البنا ليحدد حدود الوطنية عند الإخوان فيذكر أن وجه الخلاف بيننا (الإخوان) وبينهم (الأخر) فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية، فكل بقعة فيها مسلم يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وطن عندنا له حرمته وقداسته وحبه والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره، وكل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم. ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك فلا يعنيهم إلا أمر تلك البقعة المحدودة الضيقة من رقعة الأرض، ويظهر ذلك الفارق العملي فيما إذا أرادت أمة من الأمم أن تقوي نفسها على حساب غيرها فنحن لا نرضى ذلك على حساب أي قطر إسلامي، وإنما نطلب القوة لنا جميعا، ودعاة الوطنية المجردة لا يرون في ذلك بأسا، ومن هنا تتفكك الروابط وتضعف القوى ويضرب العدو بعضهم ببعض.

قضية الوطن إذن واضحة وجلية في كتابات مؤسس الجماعة الذي يسير على نهجه كل قادة وأعضاء الجماعة. في المنهج الإخواني، مصر ليست وطناً لأنه لا يوجد بالأساس ما يسمى بالوطن ذي الحدود الجغرافية، كما أن المصريين من غير المسلمين ليسوا شركاء وطن للإخوان لأن الوطن لدى الجماعة يقوم على رابطة العقيدة لا الأرض. الحدود الجغرافية لدى الإخوان مصطنعة ولا يجب أن تفرق بين المسلمين، وما يجمع بين المسلمين هو الإسلام وليس الأرض. الإسلام هو أسمى كل الروابط وهو الوطن المشترك بين المسلمين. ولعل مفهوم الإخوان لفكرة الوطن يفسر تعاون نظام حكمهم البائت مع تنظيمات ودول خارجية على حساب أمن واستقرار مصر والمصريين. كما أن مفهوم الإخوان لفكرة الوطنية يفسر إيمان الجماعة بأن المسلم الماليزي أقرب للمسلم المصري من المسيحي المصري. فالمسلم الماليزي والمسلم المصري يجمعهما الإسلام أو ما هو أسمى من الموقع الجغرافي.

وبناءً على الفهم الإخواني للوطن لست أعتقد أنه يجب اعتبار الإخوان المسلمين جماعة وطنية. الأمر ليس استبعاداً على الإطلاق. الأمر يتعلق بالعقيدة الغريبة التي يتبناها الإخوان المسلمون. لا يمكن أن يؤتمن الإخوان على الأسرار العسكرية للدولة لأنهم سيسربونها، كما لا يمكن أن يؤتمنوا على حكم دولة عصرية متعددة الأديان لأن غير المسلمين، في المفهوم الإخواني، ليسوا مواطنين لهم نفس حقوق المسلمين وعليهم نفس الواجبات. ولقد جرّب المصريون الإخوان طيلة عام كامل نفذ خلاله الإخوان منهجهم وتسببوا في مشاكل خطيرة لمصر كان اكثرها خطورة تعريض أمن مصر القومي للمخاطر. وكان تدهور الاوضاع الأمنية في سيناء واستقدام عناصر جهادية تتبع تنظيم القاعدة وحركة حماس إلى سيناء دليلاً على استباحة الإخوان المسلمين لأمن مصر القومي. ولست أستبعد هنا ان يكون إفشاء النظام الإخواني لأسرار مصر العسكرية واستباحته لأمنها القومي قد لعبا دوراً كبيراً في إقناع الجيش بالاستجابة السريعة لطلبات الملايين من المصريين الناقمين على حكم الإخوان. رأى الجيش التضحية بالديمقراطية لإنقاذ مصر من نظام هدد أمنها كما لم يهدده اعداؤها.

القضية إذن لا يمكن اختزالها في شخص محمد مرسي. القضية أكبر من فشل مرسي في استتباب الأمن وتوفيرالمواد الغذائية والوقود. القضية ترتبط بالمنهج الإخواني الذي يهدد أمن مصر القومي. من المهم أن يعي المصريون هذا حتى لا يقعوا في فخ الإخوان مرة أخرى. لقد أخطأ الكثيرون من المصريين من قبل حين صدقوا الإخوان وابتلعوا اكاذيبهم واعتنقوا مناهجهم. وأخطأ المصريون أيضاً عندما دافعوا عن الإخوان حين أدرك نظام مبارك مدى خطورتهم وتعامل معهم بالأسلوب الأمثل بوضعهم خلف القضبان. كما أخطأ المصريون خطيئتهم الكبرى حين انتخبوا الإخوان وأوصلوهم إلى سدة الحكم. وإذا كان من الممكن تلافي كل هذه الأخطاء إذا ما كان المصريون قرأوا كتب قادة الإخوان، فإنه من المهم اليوم ألا يقع المصريون في مصيدة الجماعة مرة أخرى. المطلوب اليوم هو حظر الجماعة ومحاكمة قادتها على جرائمهم بحق الوطن. وإن لم يحدث هذا فمن الممكن أن تعيد انتخابات زيت وسكر جديدة الإخوان إلى سدة الحكم مرة أخرى، وتعيد مصر إلى ما قبل الثلاثين من يونيو. فهل يقبل المصريون هذا؟